دفاعا عن الشيخ علي عية: النص الديني ليس بتراث..يا حضرة الباحثين؟!/ جمال نصر الله*
شاهدت كباقي الجزائريين المناظرة التي أقبلت على تنظيمها جريدة الحوار وهي مشكورة هنا، وألف تحية للقائمين على المبادرة. ونتمنى المزيد من مثل هذه اللقاءات الهامة قصد الإجابة على أهم الأسئلة التي تهم الأمة العربية من المحيط إلى الخليج ومن برج باجي مختار إلى سواحل العاصمة…وشاهدت كذلك ردة فعل الشيخ علي عية وهو يتدخل مقاطعا مقدِّم المناظرة .حتى وأن البعض اعتبروا ذلك سلوكا غير حضاري. ومنهم حتى من قال بأن الشيخ يجسد أفكار وأسلوب السلفيين المتشددين؟!..وكان عليه أن يترك ذلك إلى حين فتح باب المناقشة ثم الإدلاء برأيه..ـ بناء على أدبيات الأخذ والرد في الحوارـ لا علينا ـ فالشيخ ربما أقبل على ذلك نتيجة عدم تقبله لجملة واحدة تفوه بها المقدِّم ..فنتج عن ذلك أن اندفع بطريقة لا واعية وثائرا معتقدا بأن الجلسة أقيمت خصيصا للتهجم على الإسلام؟!
نحن نشاطر الشيخ علي في نقطة واحدة وهي (لعلها زلة لسان) تفوه بها مقدم المناظرة.لحظتما قال…علينا بقراءة جديدة لكل التراث العربي الإسلامي والذي هو السيرة وكل ما هو متروك من إرث كتابي بما فيهم النص الديني ـ وهنا عين الخطأ ـ فكان بمكان ألا يُزج بالنص الديني الذي هو القرآن الكريم مع قائمة التراث؟! لا لشيء سوى أنه كلام الله الموحى به لسيد البشر. وقد ظلت هذه الدعوة معروفة لدى الكثير من المفكرين والكتاب ممن يوصفون بالعلمانيين وحتى اليساريين قبل الشيوعية وبعدها. على أساس أن المقدس لا يمكنه بحال من الأحوال أن ينظم حياة البشر ويصير مرجعا ثابتا لا نقاش بشأنه، لأنه روحاني مجرد وليس عقلاني وموضوعي. وأن العلمانية هي الوصفة الشافية الوافية والتي جاءت لتنظم المجتمعات البشرية وتحفزها على التطور والتقدم وخير دليل عندهم الثورة الصناعية بأوروبا. وحينما اكتشفوا أي المفكرين العرب الكثير من الانزلاقات في التراث السني وما ارتكبه الكثير من الخلفاء..خاصة في فترة حكمهم وكذلك إبان الفتوحات ( مستندين على مراجع وذخائر من الكتب) يعلمون بأن أصحابها إما شيعة وإما ايديولوجيتهم من منبع إحدى المذاهب التي تُصنف من الخوارج أو بعض الفرق التي ارتدت عن النهج المحمدي بعد وفاته. ألهمتهم هذه المراجع للخوض في التهجم على هذا التراث والذي مرة ينعتونه بالدموي ومرة بالمتعصب ومرة بالمُعنف واللا إنساني تارة. مُنسبين ذلك للإسلام نفسه والذي منبعه الكتاب. وأن هؤلاء هم رموزه الذين تحدثوا وتصرفوا باسمه (وهنا تقع المعضلة أي حكموا على سلوك البشر الخطاء دون الرجوع إلى النصوص القرآنية التي تقول في كثير من المرات عكس ذلك). فلو تبصّرنا فيما كتبوه عن الصحابة وزوجات النبي وسلمنا به لكرهنا فعلا هذا الإسلام الذي جاء به هؤلاء وأرادوا منا تزكيته والمضي على نهجه أي أثناء حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم). لكن إن لاحظنا وتأنينا كما قلنا في النصوص القرآنية لوجدنا بأن الإسلام يعترف بكل الكتب السماوية والرسل والأنبياء، ويحث على تنقية النفوس من الشوائب والرذائل بل يحذر من المنافقين والمخادعين… ويوضح لنا كذلك الفرق بين النبي كمرسل والنبي كبشر…عكس أتباع التلمود والإنجيل ممن ينكرون خاتم المرسلين على الرغم من أنه وجد في نصوص العهد القديم ما يبشر بقدوم نبي يدعى أحمد لكنهم للأسف حذفوا ذلك؟! تلبية لنوازعهم ونزعتهم الريادية القيادية.
معشر الباحثين الذين يريدون القول بأن سبب تخلف هذه الأمة هو الإسلام…نريدهم أن يفهمونا لماذا معتنقي الديانات الأخرى والتي جاءت قبل الإسلام…لازالوا أوفياء متشبثين بما جاء فيها من تعاليم لحد اللحظة. وما زيارة الرئيس الأمريكي مؤخرا لحائط المبكى رفقة ابنته التي بكت وقبلهما اللاعب الشهير ميسي وبعض المشاهير والقادة السياسيين. أمثل هذه الطقوس لا تعني شعائر قبلية أم أنها قمة الحضارة والتحضر بالنسبة إليهم…فالذين صعدوا القمر وقادوا المركبات الفضائية يتزلفون لشعائهم التي تربوا بها ويحمدون الله بعد كل خاتمة. ولم يقولوا في لحظة من اللحظات أن ديانتنا هي التي نصرتنا أو كانت سببا في إخفاقنا. بل يواصلون الدعاء والتضرع ؟! نقول هذا لأجل أن يعوا بأن الدين هو العبادات والمعتقدات الموحِدة لخالق الكون. وقد حث الإسلام على احترامها جميعا. أما أن يأتينا اليوم بعض القراء المصدومين بالحضارة المادية ومغرياتها كي يقولوا لنا بأن القرآن كذلك في تعداد التراث البشري المعنوي والمادي فهذه جريمة حضارية في حق الأمة لا يجب السكوت عنها، وأنه هو العقبة في طريق تقدمنا كما قال قبل ذلك سلامة موسى وبعده شاعرنا المعاصر أدونيس الذي قال: سبب تخلف العرب هو الدين؟! دون أن يقول من أن الدين على طريقتهم الخاصة وراحوا يلقنون ذلك للناس؟! وبعدها طلع علينا السيد المحترم نور الدين بوكروح ليقول بأن سبب تخلف العرب هو في ترتيب السور القرآنية؟! ولسنا ندري لو حدث مثلا أن رُتبت الآيات حسب زعمه هل سيكون ذلك مفتاحا سحريا لخروجنا الفوري من مآزق مآسينا ومحننا..إنها ألسنة تتحدث وفقط؟!
شاعر وصحفي جزائري*
djamilnacer@gmail.com