عين البصائر

في مناسبة ذكراه الـسابعة والسبعين ملتقى العلَامــــة مبارك الميلي في مدينـــة ميلة… محطــــة دينيـــة ثقافيــــة سنويـــة رائـــدة

متابعة: حسـن أبو ياسين/

أحيت مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية ميلة الذكرى السابعة والسبعين لوفاة العلامة الشيخ مبارك الميلي بإقامة الملتقى الوطني السنوي، والذي احتضنته دار الثقافة التي تحمل اسم العلامة نفسه، دار الثقافة مبارك الميلي، التي توجد في وسط المدينة، وتتوفر على مرافق هامة؛ منها قاعة محاضرات كبرى وقاعات جانبية، وقاعة شرفية، مع ملاحظة خاصة، سنشير إليها في آخر هذه السطور.

انطلق الملتقى في حدود الساعة التاسعة والنصف بإشراف المفتش العام للولاية، نيابة عن والي الولاية الذي يعاني من وعكة صحية، وبحضور السلطات المحلية مدنية وعسكرية، إلى جانب حضور طيب من المثقفين والإعلاميين والمهتمين، وبالطبع حضر الإخوة الأئمة والأخوات المرشدات الدينيات الذي يعنيهم ـ قبل غيرهم ـ هذا الملتقى؛ من حيث موضوعه ومحاوره؛ حيث كانت طبعة هذه السنـة تحت محور كبير “الأشاعرة وجهودهم العلمية والإصلاحية”. وقد أدار الملتقى بكفاءة واقتدار الأخ خالد مدير مصلحة النشاط الثقافي والتعليم القرآني في المديرية.


وقـد جاءت فقرات الملتقى كما يلي:
الافتتاح بآي الذكر الحكيم تلاه المقريء الشّاب سراج الدين سالم الفائز بالمرتبة الأولى في مسابقة “مزامير داود”، وهـو شاب يافع في الثالثة عشرة من عمره /كفيف/.. لكنه يقرأ القرآن الكريم بصوت رائع (حفظه الله) ولديه قدرات كبيرة في تطوير موهبته هذه، ليكون ـ بحول الله تعالى ـ من كبار القراء في العالم الإسلامي.
ـ تلى تلك القراءة العطرة النشيد الوطني، ثم كلمة ترحيبية للأخ الأستاذ كمال دراجي مدير الشؤون الدينية والأوقاف لولاية ميلة، تحدث فيها بإسهاب عن موضوع الملتقى ومحاوره، وأهمية ما يُطرح فيه، لتحقيق الانسجام الديني في وطننا.
جاءت بعدها مداخلة أولية للأستاذ الدكتور عمار طالبي رحب فيها بالحضور وتحدث عن المناسبة وشرفها، وشكر الإخوة المنظمين في الولاية والمديرية.
ـثم قدم الدكتور عمار طالبي مداخلة مزج فيها بين ذكرياته وما اختزنته الذاكرة عن الشيخ العالم مبارك الميلي، وجهوده في العلم والتربية والصحافة والدعوة في الأغواط وقسنطينة وميلة. مع التركيز على جهوده في “مجال العقيدة” مـن خلال كتابه (رسالة الشرك ومظاهره).


ثم تلاه الأستاذ الدكتور العمري مرزوق وموضوعها:” دور التراث العقدي الأشعري في وحدة الأمة”..تناول فيها بشكل أكاديمي رائع، موضوع الدور المركزي للتراث العقدي الذي خلّفه العلماء الكبار في سبيل التمكين لعقيدة الأمة، في مختلف الأمصار، مشرقا ومغربا. وأكّد أنه من الضروري أن تُعرف تلك الجهود الجبارة وتقدّرَ وتثــمّن، خاصة من قبَل طلبة العلوم الشرعية والمشتغلين في المجال الديني والثقافي كالأئمة والأساتذة ذوي الصلة بالعلوم الشرعية عامة، وعلم العقيدة الإسلامية خاصة. كما أشار إلى أنه آن الأوان أن تُعقد الملتقيات المتخصصة في المخابر والجامعات والمؤسسات البحثية في هذا الشـأن، وأقل ما يمكن هو أن يقدم المسلمون المعاصرون ما يدفع عن العقيدة الإسلامية الطعون والعدوان من مكامن كثيرة، سواء تلك التي تدرج نفسها تحت عناوين “العَلَمانية” والحداثية أو الأخرى التي تتدثر بدثار الإسلام (العقلاني) التنويري، أو حتى تلك التي ترفع لواء السلف.
ـ تلتها محاضرة الشيخ الأستاذ عبد العزيز شلي أستاذ التفسير وعلوم القرآن في الجامعة الإسلامية ورئيس شعبة ولاية قسنطينة لجمعية العلماء، وكان موضوعها:
“التحصين العقـدي في منظور الشيخ مبارك الميلي”، وقد قدمها في شكل شرائح (على الداتاشو) تناول فيها التأكيد على أهمية العقيدة الإسلامية في بناء شخصية المسلم والمسلمة، مؤكدا على أن منهج الميلي هو منـهج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بكافة علمائها، والذين اشتغلوا على نحو خاص على محور”العقيدة” بتميــز وتفرّد، وهو ما حقق النتائج الباهرة في مجال تغيير الإنسان الجزائري، مصداقا لقوله تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}…وقد غيروا هذا الإنسان: من إنسان خانع خاضع مستكين إلى إنسان إيجابي حرّ، يرفض المذلة ويأبى الخنوع أمام المستعمر. وكان تساؤل الأستاذ شلّـي قويا حيث قال:
لقد حقق هؤلاء العلماء الأفاضل نجاحا كبيـرا، لا ينكره أحد، بعملهم الدعوي العقدي المتكامل.. فماذا حققنا نحن؟ خاصة في وضع كالذي نحن فيه حيث تتهددنا الأخطار. وكان المحاضر قد بدأ مداخلته بالإشارة إلى عنوان مقال كتبه الشيخ الميلي في جريدة المنتقد أواخر العشرينيات من القرن الماضي (أي قبل نحو قرن كامل) جعل عنوانه “العقل الجزائري في خطر”. وساءل الحضور في القاعة: تُرى هل ما يزال العقل الجزائري في خطر؟ فأجابوا بصوت واحد: نعم مازال في خطر!!.
ـ تلتها محاضرة الأستاذ الدكتور سعيد عليوان أستاذ العقيدة في جامعة الأمير عبد القادر الإسلامية تحت عنوان “مجهودات الإمام السنوسي في نشر الأشعرية وتثبيتها في العالم الإسلامي”. تناول فيها جهود الإمام السنوسي التلمساني من خلال كتبه، وعمله التعليمي وجهوده الأخرى في نشـر العقيدة الإسلامية والتي أثمرت، في تقدير الباحث الدكتور عليوان من حيث وُفقت في تعزيز عقيدة المسلمين ضد كل التيارات التي كانت منتشرة وقتها.
المحاضرة الأخيرة كانت للأستاذ الدكتور نذير حمادو أستاذ بجامعة الأمير أيضا، وكان موضوعها “الفكر الأشعري وتصحيح المفاهيم” وقد وقف الأستاذ نذير عند كثير من المحطات التي وجب التوقّف عندها ـ كما قال ـ فيما يتصل بالتراث العقدي الأشعري الذي جوبه ـ للأسف ـ بكثير من المغالطات والتخرّصات والأكاذيب، بغيـة (تقزيمه) وتلويثه، واتهامه بما ليس منه وبما ليس فيه، ولا يمثـّله حقيقة.


وأبـان المحاضر عن أهمية معرفة هذه المدرسة بثقلها العلمي ووزنها العقدي والتي تمثل أكثر من 90 بالمائة من المسلمين في المشرق والمغرب، وأن الأشاعرة من أهل السّنة والجماعة حقيقة، مع إخوانهم “الماتردية” وأنهم خدموا دين الله تبارك وتعالى ومكّنوا له، من خلال جهودهم في الحقل العقدي خاصة. وأنه يجب تجاوز الكثير مما رُموا به من الأباطيل إلى معرفة الحقائـق الناصعة الناطقة بالحق المبين، وبالفهم الدقيق الصحيح للدين وأصوله وأساليب الدفاع عنه؛ خاصة مع الفرق المنحرفة الضالـّة، قديما وحديثا.
وإنما يحتـاج الأمر إلى الإحاطة والقراءة والعلم والتعلـم والتعرّف الحقيقي على هذه المدرسة وكبار علمائها ودعاتها لمعرفة الحقيقة، وأن خصومها والمناوئيـن لها ـ بقصد أو بجهـل ـ هم الخاسرون، وينبـغي السعي في سبـيل نشر الثقافة العقدية الصحيحة.
واختتمت أشغال الملتقى الذي جاء في شكل ندوة تتابعت مداخلاتها بفتح المجال للتدخلات من الحضور: أساتذة، وأئمة، وأستاذات ومرشدات؛ حيث عبّر الكثير عن أهمية هذا الملتقى، كما طرحوا الأسئلة الخاصة بالمدرسة الأشعرية، وقال بعضهم: يجب أن نعلم أن طرح هذا الموضوع في بعض الفضاءات أشبه بالحديث عن “غول” أو شيء مخيف، وهو ما يدلّ على شيوع فكر معاد ومناويء للأشعرية وتراثها وينكر جهودها ويسفّه كل ما يتصل بها.
والحديث يطــول في المسألة ويحتـاج فعلا إلى اهتمام خاص؛ في الهيئات العلمية والجامعات، ثم في طروح مبسّطة قوية عن هذه المدرسة الإسلامية الكبيرة، ليس في مجال العقيدة وحسبُ، بل في مجالات الدين والدعوة والحياة وكل ما له علاقة بالإسلام في حركته نحو الإنسان.
هذا عن الملتقى أما الملاحظات فنكتفي منها بما يلي، وإيرادها يتصل بفكرة تسعى الجمعية إلى تجسيدها بكل الطرق، وهي فكرة التعاون بين الجمعية وسائر الهيئات، في الوطن، بما فيه الخير والصلاح والإصلاح .
1 ـ كان تصوّر الجمعية أن يكون الموضوع الرئيس عن “منهج ترسيخ العقيدة الإسلامية” في واقعنا الحالي، ومناقشة هذا الأمر الخطير في واقعنا والمتعلق بانحسار البُعد العقدي في حياتنا وسلوكنا كجزائريين (مسلمين ومسلمات) وذلك بتنامي الخط البياني للجريمة، والإلحاد، واللاأدرية، والضياع والخواء الروحي والنفسي، وهو ما نراه في الواقع، لذلك من الواقعية التصدي لهذه المشكلات، بديلا عن الإغراق في التاريخ واستدعاء قضاياه القديمة بأي شكل كان.
2ـ أن يكون مع الملتقى نشاط متعدد في الجامعة، وفـي المؤسسات التربوية والتكوينية؛ لأهمية وخطورة موضوع العقيـدة في حياتنا ومعاشنا.
3ـ أن تكون هناك ندوات في المساجد بين المغرب والعشاء في نفس الموضوع؛ لتصل فكرة العقيدة وأهميتها إلى أكبر عدد من الناس، وقد اعتادت الجمعية على ذلك في مناسبات كثيرة، وهذا شيء يرسّخ ويعمق التعاون بين الجمعية ومديريات الشؤون الدينية في الولايات.
4ـ أن تكون هناك ندوة إذاعية بالتعاون مع إذاعة ميلة، يشارك فيها بعض الأساتذة المحاضرين في نفس الموضوع، تنبيها، وتوجيها، ونصحا وبيانا لوجوه الحق في المسائل ذات الصلة، وهذا يرسخ المضامين والأفكار التي يدعو إليها الملتقى.
5- أن يكون ثمة معرض مرافق للملتقى، سواء تعلق بالجمعية عموما وأعلامها وعلمائها وتراثها وكتبها ومطبوعاتها، أو تعلق بالشيخ مبارك الميلي وجهوده وحركته العلمية والدعوية بالصور والوثائق والسندات. وهذا أمر لا ينبغي فيه التقصير بأي حال.
وأما الملحوظة الأخيرة التي أشرت إليها في بداية هذه السطور فتتصل بعدم وجود الماء في “……”. وكان ذلك شاقّا على الحضور من الرجال، بصفة أخص. فلعل الإخوة ينتبهون إلى مثل هذه الأمور فهي تفسد متعة الاهتمام والعلم بما يقدم في الملتقيات والندوات .
إنـنا ندعو ـ في الجمعية ـ إلى مدّ يد التعاون والتواصل الفعال في كل الأنشطة التي تستهدف تصحيح المفاهيم وتحقيق النفع الفكري والديني والثقافي العام لأبنائنا وبناتنا من طلبة العلم وطالباته، ومن عموم المسلمين والمسلمات في وطننا، وخارج وطننا.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com