شعبـة سطيف: تحتضــن ملتقى «تنامي الجريمة في المجتمع الجزائري»

متابعة: أبو ياسيــن (سطيف)
في سياق أنشطتها العلمية ـ الثقافية نظمت شعبة سطيف لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين يوم السبت الماضي 5 مارس 2022 ملتقى وطنيا تحتى مسمّى «تنامي الجريمة في المجتمع الجزائري: الأسباب والمعالجات (الحلول)».
وقد انطلق الملتقى في حدود الساعة التاسعة والنصف، بقاعة المحاضرات التابعة للمتحف العمومي (سطيف) قرب البارك مول.
أطّر أشغال الملتقى العلمي «تنامي الجريمة» مجموعة من الأساتذة الجامعيين الأفاضل، الذين حضروا من عدد من الجامعات الجزائرية، في اختصاصات: علم النفس، الإعلام والاتصال، علم الاجتماع، إلى جانب العلوم الشرعية الإسلامية .
وقد كانت المداخلات نوعية ورفيعة المستوى، اجتهد المحاضرون في وضع أصابع التشريح على «الجروح» العميقة والـسطحية في هذه القضية الهامة والخطيرة في مجتمعنا(الجريمة)، والتي تهدّد المجتمع الجزائري في أمنه، واستقراره، وسلامته، وانسجامه. والحمد لله فإن الجمعية تحمل لواء «الإيقاظ» والتحذير باستمرار وانتظام؛ حيث إنها سبّاقـة إلى طرح الموضوعات ذات العلاقة بسلامة المجتمع (الانحرافات، المخدّرات، التفكك الأسري، الجريمة، الغش الخ، وتشهد على ذلك ندواتها وملتقياتها وفعالياتهـا الكثيرة في مختلف الولايات شرقا وغربا شمالا وجنوبا، وهذا العمل الدعوي المجتمعي يدخل ضمن سياق «اللهـم إني قد بلّغتُ…».
****
وقد كانت البداية بآيات من الذكر الحكيم، ثم النشيد الوطني، ثم نشيد الجمعية، فكلمة ترحيبية لرئيس الشعبة الولائية الأستاذ موسى ميلي؛ حيث رحّب بالحضور وقدم خلاصة عن موضوع الملتقى وبيان أهميته؛ خاصة في هذه الظروف التي تشهد ارتفاعا رهيبا في منحنى الجريمة (بكل أنواعها). ثم كلمة لمدير الملتقى الأستاذ سليم يلّس، فكلمة للأستاذ الدكتور مولود سفّاري عن دواعي وأسباب اختيار هذا الموضوع الخاص بالملتقى.
لتتوالى المحاضرات متسلسلة، متقاطعة في كثير من نقاط «الالتقاء» اجتماعيا، وسياسيا، وثقافيا، ودينيا، ونذّكر بها هنا:
ـ الجذور التاريخية للعنف في المجتمع الجزائري، للبروفيسور مولود سفاري.
ـ أخلاقيات تغطية أخبار الجريمة بين المسؤوليـة الاجتماعيـة والسّبق الصحفي، للدكتور محمد غزالي.
ـ الأدوات الوظيفية للجريمة في المجتمع الجزائري، للدكتور نور الدين بكيس.
ـ الموقف الإسلامي من جريمة القتل: للدكتور إبراهيم بودوخـة.
ـ الظاهرة الإجرامية في المجتمع الجزائري: قراءة في أهمّ الأسباب والانعكاسات، للدكتور عبد الرزاق عجالي.
ـ الانحراف والإجرام لدى الشباب: المواقع النفسيـة واستراتيجيات الحلول الممكنة للدكتور خالد عبد السلام.
ـ دون أن ننسى مداخلتين هامتين من الأستاذة المحامية المعروفة ابن براهم، والبروفيسور في الطب الشرعي بن قبي سعدية. مداخلة الأستاذة بن براهم في الشؤون القانونية والحقوقية وما يتصل بها من حقوق السجناء، والقوانين المتصلة بذلك، مع التركيز على ما يجب من الدولة والمجتمع نحو أبنائنا الذين يسقطون في «بيئة الانحراف» ـ لأسباب كثيرة ومتنوعة ـ وخاصة من جهة الدولة التي ينبغي أن توفّر كل الظروف والإمكانات الخاصة بمعالجة المدمنين ومرافقة الشباب (وقاية وعلاجا) حتى لا ينخرطوا في حقول الانحراف والإجرام.
وأما مداخلة الأستاذة سعدية فتعلقت بتجربتها الخاصة في مجال الطب الشرعي، وهو مجال مهم للغاية في كل ما له علاقة بالجريمة وما يتعلق به، وأكدت أن الطب الشرعي أداة مهمة في مجال الكشف عن الحقائق الخاصة بالإجرام، ومن ثم ّ فهو يساعد بشكل كبير على الإحاطة بظروف نشأة الجريمة والوصول إلى الدوافع والأسباب التي تؤدّي إليها.
وبالجملة كان الملتقى لقاء نوعيا جمع نخبة طيبة من الأساتذة الجامعيين والباحثين الأكاديميين الذين اجتهدوا في تشخيص «الظاهرة»، كما اجتهدوا في تقديم الحلول الواقعية الممكنة لهذه الظاهرة المَرضية الخطيرة «تنامي الجريمة»، واقترحوا بجرأة ما يجب أن يتمّ في مجال الوقاية من الجريمة، تأمينا للمجتمع من الأضرار الوخيمة للانحراف والجريمة، وأيضا ما يجب في مجال العلاج للحـد ّ من تمدد واستفحال الجريمة في المجتمع .
وتفاصيل تغطيـة هذا الملتقى الراقي تُنشــر، إن شاء الله تعالى في صحيفة البصائر، العدد المقبل.
وإن كان من ملاحظات نبديــها في هذا الشأن فإنما هي:
1- تنامي الجريمة في المجتمع الجزائري رهيب ومتعدد الأشكال، وأرقامها خطيرة (أكثر من 290 ألف جريمة سنويا ـ إحصائيات سنة 2021 (الرسمية). وهو رقم ضخم وخطير ودالّ على مدى الاختلال في المجتمع. بالطبع ثمة جرائم أخرى يمكن تسميتها بـ «جرائم الظّل»(التي لا تُعرف أو التي لا يُعلن عنها)، ما يعني أن العدد أكبر ووقعه أقسـى وأشدّ على سلامة المجتمع وتماسكه. الجرائم هنا حسب الأستاذ المحاضر متنوعة: اعتداء على الأفراد، اعتداء على الممتلكات، اعتداء في شكل مخالفات، سرقات وسرقة السيارات خاصة، العنف ضد المرأة، ضد الأطفال، جريمة تهريب البشر، الجرائم الاقتصادية، الجرائم الأخلاقية..الخ
2- ملاحظة سلبية للغاية تتمثل في «غياب» الجهات المعنية من سلطات رسمية وغيرها، خاصة القريبة من موضوع الجريمة، ونعنـي بذلك خاصة الجهات ذات الصلة كالقضاة والمحامين ومصالح العدالة عموما، وأيضا الأجهزة الأمنية المختلفة الأسلاك؛ خاصة وأنها تكافح الجريمة في الميدان والواقع المعيش، ومن شأن معرفتها بالأساليب العلمية والمعرفية النفسية والاجتماعية في مكافحة الجريمة أن يحسّن أداءها ويجعلها أقرب إلى النجاعة والفعالية في عملها الشاقّ؛ إذ (بالعلم والمعرفة) نخدم وطننا ونحافظ على استقراره ونحارب الأمراض والجرائم وسائر الانحرافات والاختلالات .
3- أيضا غياب الأساتذة والأئمة والدعاة وسائر المثقفين والمؤثرين المهتمين بالمجتمع، بما في ذلك قيادات الجمعية الوطنية والمحلية، ممن يشتغلون على موضوع «إصلاح المجتمع»، فلا يمكن ـ بأي حال ـ تصوّر قلة الاهتمام بمثل هذا الشأن والتفريط في تسجيل الحضور النوعي، للمساهمة في فهم ما يجري في المجتمع للعمل على إصلاحه بعد ذلك .
فيا ليتَ المعنيين يتفادون هذا الغياب في اللقاءات العلمية والمعرفية النافعة .
4- أكّد هذا الملتقى بشكل قاطع أن في الجزائر نُخبة جيدة عالمة ومثقفة وواعية ومدركة للأخطار التي تهدد المجتمع (كل من منظور اختصاصه).
والإشكال الأساس هو عدم تمكيــنها من تقديم مساهماتها في التشخيص والبحث عن الحلول في أي مجال من المجالات المفتوحـة في وطننا، بحثا عن طريق لتحقيق الإقلاع الحضاري الشامل والحقيقي، بعيدا عن «البريكولاج». فما أجمـل أن ننتبه إلى هذا الأمر ونستعين بنُخبنا الناضجة الصالحة، ونتيح لها الفرصة كاملة، ونشركها في تحقيــق أهداف المجتمع، في الازدهار والتقدم والرخاء والأمن والأمان والإيمان.
شكرا لشعبة سطيف الرائدة في مجال الفعاليات الثقافية النوعية، من خلال مركز الشهاب للدراسات والأبحاث …