أوروبا تقر إجراءات “غير مسبوقة” لحماية ملايين اللاجئين الفارين من حرب أوكرانيا!!
ماذا لو كانوا قادمين من دول إفــريقية أو إسـلاميـة ؟

أ. محمد مصطفى حابس: جنيف / سويسرا/
إذا كان المجتمع الأوروبي قد عانى من مشكلة اللاجئين بعد الحرب العالمية الثانية، نجد أن مجتمع أمريكا اللاتينية قد واجه هذه المعضلة منذ عام 1889، حيث كانت اتفاقية مونتفيديو الخاصة بالقانون الجنائي الدولي أول وثيقة إقليمية تتناول اللجوء، وتبعها عام 1954 معاهدة كاراكاس عن حق اللجوء الإقليمي والدبلوماسي.. |
وجاء بعدها، إعلان قرطاج عام 1984 ليرسي الأساس القانوني لمعاملة اللاجئين من أمريكا اللاتينية، لهذا كان هذا الإعلان الذي وفر الأساس القانوني وأرسى مبدأ عدم إعادة اللاجئين قسراً إلى ديارهم، وأهمية استيعابهم وتمكينهم من العمل في البلدان التي لجأوا إليها، مع بذل كافة الجهود لإنهاء أسباب مشكلة اللاجئين.
وكان تعريف اللاجئ في إعلان قرطاج متميزا، كالتالي: “إن الأشخاص الفارين من بلادهم بسبب تهديد حياتهم أو أمنهم أو حريتهم، بسبب أعمال العنف أو عدوان خارجي أو نزاعات داخلية أو خرق عام لحقوق الإنسان، أو أية ظروف أخرى أخلت بشدة بالنظام العام في بلادهم.”
إلاّ أن إعلان قرطاج رغم استناده للقانون الدولي في تعريف اللاجئ، هو غير ملزم للدول والحكومات، لأنه ليس معاهدة دولية بالمعنى القانوني إنما هو مجرد إعلان خاص بمكان معين وزمان محدد ومجموعات بشرية خاصة، ورغم تباين التعريفات لمصطلح اللاجئ في الاتفاقات الدولية أو الإقليمية، إلاّ أنها أوضحت بنسب متفاوتة عمومية حالات اللجوء في ضوء القانون الدولي كالتالي:
ـ هروب الأشخاص وبحثهم عن ملجأ بسبب الحروب الأهلية
ـ الخرق السافر لحقوق الإنسان
ـ الاحتلال أو العدوان الخارجي
ـ الخوف من الاضطهاد بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو الرأي
ـ الفقر والمجاعات والأمراض
ـ الكوارث الطبيعية
ـ فقد الجنسية
وكما صنف القانون الدولي حالات اللجوء، وضع أيضاً تصوراً عاماً لحل مشكلة اللاجئ، من خلال
– عودة اللاجئ إلى وطنه بعد التأكد من زوال الظروف التي دفعته للجوء
– منح اللاجئ جنسية دولة الملجأ أي ما يعبر عنه بالتوطين
أما في الحالة الجديدة التي تعيشها أوكرانيا اليوم، فقد دفع الأمر دول أوروبا للقفز على كل هذه القوانين والذهاب مباشرة لمنح وضع اللاجئ المؤقت الخاص للأشخاص الفارين من الحرب دون أي غربلة ولا تمحيص ولا دراسة لملفاتهم ولاحتى توفر أوراقهم الثبوتية مثل ما هو الأصل بالنسبة لكل طالب لجوء قادم لأوروبا من دول العالم الثالث..؟
ويتوقع اليوم الاتحاد الأوروبي أن يغادر ملايين الأشخاص التراب الأوكراني بسبب الهجوم الروسي عليها لأنه من المحتمل ان تستمر الحرب لوقت قد تطول لا قدر الله، لأنه كما تقول الحكمة ” إذا كان الناس يعرفون جيدا بداية الحرب متى تنطلق، فإن حتى مشعلها لا يعرف متى تنطفئ” ؟!!
من جانب أخر، لوحظ لأول مرة أن الاتحاد الاوروبي خفّف قواعده الخاصة باللاجئين بشكل مدهش، بل غيرها رأسا على عقب وقال إن الدول الأعضاء وعددها سبع وعشرون سترحّب بهؤلاء اللاجئين الجدد مغمضة العينين. وتقول وكالة رويترز للأنباء إن بروكسل تستعد للسماح لهم بالبقاء والعمل في الاتحاد الأوروبي لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، أو تزيد !!
كما يبدو أيضا جليا حتى في سويسرا (الصغيرة)، التي هي ليست بلدا عضوًا في الاتحاد الأوروبي، على استعداد تام لأن تحذو حذوهم. إذ حتى الآن، يُمكن للمواطنين الأوكرانيين دخول سويسرا بدون تأشيرة لمدة ثلاثة أشهر بجواز السفر فقط أو دونه، واليوم تريد وزيرة العدل والشرطة السويسرية كارين كيلر- سوتر إسقاط شرط جواز السفر والسماح لهم بالبقاء لفترة غير محددة بموجب ما يسمى “حالة الحماية إس”. وقد تم فعلا اعتماد الوضع من طرف السلطات السويسرية منذ سنوات للتعاطي مع حالات اللجوء الجماعية، لكن لم يتم تنفيذه مطلقًا، حسب بعض العارفين بالقانون، لأن سويسرا – كبعض الدول الأوروبية – ببساطة تختار نوعية اللاجئين وشكلهم ودينهم ووزنهم، حسب شروط غير معلنة، قد يخمنها الخاص والعام!!
بدورها، أعلنت الشركة الفدرالية للسكك الحديدية السويسرية أن الفارين من الرجال والنساء من الحرب في أوكرانيا يُسمح لهم بركوب القطار مجانًا في سويسرا لعبور البلاد أو للوصول إلى وجهاتهم داخلها. وقد تم الإعلان عن عروض مماثلة من قبل شركات السكك الحديدية الوطنية في كل من ألمانيا والنمسا وبولندا، كما أعلنت جل شركات الهاتف الاوروبية، أن المكالمة من والى أكرانيا مجانية، على الجميع!!
ومن فرنسا، علق وزير الداخلية جيرالد دارمانين، عن هذه السياسة الجديدة قائلاً “يعكس قرارنا بالإجماع التزام الاتحاد الأوروبي الكامل بالتضامن مع الشعب الأوكراني في مواجهة هذه الحرب غير المبررة”، مشيرا إلى أنه سيتم المصادقة على الاتفاقية رسميا قبل نشرها يوم الجمعة لدخولها حيز التنفيذ
وعلقت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، قائلة “هذا ليس مجرد فعل رحيم في أوقات الحرب، إنه واجبنا الأخلاقي كأوروبيين.”
مفارقات في تعامل أوروبا مع الأزمة الأوكرانية وأزمات اللجوء السابقة مع العرب والمسلمين!؟
وعلقت منظمة أوكسفام غير الحكومية، بأن “آلية التضامن غير المسبوقة” هذه تضع بعض علامات الاستفهام، فعلى الرغم من أنها “توفر حياة جديدة للأشخاص الفارين من الخطر”، إلا أنها تأتي بعد سنوات من “السجل السيئ” للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالترحيب بالمهاجرين القادمين من الجنوب (العرب، وأفغان والأفارقة و..)، فعشرات الآلاف من الأشخاص الفارين من الحروب والاضطهاد والبؤس يعانون منذ سنوات لحد الساعة في مخيمات رسمية وغير رسمية في جميع أنحاء أوروبا وأبوابها..!
قد يلاحظ الخاص والعام هذه المفارقات العجيبة :
صحيح أن الحرب شر وتدمير للإنسانية، لا يقبلها ولا يتمناها أحد وليست فخارا يكسر بعضه بعضا، كما يقول البعض، مهما كانت الجهات المتصارعة. عموما يغفل الناس في بعض القضايا المصيرية بين الجنوب والشمال، فالغرب العلماني كثيرا ما يكيل بمكيالين، لكن لما نسمع رسميا مثل هكذا تصرفات نكفر بكل مزاعم ديمقراطيات الغرب. لاحظ ، هذه أيام فقط من حرب الروس ضد أوكرانيا علمتنا كثير من الدروس، منها:
– الدعوة لتطوع الأجانب للحرب ضد روسيا بطولة في أوكرانيا.. ولكنها دعوة للإرهاب في حالة الدفاع عن المسلمين !!
– الضابط الاوكراني الذي فجر نفسه يعد بطلا ورمزا للدفاع عن الوطن .. ولكنه لو كان مسلماً فهو إرهابي وانتحاري!!
– تضامن المشاهير والشخصيات العامة مع أوكرانيا حق أصيل، لكن عندما يكتب لاعب كرة القدم مسلم على قميصه” تضامنا مع فلسطين” يعاقب عاجلا من طرف الفيفا!!
– دعم أوكرانيا بالسلاح علنا حق مشروع للدفاع عن النفس، بينما دعم الفلسطينيين بالسلاح إجرام ويعاقب صاحبه من طرف الغرب بالسجن أو القتل!!
– مقاطعة روسيا إقتصاديا واجب إنساني، بينما مقاطعة الكيان الصهيوني و أزلامه إجرام ومعاداة للسامية!!
– اللاجئون القادمين من أوكرانيا، تذهب سيارات وحافلات لإخراجهم من دول الجوار، بينما غيرهم يمشي متخفيا الاف الكيلومترات، ويمنع من العبور من بلد لآخر!!
– اللاجئون القادمون من أوكرانيا، يدخلون أوروبا، كأنهم أعضاء كاملي العضوية فيها، بينما غيرهم ينتظر أشهرا وسنوات في الحدود للبت في طلبه !!
هل اللاجئون من جنسيات أخرى القادمون من أوكرانيا مرحب بهم أيضا، أم ..؟
هذا يشير أيضاً إلى أنه يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتحرك بشكل مشترك عندما يريد ذلك، إنها مسألة الإرادة السياسية فقط. لكن هذه الإرادة يجب أن تكون متوفرة على كل الحدود ولكل إنسان، بما في ذلك المسلمين والعرب و الأفارقة.
كما تطالب بذلك بعض المنظمات الحقوقية بتوفير الاتحاد الأوروبي الحماية لكل اللاجئين القادمين من أوكرانيا سواء أكانوا مقيمين هناك منذ مدة طويلة أو قصيرة. “حتى النساء والرجال من أفغانستان وسوريا أو الصومال، الذين يدرسون أو يعملون في أوكرانيا، يحتاجون لمساعدتنا. فلا يجوز مثلا وقف أصحاب البشرة الملونة، الطلاب الأفارقة مثلاً، على الحدود.
بدورها تطالب منظمة “برو أزويل” الألمانية توفير الحماية للاجئين الذين يصلون إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط وهؤلاء الذين لا يزالون عالقين على الحدود البولندية البيلاروسية؟