مـــن دفتــــر الثقـــافــــة الجــزائــريـــة فــي الـمهجـــــر: صدور أوَّل كتاب عن المفكر والأستاذ علي مراد (1930م-2017م)
باريس/سعدي بزيان/
المفكِّر والباحث الإسلامي علي مراد يُبعث حيًّا في أول كتاب يصدر في باريس عن حياته، ومسيرته الثَّقافية والجامعية في الجزائر والسوربون –و “ليون” والكتاب من أعمال حاج دحمان، وهو باللغة الفرنسية وتحت عنوان: Ali Merad Penseur Réformiste, Pionnier Du Dialogue Interreligieux «علي مراد مفكِّر إصلاحي، رائد الحوار بين الدِّيانات». وقبل صدور هذا الكتاب، كان المركز الثَّقافي الجزائري بباريس قد نظَّم حوله ملتقى شارك فيه نخبة من الكتَّاب والباحثين، ومع السف لم تجمع أعمال الملتقى في كتاب، كما انَّ الملف الذي أعدَّ حوله في مجلة: Le Jeune Musulman، لم يجمع هو الآخر.
ولعلَّ من حسن حظ الأستاذ علي مراد أنَّه اوَّل أستاذ وباحث جامعي عاش ومات في المهجر يحظى بتقدير واهتمام من طرف الدَّولة الجزائرية، حيث كان يُدعى سنويًّا في ملتقى الفكر الاسلامي، كما أنَّ أطروحته عن الفكر الاصلاحي أعيد نشرها بالفرنسية، وترجمت إلى العربية عبر “دار الحكمة” للنشر والتوزيع تحت إدارة الاستاذ أحمد ماضي، وهي بعنوان:
Le Reformisme Musulman en Algérie 1925-1940
وكانت الأطروحة، وهي مرجع هام للباحثين قد صدرت في باريس عام 1967م، وهي الرائدة، وقدمهَّدت الطريق أمام عدَّة باحثين جزائريين وفرنسيين للخوض في هذا الحقل، وكان في مقدِّمة هؤلاء: د. نجيب عاشور الذي أعدَّ أطروحة حول نشاط وكفاح جمعية العلماء في الشرق الجزائري، وقد اقترحت عليه نشر الطروحة بعد إعادة تبويبها، تمهيدا لترجمتها إلى اللغة العربية. وها هي باحثة فرنسية تدعى “شارلوت” تُقَدِّم أطروحة مفصلة عن جمعية العلماء، وتصدرها في كتاب في باريس، ولا اعتقد انَّها وصلت إلى الجزائر.
وكانت أطروحة د. علي مراد حول الفكر الاصلاحي في الجزائر، أوَّل أطروحة تُقدَّم باللغة الفرنسية خارج الجزائر، بحيث أصبحت مرجعًا ومصدرًا وعاملاً شجَّع باحثين من الشباب الجزائري على ارتياد هذا الموضوع، والبحث فيه، فكان الشاب نجيب عاشور وهو من أصل جزائري، اختار موضوع البحث في جمعية العلماء ونشاطها في الشرق الجزائري، وقد اطلعت على الرسالة، واقترحت عليه إعادة تبويبها ونشرها في كتاب تمهيدا لترجمتها للغة العربية لتعُمَّ الفائدة. ويبدو أنَّه لم يوفق لحد الآن، في حين استطاعت الباحثة الفرنسية “شارلوت كوري Charlotte Courrey أن تحصل على شهادة الدكتوراه حول جمعية العلماء، وأن تصدرها في كتاب كامل في باريس، ولا أعتقد أن الأطروحة وزِّعت في الجزائر. وقد سبق للباحثة الفرنسية “شارلوت كوري” أن اشتركت معنا في أمسية ثقافية في المركز الثقافي الجزائري بباريس، وكنَّا ثلاثة: سعدي بزيان، وسليمان التونسي الذي تولى ترجمة مداخلتي، وثالثنا كانت “شارلوت كوري” التي تحدَّثت عن أطروحتها عن جمعية العلماء، وكانت المناسبة يوم العلم الذي يصادف ذكرى وفاة رائد النهضة الجزائرية الشيخ بن باديس، ولعلَّها أوَّل مرَّة تقام هذه الذكرى في المركز الثقافي الجزائري بباريس.
ويبقى الأستاذ علي مراد أوَّل أستاذ جامعي باللغة الفرنسية يولي اهتماما لفكر ابن باديس الإصلاحي، وكانت له مساهمات هامة في جريدة Le Jeune Musulman التي كانت تصدر بالفرنسية في الجزائر قبيل اندلاع ثورة نوفمبر، وهي بمثابة نافذة يطل منها الطلبة الجزائريون الفرانكوفونيون في الجامعة الجزائرية. وقد تُوِّج علي مراد عمله هذا بإعداد أطروحة حول المفكر الاصلاحي الجزائري بعنوان:
Le Réformisme Musulman en Algérie 1925-1940
وقد صدرت هذه الأطروحة في كتاب باللغة الفرنسية في باريس عام 1967م، وكان من حظ علي مراد أن أعيد نشر هذه الأطروحة في الجزائر بالفرنسية وترجمت كذلك إلى اللغة العربية وذلك عبر دار الحكمة للنشر والتوزيع للأستاذ احمد ماضي في الجزائر. وعند وفاته رحمه الله خصصت له مجلة Le Jeune Musulman الصادرة عن جمعية العلماء باللغة الفرنسية ملفًّا خاصًّا عن سيرته ومسيرته وإشعاعه الفكري عربيًّا وغربيًّا، وحظي باهتمام كبير من طرف بعض المثقفين الجزائريين بباريس حيث نظَّموا حوله ملتقى في المركز الثقافي الجزائري بباريس.
ولمن أراد المزيد من التوسع والذهاب بعيدًا للإحاطة بعالم علي مراد الثقافي والفكري ومشاركته في ملتقيات دولية، عليه أن يراجع:
انطولوجيا الكتابات حول علي مراد، كما أوردها الأستاذ الحاج دحمان Hadj Dahmaneفي كتابه الذي نقدمه للقراء. وفي الكتاب إضاءات تدعِّم ما كتبه وأذاعه علي مراد سواء في الجامعات، أو في الندوات الثقافية. فقد استضافت إذاعة France Culture الباحث الاسلامي الصادق سلام، وقدَّم إضاءات حول علي مراد ولعل ابنة علي مراد وهي أستاذة جامعية خير من يقدم إضاءات جديدة حول أسرته، فقالت:
إن أسرتنا تتكون من ثلاثة أبناء، وأنا أكبرهم سنًّا والمولودة بالجزائر، في حين الأخت والأخ ولدا في “ليون”. كما تقول ابنته: إن الوالد كان كثيرا ما يحدثنا عن طفولته في الاغواط والحياة اليومية في مسقط رأسه، وفي المدرسة. وكان يستيقظ على الخامسة صباحًا حيث يذهب إلى المدرسة القرآنية على السادسة، وابتداء من الساعة الثامنة يلتحق بالمدرسة الفرنسية. وكان متفوِّقًا في المدرسة، ويتمتع بسلوك حسن، وقد لاحظ ذلك جميع أساتذته. وظلَّ يتمتَّع بسمعة علمية إلى وفاته.
ولعلَّ اهم دراسة علمية نشرت باللغة الفرنسية عن رائد النهضة الجزائرية ابن باديس رحمه الله هي دراسة للأستاذ المرحوم علي مراد في موسوعة: Les Africains، وهي بعنوان:
Ben Badis 1889-1940 …La Fondation du Mouvement Réformiste Orthodoxe en Algérie
وقد احتلت هذه الدراسة القيمة 18 صفحة في الموسوعة، وحبَّذا لو ترجمت للغة العربية، أو على الأقل تنشر كما هي بالفرنسية ضمن مصادر وطنية جزائرية حول بن باديس ليستفيد منها الباحثون، فقليل من اطلع على هذه الدراسة التي نشرها علي مراد وهو يشغل منصب أستاذ في جامعة Jean Moulin(Lyon3)
فقد جاء في مقدمة هذه الدراسة: إن الجزائر المستقلة من حقِّها أن تفتخر بالأمير عبد القادر وبن باديس، ويعتبران من أمجادها الوطنية في تاريخها المعاصر. وقد تتبَّع علي مراد حياة بن باديس من قسنطينة مرورا بجامع الزيتونة بتونس وزيارته للشرق والتقائه بالابراهيمي، وكان هذا اللقاء بداية لارهاصات ميلاد جمعية العلماء.
علي مراد رجل الحوار بين الديانات
كان علي مراد و هو طالب في جامعة الجزائر تعرَّف على “ميشال لولونغ” الذي كان يجلس بجانبه، وقد أصبح “ميشال لولونغ” مع طول الزمن مكلَّفا من طرف “الڤاتيكان” وهو قسِّيس كاثوليكي، يربط علاقات مع الاسلام، وتربطه علاقات حميمة مع علي مراد، وهو الذي قدَّم كتاب علي مراد “شارل دو فوكو في نظر الاسلام” الذي ترجم إلى العربية ووزِّع في الجزائر، وللعلم فإن Michel Long له عدَّة كتب لها صلة بالاسلام، ومن أبرزها: “الاسلام والغرب L’Islam et L’occident ” وكنت قدَّمته لقرَّاء “البصائر” و أرسلت له نسخة من المقال، وبلغني مؤخرا أنَّه قد توفي. ومن كتبه: “إلتقيت الاسلام J’ai rencontré l’Islam”.
المرحوم علي مراد في شهادة حيَّة من ابنته الجامعية
وجَّه الاستاذ Hadj Dahmane مؤلف كتاب بالفرنسية حول الأستاذ المرحوم علي مراد، والذي نحن بصدد تقديمه للقرَّاء عدَّة أسئلة تضيء مسيرة والدها وتقدِّم مادة إضافية للباحثين، وتفاصيل الحديث في هذا الكتاب. وكان السؤال الأول:
إنَّك ابنة المثقَّف والمفكِّر والكاتب علي مراد، هل يمكن أن تقدِّمي لنا بعض السطور عن والدك؟
و كان جوابها: لوالدي رحمه الله ثلاثة أبناء، وأنا البنت البكر، وقد ولدت في الجزائر. أما أخي و اختي ولد الاثنان في مدينة “ليون” وبما انني استاذة جامعية،كنت دوما بجانبه كل يوم لمدَّة 20 سنة. ويحدث أحيانًا أن نتبادل آراء معًا. وكان رحمه الله كثيرا ما يتكلم عن طفولته في الاغواط، كما يروي لنا حكايات عن يومياته، ومع الاسرة وألعابه في حديقة المنزل. وكان رحمه الله يستيقظ على الخامسة صباحًا كلَّ يوم حيث يبدأ في قراءة القرآن على السادسة صباحًا، وعلى السَّاعة الثامنة يلتحق بالمدرسة الفرنسية، وكان يتمتَّع بسمعة حسنة في المدرسة الفرنسية، وذلك بشهادة معلِّميه إلى درجة أنَّه في حالة غياب أحد أساتذته يتولى خلافتهم.
وسأل الكاتب الحاج دحمان ابنة علي مراد: في أي عمر استطاع والدك حفظ القرآن حفظًا كاملا؟
وكان جوابها:إنَّ أبي حفظ القرآن في سن مبكِّرة،أي ما بين 7 و8 سنوات في المدرسة القرآنية بالاغواط.
الفكر الباديسي يرحل إلى باريس عبر الحرف اللاتيني:
من جهل شيئا عاداه
يعاني وعانى الفكر الباديسي و دور جمعية العلماء في الحركة الوطنية من قلَّة الانتشار وسط أناس لا يعرفون اللغة العربية، وتراث جمعية العلماء كله باللغة العربية عبر صحفه ومجلاته و أنَّى لأناس مثل جدِّي، وبلعيد عبد السلام، وبن بلة هؤلاء الثلاثة أن يفهموا ما كتبه بن باديس في “المنتقد” و”الشهاب” والابراهيمي في “البصائر” وما نشر في صحف الشرق، ونقل الجيل الجديد أنباء الجزائر في المهجر يصلحون بإرادتهم وعزيمتهم ما أفسده أناس من بني قومهم بسبب جهلهم للغة العربية، فالدكتور نجيب عاشور انخرط في عملية إتقان اللغة العربية ليذهب أبعد ما كتبه عن جمعية العلماء في أطروحته بالفرنسية. وشارلوت الباحثة الفرنسية صاحبة أطروحة بعنوان: “جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وبناء الدولة المستقلة 1931-1991” تتقن العربية، وقد أصدرا أطروحتها في كتاب في باريس، كما ذكرت.
هناك إرادة طيبة عند كثير من الشباب الجزائري أو الفرنسي،فهذا الشاب يوسف جيرار، وهو فرنسي أعلن إسلامه، مهتمٌّ كثيرا بجمعية العلماء ضمن اهتمامه بحزب الشعب، والذي كان موضوع أطروحته في التاريخ، وينصح جمعية العلماء بأن تتوجه للشباب الجزائري في المهجر و تعريفهم بجمعية العلماء و نضالها في سبيل الحفاظ على الهوية العربية الاسلامية. ويبدو لي أن أطروحة علي مراد في ابن باديس مهَّدت الطريق أمام العديد من الشباب الجزائري أو الفرنسي للتعرُّف على الفكر الباديسي، ولاحظت خلال مداخلتي في المركز الثقافي الجزائري بباريس، حول “دور جمعية العلماء في الحركة الوطنية وثورة نوفمبر 1954م والردُّ على أولئك الذين أنكروا على الجمعية أدنى مساهمة في الثورة التحريرية، بل أن المرحوم بن بلَّة ذهب إلى أبعد من ذلك حيث خوَّن الجمعية و الابراهيمي المقدمة.
إن كتاب: Ali Merad –Penseur Réformiste et Pionnier du Dialogue Interreligieux.
وصف حاج دحمان الاستاذ علي مراد بأنَّه رجل الحوار بين الديانات، وفي هذا السياق كانت تربطه علاقات حميمة مع “ميشال لولونغ” المكلف من طرف الفاتيكان بالحوار مع الاسلام، وكان علي مراد يعرف “لولونغ” وهو طالب في جامعة الجزائر في العهد الاستعماري، وارتبط معه بعلاقات حميمة إلى درجة أنَّ “ميشال لولونغ” هو من كتب مقدمة لكتاب علي مراد حول: “شارل دو فوكو في نظر الاسلام” والذي ترجم إلى العربية ووزِّع في الجزائر.