موقــــف و خـــاطـــــرة

عِشْ رَجَبــــا تَـــرَى عَجَبـــــا!!

المعروف تاريخياً أن العرب في الجاهلية كانت تعظم الأشهر الحرم بما فيها رجب، فلا يرتكبون فيها جرما، ولا يشنون فيها حرباً، ولا يئدون فيها بنتا، ولا يثأرون من قاتل، فلو وجد الواحد منهم قاتل أبيه أو أخيه، فإنه لا يتعرض له بسوء، فلما جاء الإسلام أقر تعظيمها وتحريم القتال فيها فقال تعالى:{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ}[البقرة: 217].
وقال تعالى:{ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36].
وبقيت الأشهر الحرم ومنها شهر رجب معظمة في الإسلام، ولا يعني ذلك أن له في الإسلام أفضلية تخصه عن غيره من أشهر السنة، أو أن العمل فيه أفضل من غيره، ولم يرد في تخصيصه نص في أي نوع من أنواع العبادات، ولم يصح في فضل رجب وصيامه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء.
قال أحدهم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: نحن اليوم مع الإسلام، ندعو على الظالم فلا نُجاب في أكثر الأمر، فقال عمر رضي الله عنه: إن الله عز وجل لم يعجل العقوبة لكفار هذه الأمة، ولا لفساقها، فإن الله تعالى، يقول: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرّ}[القمر 46]، وعش رحبًا بكسر الحاء تعني وقتًا واسعًا، أي عش من الزمن فترة طويلة ترَ العجب.
ومن العجب أنه ‏في 2018 استضافت روسيا نسخة كأس العالم، تحديدا عندما كانت ترمي براميلها المتفجرة على الأطفال السوريين، لم تكن روسيا منبوذة بل كانت قبلة الأمريكان والأوربيين، اليوم روسيا تطرد من نسخة كأس العالم قطر، لأن الـ FIFA اكتشفت أن الدم الأوروبي أغلى من الدم السوري!
والعجب ما نرى أيضا ونحن نشاهد هذه الحرب الدائرة بين الغرب والروس أن المسلمين منقسمون بين مؤيد للروس وآخر مساند للغرب، يا عبد الله حكم عقلك وارجع قليل للوراء وتصفح ما حدث لبلاد المسلمين بدءا بغزة والعراق وأرض الشام وليبيا وأفغانستان وأرض الشيشان وما حدث لإخواننا الرهينغيا على مثلهم تبكي البواكي لا على من اجتمعت جيوشهم بالأمس ولازالت لمحق المسلمين وسرقت خيراتهم.
لقد كشف الله تعالى لنا من خلال هذه الحرب شدة العداء بين أمم النصارى وقد قال الله تعالى :{ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}[المائدة: 14] وقال سبحانه وتعالى:{وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[المائدة: 64].
أحسن ما قرأته في هذا اليوم هذه المقاربة؛ أربعة أيام فقط في الحرب علمتنا كثيرا من الدروس:
– الدعوة لتطوع الأجانب بطولة في أوكرانيا، ولكنها دعوة للإرهاب لو كانوا مسلمين.
– الضابط الأوكراني الذي فجر نفسه هو بطل، لكنه لو كان مسلماً فهو إرهابي.
– تضامن الشخصيات الرياضية مع أوكرانيا حق أصيل، ولكنه ممنوع عندما كتب أبو تريكة على التيشيرت (تعاطفا مع غزة) ويستحق كذلك العقاب عليه.
– دعم أوكرانيا بالسلاح حق مشروع للدفاع عن النفس، بينما دعم غزة بالسلاح إجرام ويعاقب صاحبه بالسجن.
– مقاطعة روسيا اقتصاديا واجب إنساني، بينما مقاطعة إسرائيل إجرام وتعد على حقهم المشروع في الدفاع عن النفس.
صدق الحارث بن عباد البكري (حكيم، شاعر وسيد من سادات العرب في الجاهلية)عندما قال: «عش رجبا ترى عجبا».

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com