العلمانيون العرب والدراسات الإسلامية

أ. عبد القادر قلاتي/
يتأسس الخطاب العلماني العربي -غالبا- على قاعدة عدم الاعتراف بعلمية العلوم الشرعية المؤسسة للفكر الإسلامي والتراث الديني عامة، ولذا لا يلج الواحد منهم مجالات الدراسات الاسلامية من بابها، بل يقف بعيداً عن هذا المجال يترقب، لافتقاره إلى أبسط أدوات البحث والنّظر أولاً، ولعدم اتصاله بأي وجه من الوجوه بنصوصه التأسيسية، وخلال الأسابيع الماضية جرت -كالعادة دائما – مناقشات في بعض القنوات العربية حول مسألة الاسراء والمعراج، وتابعت لقاء مع الكاتب المصري يوسف زيدان، الذي يُسوق له في الدائرة العلمانية، بالمفكر والباحث في الأديان، حيث أظهر جهلا كبيرا بهذا الحقل الواسع، أبان عن تكلف مفرط في الاقتراب من مجال يجهله، ولا يكاد يبين فيه، إلاّ بتكرار مقولات متهافتة لاكها كثيرا وكررها مراراً المستشرقون التقليديون المختصون في الدراسات الإسلامية، وهي قبل هذا وذاك، لها امتدادات عند الفرق الهامشية في الفكر الإسلامي، وعندما حاول محاكاة طرق النظر في الدائرة الاسلامية، حيث يتسلح المشتغل بالعلوم الشرعية بالمنهج الاسلامي في عرض النصوص، والتمكن من تنزيلها على الواقعة محلّ الدراسة والعرض، واستحضار النص دراية بسياقاته اللغوية وبتطبيقاته الأصولية، إن كان يتعلق بالمسائل الفقهية، أو بالتأويل والنّظر إن كانت علاقته بالقضايا العقدية، وهي طريقة لها مسار خاص وتدريب لا يستقيم إلاّ بتلقي العلم الشرعيّ من مضانه المعهودة والمشهورة، فإذا جاء أحدهم خاوي الوفاض –كصاحبنا زيدان- بانت عيوبه وفضحته أفكاره المتهافتة، وغير زيدان كثر في عالمنا العربي والإسلامي، وما جئنا به إلاّ للاستدلال، وما أظن غيره يفلح في نقد مسألة دينية، كبرت أو صغرت، لأنّ أدوات النّظر المؤسسة للمنهج الإسلامي، مترابطة ترابطا عجيبا، يجعلها تشترك بمجموعها لغة، ونصوصا (قرآنا وسنة)، وأصول الفقه، والقواعد الفقهية، والأشباه والنظائر، والتفسير، وعلوم الحديث دارية، ومعرفة سبب النزول، كلّ ذلك يتسلح به النّاظر في النّص مع معرفة واسعة بالأقوال السابقة، التي تعضده حين النّظر، ثم يأتي من لا يملك أبجديات العلوم الشرعية، ويخوض غمار القول في الدين بحجة واهية، مفادها أنّ باب الاجتهاد مفتوح، وهو -لعمري- مفتوح حقا، لكن ليس مفتوحا لمن لم يتصل بهذه العلوم الشريفة، ولم يعرف بنيان المنهج العلمي المقرّر عبر مسار طويل من تاريخنا العلمي والمعرفي، ولهذا لم يفلح القوم في إقناع النّاس، بما يقدمونه من أفكار وتصورات للمسائل الدينية، وإن كانت تشويشاتهم تثير بعض اللغط بين الدارسين، ممن لم يتلقوا العلم الشرعي، وربما تأثر أحدهم بأفكار هذا الكاتب العلماني أو ذاك، ونشر أفكاره ودافع عنها، وهو لا يدرك هذا الواقع الذي شرحنا جزءا يسيرا منه، ولا يكلّف نفسه الرّجوع إلى المصادر الإسلامية الأصيلة، للمقارنة من موقعه كدارس أو باحث، بل يسلم بهذه المقولات فقط لأنّها تخالف المعهود من الأراء الدينية، وأنا أذكر أنّ أستاذ جامعيا مشهود له بالكفاءة العلمية في تخصصه، سمعته يدافع عن المسمى «جاب الخير»، ويرى فيه -كما قال – مشرع مفكر إسلامي كبير ستعرفه الجزائر مستقبلاً، واستدركت عليه مازحا، كيف بمفكر كبير مثل أركون ومكانته الآكاديمية وإنتاجه العلمي الغزير، لم يحظ بهذه المكانة التي تبشرنا وتبشره بها؟ في حين لم نر كتابا واحد لهذا «المفكر الجديد» يلخص أفكاره التنويرية سوى مشاركات له في بعض القنوات التي تقدمه في سياق حالة من الشغب الفكري التي يراد منها إلهاء النّاس عن مشاكلهم الحقيقية.