حقائـــق الخبـــر الـمبيــن عـــن رحلـــة عـــروج خــاتــم النبييـــن

أ. محمد مكركب
رحلة المعراج؟ والمعراج لغة: من عَرَج يعرُج عُروجاً ومَعْرَجاً. والمَعْراج: المصعد. والطَّريق الَّذِي تصعَد فِيهِ الْمَلَائِكَة.. والمِعْراج: السُلَّم، ومنه ليلة المِعْراج، والجمع مَعارج ومَعاريج، مثله مَفاتِح ومَفاتيح. والمَعارج: المصاعِدُ. والمعراج يؤنث ويذكر. والمعراج هو الرحلة من بيت المقدس إلى السماء السابعة، إلى سدرة المنتهى.
قال الإمام محمد الغزالي رحمه الله وهو يتحدث عن حادثة شق الصدر: {وأحسب أنّ ما روي عن شقّ الصدر، وغسل القلب وحشوه، إنّما هو رمز هذا الإعداد المحتوم.. وقصة الإسراء مشحونة بهذه الرموز، ذات الدلالة التي تدقّ على السّذّج. إنّ الإسراء والمعراج وقعا للرسول عليه الصلاة والسلام بشخصه في طور بلغت الروح فيه قمة الإشراق، وخفّت فيه كثافة الجسد حتى تفصّى من أغلب القوانين التي تحكمه. واستكناه حقيقة هذه الرحلة، وتتبّع مراحلها بالوصف الدقيق، مرتبط بإدراك العقل الإنساني لحقيقة المادة والروح، وما أودع الله فيهما من قوى وخصائص}(فقه السيرة: 139).
رحلة المعراج: وفي السيرة لابن هشام: {قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لما فرغت مما كان في بيت المقدس، أتي بالمعراج، ولم أر شيئا قط أحسن منه، وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حضر، فأصعدني صاحبي فيه، حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء، يقال له: باب الحفظة، عليه ملك من الملائكة، يقال له: إسماعيل، تحت يديه اثنا عشر ألف ملك، تحت يدي كل ملك منهم اثنا عشر ألف ملك- قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حدث بهذا الحديث: وما يعلم جنود ربك إلا هو- فلما دخل بي، قال: من هذا يا جبريل؟ قال: (هذا) محمد. قال: أوقد بعث؟ قال: نعم. قال: فدعا لي بخير: وقاله}(السيرة لابن هشام:1/403).
وفي سنن الترمذي (باب: ومن سورة والنجم) عن عبد الله بن مسعود، قال: [لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى، قال: انتهى إليها ما يعرج من الأرض وما ينزل من فوق. قال: فأعطاه الله عندها ثلاثا لم يعطهن نبيا كان قبله، فرضت عليه الصلاة خمسا، وأعطي خواتيم سورة البقرة وغفر لأمته الْمُقْحِمَات ما لم يشركوا بالله شيئا] (الترمذي:3276). ومعنى الْمُقْحِمَات: الْكَبَائِر من الذُّنُوب الَّتِي تُقْحِمُ صَاحبهَا فِي النَّار أَي تلقيه فِيهَا، أي الذنوب العظام.
فقد عرج به جبريل صلوات الله تعالى وسلامه عليهما إلى السموات، فمشى فى السموات سماء سماء، ولقي من لقي فيهن من الأنبياء؛ ولقي آدم فى سماء الدنيا، ورأى عنده نفوس أهل السعادة عن يمينه ونفوس أهل الشقاوة عن يساره، ورأى عيسى ويحيى فى السماء الثانية، ورأى يوسف فى الثالثة، ورأى إدريس فى الرابعة، وهرون فى الخامسة، ورأى فى السادسة موسى، ورأى فى السابعة إبراهيم، ورأى الجنة وهى جنة المأوى، وسدرة المنتهى. وفى تلك الليلة فرضت الصلوات الخمس.
حادثة شق الصدر: إن حادثة شق الصدر وقعت له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتين: الأولى: وهو صغير في بني سعد كما في رواية أنس. والثانية: ليلة الإسراء والمعراج كما في رواية أنس أيضا عن أبي ذر، ومالك بن صعصعة وأبي بن كعب.
الفوائد العامة من دروس رحلة الإسراء:
الفائدة الأولى: تكريم خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، بهذه الرحلة، ليكون ابن آدم الأول المكرم والمشرف بأطول رحلة في التاريخ البشري، ولم يسبقه أحد بهذا التكريم المخبر عنه. قال الدكتور خليل إبراهيم ملاخاطر: {مما خص الله محمدا صلى الله عليه وسلم، به، ولا نعلم أنه قد أعطيه غيره من الأنبياء، عليه وعليهم الصلاة والسلام، الإسراء والمعراج، وما أكرمه صلى الله عليه وسلم فيهما من: إمامته بالأنبياء في بيت المقدس، ورؤيته آيات كبرى}(كتاب عظيم قدره: ص.61).
الفائدة الثانية: أن هذه الرحلة كانت اختبارا، فزادت المؤمنين إيمانا، وأظهر الله تعالى بها المتشككين، فثبت من ثبت، وارتد من ارتد. ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾(سورة الإسراء:60).
روى ابن كثير في التفسير عن ابن عباس: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ قال: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ.(ابن كثير:5/92).
الفائدة الثالثة: التعلم من المرائي التي رآها في هذه الرحلة، ومنها: الذين يأكلون لحوم الناس: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ] قَالَ: [هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ] أبو داود:4878).
حقيقة التصديق بما يبنى على الحق الذي لاشك فيه. يروى أنه لما كانت صبيحة الإسراء {جَاءَ نَاسٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّهُ صَادِقٌ فَقَالُوا وَتُصَدِّقُهُ بِأَنَّهُ أَتَى الشَّامَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ قَالَ نَعَمْ إِنِّي أُصَدِّقُهُ بِأَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ قَالَ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ الصّديق}(فتح الباري ابن حجر: 199).
لو كان كل المؤمنين أمثال أبي بكر الصديق، أنهم عندما آمنوا بالقرآن، المفروض أنهم يؤمنون عن يقين بكل أحكامه وأخباره، فما هو دليل أبكر على تصديق النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: {إِنِّي أُصَدِّقُهُ بِأَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ قَالَ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ الصّديق} هل عندما صدقوا بأن الله تعالى هو الذي قال: ﴿واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ ويؤمنون بأن الله تعالى قال: ﴿وَلَاتَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ هل آمنوا حقا وصدقا، واتحدوا، ولم يقتلوا بعضهم. فاسألوا التاريخ.
والفائدة من الخبر من رحلة الإسراء والمعراج على أنه صلى الله عليه وسلم، التقى بالأنبياء عليه الصلاة والسلام، حتى لا يستغرب الناس وهم يقرؤون القرآن الكريم أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾(آل عمران: 169).
قال النووي في شرحه على مسلم: {قال القاضي عياض: وفى هذا (الخبر عن عروج النبي صلى الله عليه وسلم) أن للسماء أبوابا حقيقية وَحَفَظَةً مُوَكَّلِينَ بِهَا وَفِيهِ إِثْبَاتُ الِاسْتِئْذَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ) ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ (فَإِذَا أَنَا بِابْنَيِ الْخَالَةِ (عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ) فَرَحَّبَا بِي وَدَعَوَا) وَذَكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَاقِي الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ نَحْوَهُ، فِيهِ اسْتِحْبَابُ لِقَاءِ أَهْلِ الْفَضْلِ بِالْبِشْرِ وَالتَّرْحِيبِ وَالْكَلَامِ الْحَسَنِ والدعاء}(شرح النووي:2/212).
ونذكر القارئ الكريم بأن أحاديث الإسراء والمعراج من الأحاديث التي تتعرض للطعن والتكذيب من قبل صنفين من الناس: صنف الساذجين الذين يتحدثون باسم الفكر الحر، وبدعوى التجديد، ومن فلسفتهم أنهم يعملون بالقرآن وحده، وينكرون الحديث ولا يعملون بما أجمع عليه المفسرون.
والصنف الثاني غير المسلمين الذين يطعنون في الإسلام. وعلى المسلم الحق أن يطمئن بأن رحلة الإسراء والمعراج حقيقة تاريخية، وحادثة بارزة في السيرة النبوية، وهي تشريف وتمجيد وتكريم لخاتم النبيين، ولأمته صلى الله عليه وسلم.