عنصرية فرنسا تسفر عن وجهها
عبد العزيز كحيل/
فرنسا النشطة في معاداة الاسلام إلى حد الهوس، والتضييق على المسلمين ولو كانوا من مواطنيها الأصليين أسفرت بمناسبة حرب أوكرانيا عن وجهها الحقيقي المشكّل من النفاق، الكيل بمكيالين، العنصرية… واخترتُ فرنسا من بين الدول الغربية التي تشاركها في هذه الآفات وبنفس المناسبة لسببيْن: الأول أنها أكثر الدول تضييقا على المهاجرين ورفضا لاستقبالهم، والثاني تشدقها التاريخي بحقوق الانسان والحرية والمساواة.
ساسة كبار، وزراء، نواب، محللون، صحفيون يرحبون بالماهجرين الأوكرانيين، لأنهم أروبيون ومثقفون، ومسيحيون…القنوات العمومية الفرنسية تجندت بقوة، تدعو إلى تقديم المساعدات لأوكرانيا واستقبال الفارين منها …هكذا، فرنسا التي اتخذت من العلمانية آلهة تفعّل معيار الدين في التعامل مع المهاجرين…وهناك إذا تمييز بين من يفرون من الحروب بحسب بشرتهم ودينهم!!! أي نعم، هذا هو الحد الذي وصلته فرنسا … منذ متى وُجد في ثقافة الغرب «الإنسانية» هذا التفريق بين المضطهدين بناء على الجنس والانتماء الأوروبي؟ أليست هذه هي العنصرية التي يزعم الغرب – وفرنسا تحديدا – مناهضتها؟ كانوا يرفضون السوريين والأفغان لأنهم مسلمون، وها هم يضيقون على جزء من المواطنين فقط لأنهم مسلمون، وخاصة من هم من أصول عربية، أي لديهم بشرة أخرى حتى ولو كانوا يتقنون الفرنسية، بينما نجد الترحيب بالأوكرانيين رغم أنهم لا يتكلمون هذه اللغة… لكن المراقب الحصيف الملم بخيوط القضية والذي يستحضر الصورة كاملة غير مجزأة يرى أن مقياس التعامل «الإنساني» والسياسي هو الدين بالدرجة الأولى، يكفي لإثبات ذلك أن نتذكر إبادة البوسنيين والشيشان في أواخر القرن العشرين على يد أوروبيين، والغرب – وفرنسا تحديدا – تتفرج، رغم أن الضحايا ذوو بشرة بيضاء وشعر أصفر وعيون زرقاء، لكنهم… مسلمون، ولم يتدخل الغرب آنذاك في قضية الشيشان، وترك بوتين يواصل حرب الإبادة، وتدخل متأخرا في البوسنة في إطار خطة جهنمية لإضعاف دولتها نهائيا.
إذا كانت الحرب في البلاد الفقيرة فالغرب يؤججها أو على الأقل لا يبالي بضحاياها، ويترك الفقراء يموتون ويعانون كما يحلو لهم، أما إذا طالت شعبا أوروبيا مسيحيا فهنا تنقلب الموازين وتحشد الدول وسائل الدعاية لاستقبال المتضررين… إذا لم يكن هذا نفاقا فما النفاق؟… إذا كان الفارّون من الحرب يشبهون الفرنسيين في اللون ونمط الحياة فإن فرنسا تستقبلهم وترحب بهم أما إن لم يكونوا كذلك فهي تشدد الإجراءات لعدم استقبالهم رغم أنهم هربوا من الموت مثلهم مثل لاجئي أوكرانيا، تماما مثل ما تعمل بنفس المكيالين في نمط الحكم في الدول الأخرى، إذا تعلق الأمر بتركيا فهي تجزم أن أردوغان دكتاتوري يجب الضغط عليه لينزل على قواعد الديمقراطية، أما في حالة مصر والسعودية وتونس ونحوها فالأنظمة الحاكمة صديقة رغم أنها تذبح الديمقراطية وحقوق الانسان ذبحا ممنهجا.
أذكر في هذا السياق أن مزارعا فرنسيا اسمُه سدريك هيرو قد تمّت محاكمته في بلده ومعاقبته لأنه قام بمساعدة لاجئين من السودان وارتيريا، وفي مدينة كالي المطلة على بحر المانش في شمال غرب فرنسا فتحت رئيسة البلدية الأبواب للنازحين من أوكرانيا وسط تغطية صحفية كبيرة، وهي المشهورة بإصدار قرارات تمنع توزيع الطعام على اللاجئين (أي من غير الأوروبيين) الذين يعبرون من هناك للالتحاق ببريطانيا… والأمر لا يتعلق بالدوائر الرسمية فقط، فشركة النقل بالسكك الحديدية قررت إعفاء النازحين الأوكرانيين (والأوكرانيين فقط) من تسديد ثمن الرحلة، وقد أثارت صحفية شجاعة هذا التناقض أمام وزير الداخلية الفرنسي – وهو من أسرة جزائرية مرتدة عن الإسلام، لقبها دحماني فحوّرته إلى (دامياني)، فانزعج من السؤال وردّ بكل وقاحة،: ليست لدينا أي ازدواجية في معاملة اللاجئين لكن أعطينا الأولوية لهؤلاء الأطفال والنساء لأنها حالة اضطرارية!!! والملاحظ أن هذه العنصرية الصارخة يتمّ تسويقها عبر الإعلام «الحر»، وانخرط فيها معظم الصحفيين الفرنسيين إلا قلة من النزهاء الذين واجهوا الظاهرة بكل جرأة، فكتب أحدهم أن الحدود بين روسيا البيضاء وبولونيا تغص بالمهاجرين الأفغان، وهم يعانون الجوع والبرد ولا يهتم بهم أحد، هذه هي الحضارة الغربية «الإنسانية» المزعومة كيف تتلاءم مع مثل هذه التصرفات الهمجية المشينة لأن الإنسانية – ببساطة – شعرها أصفر وعيونها زرقاء وتحمل الصليب… والمفارقة هنا أن المسيحية غابت بشكل شبه كلي في أوروبا الغربية على مستوى الاعتقاد فضلا عن الممارسة، والسائد هناك هو الإلحاد، لكن إذا تعلق الأمر بالإسلام فأوروبا مسيحية متدينة!!! لا تترك موطئ قدم له.
والحقيقة أنني عندما أشمئز من سلوك الفرنسيين خاصة والغرب عامة فإني لا أنسى أن البلاد العربية الغنية لا تستقبل أي لاجئ أو مظلوم أو مهجّر عربي أو مسلم سواء من سوريا أو العراق أو الصومال أو أفغانستان…لكن قد يفتح بعضهم ذراعيه للأوكرانيات لأنهن شقراوات جميلات أعينهن زرقاء… يعني نفس معايير الغرب العنصري، لا لسبب سوى وجود النفوذ السياسي والثقافي والمجتمعي في الدول العربية المسلمة بين يدي النخب التغريبية التي تؤمن بأن الفكر الغربي هو الحق، ولا بأس هنا أيضا من ازدواجية المعايير والتضحية بمعاني الإنسانية على مذبح الإيديولوجيا.
لكن لعل أهم درس نستفيده هنا هو: هل تستفيق هذه النخب التغريبية أمام واقع ينقلها من التجريد إلى الميدان، ومن النظرية إلى التطبيق، ومن المبادئ الجميلة إلى الممارسة القبيحة؟ هذا هو أهم درس بالنسبة لنا…هل ينزع الحداثيون «التنويريون» العقلانيون حجب التعصب للغرب عن أعينهم ليبصروا الحقيقة المرة …الغرب لا يفرط في أصوله اليهودية – المسيحية مهما ادعى العلمانية والإلحاد، ذاك هو معياره عندما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين والعرب، وما تقوم به فرنسا برئاسة ماكرون دليل إضافي مجسد، فهي في حرب معلنة مع الإسلام ومعتنقيه من الفرنسيين إلى درجة أن الدولة «العلمانية» كلفت نفسها بتعيين ما هي قسمات الإسلام المسموح به، وتعيّن الأئمة، وتختار الثقافة الدينية، وتميز بين الفتاوى…كل هذا باسم العلمانية وتحت رايتها!!!