الغرب المتنوِّر والكيل بمكيالين
أ. لخضر لقدي/
انكشفت عورة الغرب «المتنوِّر» وظهرت حقيقته وتبَيَّنت عنصريته لمن كان به مخدوعا أو مغرورا، فقد فضحت أزمة أوكرانيا ازدواجية الغرب الذي تعامل بمِعْيارين ومكيالين وميزانين.
فاتخذت دول الغرب ومختلف المنظمات الدولية والأممية التابعة لها مواقف فاعلة وسريعة تجاه أزمة أوكرانيا في ميادين:
– الدعم والإمداد بالمال والسلاح والمتطوعين.
– استقبال اللاجئين والتمييز بينهم على أساس اللون والدين والعرق.
– والرياضة وقد كانت من قبل تعاقب الرياضيين الذين يناصرون فلسطين.
وليس الأمر جديدا فالغرب امتنع عن اتخاذ موقف حازم تجاه جرائم إسرائيل التي امتدت لأكثر من سبعة عقود ضد السكان في فلسطين .
ومنذ سنوات تعامل المجتمع الدولي مع الحراك الشعبي في «الميدان» الأوكراني في كييف، بينما وقف ضد حركات الشعوب في التحرر وناصر الحكام الخونة الظالمين.
والغرب يعادي الإسلام ويحارب مظاهر التدين (الحجاب والخمار والنقاب…) بينما لا نرى ذلك مع باقي الديانات والإثنيَّات وتجده يُحَرِّمُ ويُجَرِّمُ من يعادي السامية، وعنده أن «اللا ساميَّة» جريمة بينما «اللا إسلاميَّة» وجهة نظر.
والحقيقة أن الكيل بمكيالين يمارس على مستوى الأفراد كما على مستوى المجموعات والدول والتكتلات، فأنت ترى الناس يقيسون الأمور بميزان مزدوج، فلا أحد يطيق الكذب ولكنه يكذب، ولا أحد يقبل الظلم ومع ذلك يظلم، ونرى ما لنا من حقوق ما ليس للآخرين وننسى أو نتناسى ما علينا من واجبات.
أما على مستوى المجموعات والجماعات والدول والتكتلات فهناك أحكام مختلفة لمجموعة من الناس بالمقارنة مع مجموعة أخرى، كما تجد مبادئ ينظر إليها على أنها مقبولة لاستخدامها من قبل مجموعة من الناس، ولكنها تعتبر غير مقبولة ومن المحرمات عندما تستخدم من قبل مجموعة أخرى.
وازدواجية المعايير آفة كبرى، والسياسات المنبثقة عنها وردود الفعل المترتبة عليها تدفع إلى أجواء من الصدام المتصاعد كنتيجة لشعور الأفراد والمجموعات بالظلم.
وكتاب الله يوصى بعدالة الكيل ويحذر من عدم إيفاء الموازين حقها وعدلها للبشر جميعًا: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}.
والمسلم متميز بخلقه مقتد بنبيه لا ينتقم لنفسه ولا يتجاوز حدود دينه، ولا يحمله شنآن قوم على ترك العدل وموافقة الحق.
وشعاره قول نبيه: أحب للناس ما تحب لنفسك.
ويتعلم من حديث ذلك الفتى الذي جاء إلى النبي ليأذن له بالزنى، فأقبل عليه القوم ليزجروه،غير أن نبينا الكريم قال له: ادنه: أتحبه لأمك؟ قال: لا: أتحبه لابنتك؟ أفتحبه لأختك؟ أفتحبه لعمتك؟ أفتحبه لخالتك؟ والفتى يجيب: لا.
فكان جواب المؤدب المربي الكريم: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم أو لبناتهم أو لأخواتهم أو لعماتهم أو لخالاتهم. ووضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.
بهذا المنطق الحكيم وبهذه المعادلة البسيطة بين النبي الكريم للفتى أن يجتنب الازدواجية حتى تستقيم الأمور.
وجدير بالذكر والتذكر قول الشاعر «جبران خليل جبران»:
وَالْعَدْلُ فِى الْأَرْضِ يُبْكِى الْجِنَّ لَوْ سَمِعُوا بِهِ وَيَسْتَضْحِكُ الْأَمْوَاتَ لَوْ نَظَـــرُوا.
فَالسّجْنُ وَالْمَوْتُ لِلْجَانِينَ إِنْ صَغُرُوا وَالْمَجدُ وَالْفَخْرُ وَالْإِثْرَاءُ إِنْ كَبُـرُوا.
فَسَـــارِقُ الزَّهْرِ مَذمُــومٌ وَمُحْتَقَرٌ وَسَارِقُ الْحَقْلِ يُدْعَى الْبَاسِلُ الْخَطِرُ.
وَقَـاتِلُ الْجِسْمِ مَقْتُولٌ بِفِعْلَتِـهِ وَقَـاتِلُ الرُّوحِ لَا تَدْرِى بِهِ الْبَشَـرُ.
ومن جميل قول الفقيه والفيلسوف الأندلسي ابن رشد: «من العدل أن يأتي الرجل من الحجج لخصومه، بمثل ما يأتي بها لنفسه».