القدس تصرخ ولكن لا تسمع سوى صدى صوتها
أ: راسم عبيدات/
يبدو بأن صراخ القدس لا يسمعه أحد ولا أحد يستجيب لندائها.. فالعربان منشغلون بـ «السلام الدافىء» مع دولة الاحتلال وتوقيع المعاهدات والاتفاقيات الأمنية معها … ولسان حالهم يقول: الفلسطينيون قضيتهم صدعت رؤوسنا … وحرمتنا من إقامة العلاقات مع «أشقائنا الإسرائيليين»… والساحة الفلسطينية متشظية ومنقسمة على ذاتها، وفصائلها ومكوناتها السياسية وصراعاتها الداخلية تستنزف جهدها وطاقاتها وإمكانياتها… ودولياً كل صاحب رؤيا وبصر وبصيره يدرك بأن الحق حتى يسند يحتاج إلى قوة وليس فقط إلى عدالة القضية.. فالغرب الاستعماري يردد نفس اسطوانته المشروخة منذ النكبة وحتى اليوم، حزمة من بيانات الشجب والاستنكار والكذب والخداع والتضليل، وفي الواقع يقفون إلى جانب دولة الاحتلال، ولا يجرؤون على اتخاذ أي عقوبة بحقها… أما أمريكا التي تراهن عليها قيادة فلسطينية جزء منها مفصول عن الواقع، فهي شريك مباشر لدولة الاحتلال في العدوان على شعبنا… والحديث عن وهم حل الدولتين وغيره من الإنشاء التخديري.. نجد تعبيراته في زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي «المتصهينة» نانسي بيلوسي لدولة الاحتلال والتي بلغت درجة عالية من الوقاحة في التطرف والتنكر التام للشرعية الدولية وكل قراراتها عندما قالت بأن «أهم حدث في القرن العشرين، هو قيام دولة الاحتلال بالحرب على المقدسيين باتت مفتوحة وشاملة… وأصبحت تدور على «البيت» وليس على الوطن المحتل أصلاً، هم يلاحقوننا على كل متر مربع، ولا يسمحون لنا بالبناء، في حين يسمحون بالتوسع والتمدد للمستوطنين… الاشتباك يحتدم في الشيخ جراح – جورة النقاع- «كبانية أم هارون»، حيث هجمة مسعورة يقودها غلاة المستوطنين والمتطرفين، يتقدمهم ما يعرف بقادة الصهيونية الدينية بن غفير وسموتريتش ومارزل واريه كنج وينتان عوفاديا وغيرهم، حيث القائمة تطول، والهدف الآني طرد وتهجير عائلة فاطمة السالم التي تعيش في بيتها قبل ولادة دولة الاحتلال، وقطعة الأرض الموجودة أمامها.. تمهيداً لتهويد كامل الحي… والطرد والتهجير والاقتلاع والتطهير العرقي لا يقتصر على أحياء الشيخ جراح الغربية والشرقية، بل هو يتركز في سلوان، فهناك ستة أحياء يتهددها الطرد والتهجير… وهنا شرعنة الاستيطان والاستيلاء على الأرض وهدم المنازل المقامة عليها، يأخذ شكل «البستنة»، مصادرة الأرض تحت ذريعة أنها أرض دولة من أجل توسيع ما يسمى بغابة «السلام» وإقامة حدائق عامة، ولكن الهدف الحقيقي، هو إقامة حدائق تلمودية وتوراتية، وجعل الأرض المصادرة كاحتياط لإقامة بؤر استيطانية مستقبلاً، في حين التهويد في قضية أرض مشتل «فخار السلام» وهدم بيتي المواطن صالحية وشقيقته في منطقة الشيخ جراح- القسم الشرقي، أخذ شكل إقامة مدارس للسكان العرب في المدينة، ولكن الهدف المخفي، هو وصل البؤر الاستيطانية في تلك المنطقة مع بعضها البعض، حيث تلك القطعة من الأرض تقف عائقاً أمام تواصلها وامتدادها، وكذلك لا يغيب عن بالنا ما يجري من تهويد لأرض النقب، حيث مشروع الاستيلاء على الأرض والطرد والاقتلاع أخذ شكل «تحريج» الصحراء. هو صراع منذ الغزوة الصهيونية الأولى لفلسطين يحتدم حول الأرض، جوهر هذا الصراع وأساسه، والاستيطان والطرد والتهجير والاقتلاع والإحلال الأساسي للحركة الصهيونية.
عمليات الطرد والتهجير القسري والتطهير العرقي، تترافق مع حرب شاملة على الحجر الفلسطيني في القدس وخارجها، وبالتحديد في المناطق المسماة مناطق «جيم».
ولعل أكبر «المجازر» التي ترتكب بحق الحجر، تجري في منطقة جبل المكبر، حيث الإخطارات بالجملة لهدم بيوت مبنية منذ عشرين عاماً وأكثر، ناهيك عن أن 150 بيتا يتهددها خطر الهدم العاجل.
عمليات الهدم في المكبر تأتي على خلفية ثأرية انتقامية … ويوم الجمعة كان رد أهل المكبر على تلك المجازر، بعد اعتصامات شعبية أمام بلدية الاحتلال، تطالبها بوقف «مجازر» الحجر بحق منازل أهل المكبر، وتصف بلدية الاحتلال بالعنصرية والتطرف، من خلال إقامة المئات من أهالي جبل المكبر لصلاة الجمعة في ملعب نادي جبل المكبر، رافعين شعارهم المركزي» لا لسياسة الهدم الذاتي، أوقفوا هدم منازلنا، نحن مصممون على مواجهة بلدوزراتكم وجرافاتكم ولن نستقبلها بالورود».
واضح بأن سكان جبل المكبر، كما حال سكان بقية الأحياء المقدسية الأخرى الشيخ جراح والعيسوية والبلدة القديمة وغيرها من الأحياء المقدسية، قد كسروا حاجز الخوف مع المحتل ومصممون على الدفاع عن أرضهم وبيوتهم، ولسان حالهم يقول لن نتشرد في نكبة جديدة.
الرهان فقط على إرادة شعبنا وأهلنا في مدينة القدس ووحدتهم بكل مكوناتهم ومركباتهم الوطنية والمجتمعية والدينية، ومعهم كل شرفاء هذا الوطن في الداخل الفلسطيني -48 – وبقية أبناء شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع، القدس ليست بالحلقة الضعيفة التي يمكن للمحتل كسرها، والمحتل جرب وخبر المقدسيين في أكثر من معركة ومواجهة، والتي كان آخرها الهبات الثلاثة في نيسان من العام الماضي، هبات باب العامود والأقصى والشيخ جراح، واليوم تتجدد معركة الشيخ جراح، ويتسع نطاقها ويزداد غليان «مرجلها» والذي بات قابلاً للانفجار في أي لحظة، ونحن على ثقة بأن هذا الانفجار سيتعدى نطاق الجغرافيا المقدسية، ليطال في انتفاضة شعبية عارمة كامل الجغرافيا الفلسطينية طولاً وعرضاً.. ولربما نجد أنفسنا أمام معركة «سيف القدس2» على نحو أشد وأوسع من السابق، ونحن على ثقة بأن من تدخلوا لصالح القدس في معركة «سيف القدس1» لن يخذلوا القدس وأهلها، وكذلك من وعدوا وقالوا بأن مصير القدس يعادل حربا إقليمية وحلقت طائرتهم المسيرة «حسان» في الشمال الفلسطيني لمدة أربعين دقيقة وعادت سالمة، دون أن تنجح كل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي في إسقاطها.. كل هذا يؤكد على تآكل قوة الردع لدى دولة الاحتلال.
القدس التي خذلها حلف «ابراهام» التطبيعي، لن يخذلها المحور المقاوم المتشكل في الإقليم والمنطقة.