المثقف حين يخضع للإغواء أو الجبروت
أ. لخضر لقدي/
سقطت النخبة المثقفة، وانكمش دورها في تشكيل حياة الناس والدفاع عن حقوقهم. والمثقف له وعيه الخاص ورأيه الخاص، ينحاز للوطن والمواطن لا للحاكم.
فما الذي يجعل المثقف في بلادنا العربية يهجر القيم المدنية ويصطف في طوابير الانحطاط التاريخي مع المستبدين والمتخلفين ويتبنى مواقف معادية لمصالح الشعوب، ويقف مع الاتجاه المناهض للديمقراطية، وسيرورة التاريخ.
والقرآن الكريم عمدة الملة وأساس العقيدة وينبوع الشريعة ومرتكز الأخلاق، يكرم الإنسان لذاته وآدميته بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو لغته: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ. ومن هذا التكريم أن أتاح له حرية الاختيار والتفكير وإبداء الرأي.
والحرية شجرة طيبة ثمارها العدالة والكرامة، وهي نور يتوهج في القلوب مستمدة من توحيد الله وحده فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وإذا كانت وحدة الأمة ضرورة وواجبا يفرضه الإسلام على أبنائه، فإن حق إبداء الرأي هو ضرورة أيضاً يأثم المؤمن بكتمانه وعدم إبدائه للناس.
ويَعدّ الإسلام حرية التعبير عن الرأي حقا وواجبا في ذات الوقت،بل يمنع المسلم من أن يكون إمعة من بني وي…وي. يقول أنا مع الناس دون تبين الحق-، وفي الحديث: وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلاَ تَظْلِمُوا.
ويُحَذِّرُ المسلمَ من خشية الناس على حساب الحقيقة،والجهر بالحق الخالد، ففي الحديث: يَرَى أَمْرًا لِلَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ، ثُمَّ لَا يَقُولُ فِيهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِي كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: خَشْيَةُ النَّاسِ.
وبذلك يعتبر حق إبداء الرأي واجبا مقدسا لا يمكن مصادرته أو التضييق عليه، ومن يعمل على خلاف ذلك فإنه يؤسس للاستبداد والدكتاتورية.
كم تعد حرية الرأي والقول وحق الإعلام في التعبير عنهما أحد أدلة الممارسة الديمقراطية في أي بلد، وهذا الثالوث مقياس لدرجة التقدم والتطور فيه، أو دلالة على حجم التخلف عن مواكبة العصر والدخول إليه.
غير أنه لا يجب لأحد أن يتعسف في استخدام هذا الحق، كأن يتطاول أو يسب أو يسقط أو يحقر الآخرين بحجة ممارسة حقه في حرية التعبير.
بعد أن تحررت فرنسا من الظلم الذي خيم عليها، قامت الإحتفالات والأفراح بنجاح الثورة ، وعندما وضع قادة فرنسا بيانا لثورتهم1789م، قرأ الخطيب(لافاييت) البيان الأول للثورة الفرنسية، وجاء فيه: يولد الرجل حرا ولا يجوز استعباده.ثم قال: أيها الملك العربي العظيم عمر بن الخطاب، أنت الذي حققت العدالة كما هي.
وهو يشير بذلك إلى قول الفاروق رضي الله عنه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.
والقصة أخرجها ابن عبد الحكم تلميذ الإمام مالك في فتوحات مصر واخبارها ، وأوردها ابن الجوزي في مناقب عمر بن الخطاب، ومحمد بن يوسف الكاندهلوي في حياة الصحابة.
وناسف أن نجد من يسمي نفسه أثريا كذبا وزورا يقول إن القصة واهية سندا ومتنا، وهو ليس إلا فقيها للسلطان عميلا للاستعمار ساقطا في حمأة الهوان.