كلمة الإبراهيمية ليست دينا إلهيا، وإبراهيم عليه السلام كان مسلما
الفتوى رقم:556
السؤال
قال السائل: سمعت أحدهم ممن يسمون مفكرين!! يقول: الدين الإبراهيمي يجمع كل الأديان، وعلى كل أصحاب الأديان أن يتقاربوا ويتفقوا على الإبراهيمية، حتى لا يبقى صراع بين أهل الأديان. قال السائل: هل الإبراهيمية دين إلهي؟ وما حقيقة من يدعي تعدد الأديان؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: إن الله تعالى أمر النبي محمدا صلى الله عليه وسلم بأن يتبع ملة إبراهيم عليه السلام، والمسلمون كلهم يتبعون محمدا عليه الصلاة والسلام، وإبراهيم كان مسلما على دين الإسلام، والله تعالى قال:﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾(سورة آل عمران:19). وقال تبارك وتعالى:﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (سورة آل عمران:85). وقال الله سبحانه وتعالى:﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾(سورة آل عمران:67).
فكلمة {الإبراهيمية} هكذا بهذه الصيغة، ليست دينا فيما أعلم من الكتاب والسنة والإجماع. كما أن كلمة:{يهودية} ليست دينا، وكذلك كلمة {نصرانية}. ولا وجود لتعدد أديان سماوية كما يقولون، فالدين واحد هو دين كل الرسل، وهو الإسلام، وهناك طقوس ورهبانيات ووثنيات اخترعها الناس وأحدثوها، وسموها أديانا. ولذلك عندما ادعى المشركون في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ادعوا أن لهم دينا يتبعونه، وهم يعبدون الأوثان، وسموها آلهة، ودعوا إلى عبادتها، أنزل الله تعالى سورة الكافرون ردا عليهم، وفيها:﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ وليس هذا معناه أن لهم دينا شرعه الله لهم، بل كان المشركون على وثنيتهم الباطلة. قال البغوي: {نزلت سورة الكافرون في رهط من قريش منهم: الحارث بن قيس السهمي، والعاص بن وائل، والوليد بن المغيرة، قالوا: يا محمد هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك، تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فإن كان الذي جئت به خيرا كنا قد شركناك فيه وأخذنا حظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيرا كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه، فأنزل الله عز وجل: ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ فقرأها عليهم حتى فرغ من السورة، فأيسوا منه عند ذلك وآذوه وأصحابه}.
وكذلك فعل اليهود والنصارى المكذبون الضالون. قال الله عز وجل:﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾(سورة البقرة:111).
ثانيا: إن الذين لم يدخلوا الإسلام، ولا يزالون يكفرون ويُكَذِّبون بالقرآن، ليسوا على شيء من الحق أبدا، ودعوتهم إلى تقارب الأديان أو اتحاد الأديان كما يقولون، دعوى باطلة، وقصدهم دعوة المسلمين إلى الخروج من الدين الحق. قال الله تعالى:﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾(البقرة: 109) فالدين الذي شرعه الله تعالى، ورضيه لنا دينا نعبده به وحده لاشريك له، هو دين واحد، هو الإسلام، لاغير. قال الله تعالى:﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ قال الله تعالى:﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾(سورة الشورى:13). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ] قَالُوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:[الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، فَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ](مسلم:145/2365) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: واليهود والنصارى، لايريدون اتباع إبراهيم عليه السلام، لأنهم يعلمون أن إبراهيم ماكان يهوديا ولا نصرانيا، ولكن كان حنيفا مسلما، إنما يريدون من المسلمين أن يتبعوا ملتهم الباطلة. قال الله تعالى:﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾(سورة البقرة:120).
قال القرطبي:{الْمَعْنَى: لَيْسَ غَرَضُهُمْ يَا مُحَمَّدُ بِمَا يَقْتَرِحُونَ مِنَ الْآيَاتِ أَنْ يُؤْمِنُوا، بَلْ لَوْ أَتَيْتَهُمْ بِكُلِ مَا يَسْأَلُونَ لَمْ يَرْضَوْا عَنْكَ، وَإِنَّمَا يُرْضِيهِمْ تَرْكُ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِسْلَامِ وَاتِّبَاعُهُمْ}. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
رابعا: والذين يُكَذِّبون ويكفرون ولا يرجون لقاء الله تعالى، يظلون في كل زمان يخترعون الحيل في دعوتهم إلى الضلال، ويغالطون الناس بأن القرآن والسنة غير صالحين، ويريدون التبديل والتحريف، ويدعون إلى الخروج عن منهاج القرآن والسنة. وشبهة الدعوة إلى تبديل القرآن كانت منذ عهد النبي والقرآن ينزل عليه صلى الله عليه وسلم ﴿وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾(سورة يونس:15/16). وأقول للسائل فاثبت على الإسلام، فإن الدعوات اليهودية أو النصرانية أو الوثنيات المتعددة، التي تروج للشبهات والأباطيل كثيرة من قديم، وإلى اليوم. واعلم أن الهداية وطريق النجاة في اتباع القرآن الكريم. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.