المرأة والإصـــلاح الاجتماعي

أد. مولود عويمر/
يجد القارئ في هذه السلسلة نصوصا قديمة متجددة حررها العلماء والأدباء الجزائريون حول قضايا عصرهم واهتماماتهم العلمية والأدبية والفكرية والسياسية الوطنية والعالمية. وحوت هذه النصوص المرجعية للفكر الجزائري المعاصر معينا غزيرا يغرف منه الباحثون المشتغلون على تاريخ الجزائر في القرن العشرين والدارسون لذخائر تراثنا. وألتزم هنا قدر الامكان بنشر الآثار المغمورة أو المتداولة بشكل محدود لننفض الغبار عنها ونحيي جهود أصحابها الذين لم ينصفهم دائما الباحثون لأسباب مختلفة. وأمهد في كل مرة بترجمة موجزة لصاحب النص، وبيان سياقه العام وعرض مختصر لمضمونه، وتعريف مقتضب للمصدر الذي اقتبست منه، وهي في غالب الأحيان عبارة عن جرائد ومجلات قديمة تعتبر في حد ذاتها وثائق مغمورة أو نادرة.
ترجمة صاحب النص
صاحب المقال هو الشيخ حمزة شنوف المعروف بـ «بـوكوشة». ولد في عام 1906 بوادي سوف. حفظ القرآن مبكرا وتعلم مبادئ الإسلام واللغة العربية على والده الشيخ البشير بوكوشة في بسكرة. وفيها درس حمزة على يد علمائها، وكان أبرزهم الشيخ إبراهيم العوامر (1881 / 1934).
وفي عام 1923 التحق بوكوشة بجامع الزيتونة لمواصلة تحصيله العلمي. ونال منه شهادة التطويع في سنة 1930. وكتب خلال إقامته بتونس عدة مقالات في جريدة «الوزير» التي يشرف على صفحتها الأدبية صديقه محمود بورقيبة (1909 /1956). وقد أحصى له الباحث الدكتور محمد صالح الجابري 22 قصيدة شعرية و9 مقالات نثرية.
وبعد عودته إلى الجزائر استقر بمدينة دلس ليدرّس في مدرسة الإصلاح لمدة أربع سنوات، ثم رحل إلى قسنطينة للتدريس في مدرسة التربية والتعليم إلى جانب أستاذه الشيخ عبد الحميد بن باديس.
وانضم الشيخ بوكوشة إلى الحركة الإصلاحية وساهم مباشرة في تنظيم المؤتمر التأسيسي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في ماي 1931 بالجزائر العاصمة، وكلفته هذه الجمعية بالإشراف على عدد من مدارسها الحرة.
كتب في جرائد جزائرية عديدة منها: «الليالي»، «المغرب»، «الوفاق»، «البصائر»، «الشهاب»، «الإصلاح»، «الشعلة»، «الثبات»… ولم يكتف الشيخ بوكوشة بالنشر في هذه الصحف فقد خاض بنفسه تجربة إصدار جريدة بوهران في عام 1937 تحمل اسم «المغرب العربي»، وهي جريدة أسبوعية ذات توجه إصلاحي ووطني.
وفي عام 1938 أرسلته جمعية العلماء إلى فرنسا للدعوة في صفوف المهاجرين الجزائريين، فأدى مهمته بشكل فعال بمدينة ليون وضواحيها. وبعد بضعة أشهر عاد إلى الجزائر لمواصلة نشاطه الإصلاحي. وفي عام 1944 انتخب عضوا في مجلسها الإداري كنائب للأمين العام أحمد توفيق المدني. وفي عام 1948 انتخب مراقبا عاما للجمعية.
والتحق في سنة 1948 بهيئة تحرير جريدة «البصائر» لسان حال هذه الجمعية الإصلاحية. وقد قام بجهد كبير في نشر وطبع هذه الجريدة التي عرفت في سنواتها الأولى عدة صعوبات مادية وإدارية. وقد اعترف مديرها الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بذلك الجهد المتواصل ووقوف بوكوشة إلى جانبه في ظروف صعبة.
ودرّس في نهاية الأربعينات في معهد عبد الحميد بن باديس في قسنطينة، ثم انتقل إلى الجزائر العاصمة في عام 1950 للتدريس في فرع معهد عبد الحميد بن باديس ببلكور إلى أن اعتقلته قوات الأمن الفرنسي في سنة 1957. حكم عليه بعامين ووضع في السجن مع مجموعة من العلماء والمثقفين، وهم: عبد القادر الياجوري، سعيد صالحي، أحمد سحنون، محمد الصالح بن عتيق، ومحمد الشبوكي.
وعمل بعد الاستقلال في وزارة الأوقاف، ثم اشتغل بالتعليم الثانوي، فدرّس بثانوية عقبة بن نافع، وثانوية عمر راسم، وتابع دراساته العليا بجامعة الجزائر حيث تحصل على شهادة الليسانس في الحقوق سنة 1971، وعمل في القضاء مستشارا ثم محاميا إلى غاية 1988.
وبالإضافة إلى كتابة المقالات التاريخية والأدبية في الصحف والمجلات المختلفة، كانت له مساهمات في النشاطات الثقافية التي كانت تقام في الجزائر وخارجها. وبقيّ الشيخ حمزة بوكوشة مداوما على هذا النشاط إلى أن وافته المنية في 18 نوفمبر 1994، فدفن بمقبرة القطار بالعاصمة.
جريدة الثبات في سطور
نشر المقال في جريدة الثبات لمديرها محمد عبابسة الأخضري وصاحب امتيازها محمد الشريف جوكلاري. كان شعارها: «الثبات على المبادئ الحقة، مع السير بحكمة، يضيء السبيل ويضمن النجاح». وكانت تصدر يوم الجمعة من كل أسبوع في 4 صفحات، منها صفحة واحدة (الأخيرة) مخصصة للإعلانات والإشهار.
و«الثبات» تعنى بالقضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية. ثقافيا وفكريا كانت قريبة من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وسياسيا كانت متعاطفة مع جمعية النواب المسلمين للقطاع القسنطيني التي كان يتزعمها الدكتور محمد الصالح بن جلول. صدر العدد الأول منها في جانفي 1934 بينما صدر عددها الأخير (50) في 6 سبتمبر 1935. وكانت تطبع بالمطبعة العربية بمدينة الجزائر ثم تحوّل طبعها إلى المطبعة الجزائرية الاسلامية بقسنطينة.
وكانت معظم مقالاتها يحررها مديرها الأستاذ محمد عبابسة وبعض الكُتاب غير المعروفين من مختلف المدن الداخلية الذين كانوا يقدمون للقارئ معلومات عن النشاطات الثقافية والسياسية والاقتصادية التي تقام عبر القطر الجزائري.
قيمة المرأة في المجتمع
لقد اهتم الشيخ حمزة بوكوشة بموضوع المرأة وكتب عنها مقالات عديدة سواء في فترة الاحتلال الفرنسي أو بعد الاستقلال الوطني مدافعا دائما عن حقوقها في إطار الضوابط الشرعية والسنن الفطرية ومتطلبات تطوّر المجتمع الجزائري.
وصف علاقة المرأة بالمجتمع بالقلب من الجسد، ووصفها في مقال آخر بالروح من الجسد، فضلا عن اعتبارها المدرسة الأولى التي تنتج القيم وتربي الأجيال وتصنع الرجال، فالاهتمام بها هو عرفان بقيمتها الاجتماعية والإنسانية ودعم لكل الأدوار التي تؤديها من أجل الارتقاء بالمجتمعات والأمم في مدارج التقدم.
وحرص الشيخ حمزة بوكوشة على بيان كل هذا الدور الكبير للمرأة ودعا رجال الإصلاح -وخاصة المترددين منهم- إلى الاهتمام بها وتعليمها حتى لا تعطّل مهمتها، وكذلك حتى لا تترك فريسة سهلة للحركات النسوية المعاصرة التي تدعو إلى تحرر المرأة من كل القيود والضوابط الاجتماعية والدينية والأخلاقية.
ولقد وجدت هذه الأصوات الشاذة قليلا من الأصداء في بعض الدول العربية وظهرت عينات من سفور المرأة العربية في الأقطار المشرقية اقتداءً بالمرأة الغربية.
المرأة والإصلاح
«للمرأة القدح المعلى في تقلبات الأمم وتطوّراتها فالمرأة من الأمة كالقلب من الجسد إذا أصلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله فالرجل بكل ما أوتي من ثقافة وقوة لا يستطيع أن يحول بين المرأة ومبتغاها طرفة عيْن.
أما هي فلها السلطان المطلق على إرادته أيا كان وكثيرا ما تكلفه بجهلها أعمالا لا يقرها فيفعلها وهو من أشد الناس إنكارا لها ابتغاء مرضاتها كرها وقلبه مطمئن بالإيمان.
لذلك كان لزاما على من تصدى لإصلاح الأمة أن لا يهمل إصلاح نسائها بحال فالأمة التي تفقد النساء الصالحات المصلحات من مجموعاتها لا تتقدم بخطوة إلى الأمام من جهة إلا وتأخرت بذراع من جهة أخرى فعدم إصلاح المرأة هو العقبة الكأداء في سبيل رقي الأمة وسعادتها.
ومع ما لهذه القضية من الأهمية والارتباط الذي يربطها بما يبعث الأمة من مرقدها لم نر من بين دعاة الإصلاح بالقطر الجزائري من أعارها جانبا من الالتفات، سوی فرق كتبوا في الصحف الفرنسية وضربوا على الوتر الذي ضرب عليه إباحية الشرق تقليدا لأوروبا.
وهذا الاصلاح الذي يتغنون به كالخمر إثمه أكثر من نفعه يذهب بالمرأة إلى الخروج عما خلقت لأجله.
أما الاصلاح الذي نوّد أن يتناوله العلماء والخطباء والكُتّاب بالبحث فهو إصلاح ديني دنيوى للمرأة في آن واحد كالتفكير في انشاء الملاجئ للنساء اللواتي قعد بهن الحظ عن الزواج وعن العمل الشريف الذي يكتسبن منه حتى اضطررن لبيع العفاف المصون! وتكوين معلمات ومرشدات يعلمن النساء أمور دينهن ويرشدنهن من وراء حجاب.
والنساء من أشد البشر تأثرا بالمواعظ وأكثرهم انقيادا إلى الحق إذا تبيّن ولا يتزحزحن عن صراطه المستقيم قید شعرة، وهن من أرأف الناس وأشفقهم بالبائسين وأقربهم للبذل ومساعدة المعوّزين.
وهب توجد عندهن خرافات وأوهام صبيانية فتلك توجد حتى عند بعض الرجال المدّعين أنهم من الخواص بل للعوام وللنساء عذر بيّن في ذلك إذ لا يغشین مجامع الوعظ والإرشاد فلو کن يغشیْنها مثل الرجال لاستقمن بین عشية وضحاها.
عاصمة الجزائر في النهضة الحالية لما كان العجائز يحلَّون بمعزل عن الرجال بالجامع الجديد لاستماع دروس الأستاذ العقبي قبل تعطيلها وأعينهن تفيض من الدمع بين آونة وأخرى. كما أنهن اليوم يحضرن بجامع سيدي رمضان لسماع خطبة الأستاذ أبي یعلی (الزواوي) تكون من بينهن نساء صالحات مصلحات لغيرهن صرن يشتركن في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والجمعية الخيرية التي أسست حديثا.
ولقد رأیت سُعاة الجمعيتين يقيّدون أسماء السيّدات المشتركات وهذه بشرى تدل على أن السيّدات مهيئات لمساعدة الرجل في العمل، وإنما العاملون من الرجال قليل».