على بصيرة

لماذا ولمن تقرع طبول الحرب العالمية اليوم؟

أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/

 

يعيش العالم اليوم في خوف وفي فزع من أعراض حرب عالمية، لاحت بوادرها من أوكرانيا. فالغرب بشقيه الإديولوجي، أبى إلا أن يجسد صراعه القديم، فيبعث به من جديد في نذر حرب مدمرة، واختار لساحة معركته أوكرانيا، هذه الدولة الإستراتيجية في موقعها، والغنية بخيراتها، والمتنوعة في أعراقها وثقافتها.

إن الحرب – كما يعلم الجميع- ملعونة بأيّ لسان، ومنبوذة من كل الأديان، فهي تزرع الخوف والخراب، وتشيع الهدم والاضطراب وتحيل العَمار إلى السراب. غير أن تعنت الغرب بمختلف مصالحه واديولوجياته، أبى إلا أن يصيب الإنسانية، المهيضة الجناح، المثخنة الجراح بوباء كورونا المجتاح، أبى إلا أن يرزئها، بالحرب العسكرية التي تقضي على الأخضر واليابس، والقائم والجالس، والمتحرك والحابس.
فقد استدرج الغرب الرأسمالي، أوكرانيا ذات العمق الشيوعي، استدرج قادتها المتنكرين لأصولهم، إلى المصيدة، ليكونوا فخاخا منصوبة، وشراكا مركوبة، لتطويق روسيا المطلوبة.
وما كان لبوتين، سليل راسبوتين، أن تنطلي عليه مثل هذه المناورات، وأن ينتظر حتى تنهال عليه الويلات والضربات، فبادر إلى شن حرب وقائية، أسقط فيها الأقنعة العسكرية والسياسية، والعمالة الأجنبية.
لعب الغرب في هذه العملية، دور الشيطان الذي يسول لأتباعه، ويغريهم بكل المطامع، ولكن عندما تحين ساعة العسرة، يقف موقف المتفرج، ولسان حاله قوله تعالى:
﴿ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم﴾ [سورة ابراهيم، الآية: 22].
هكذا –إذن- تذهب الإنسانية صحبة الغرور والتعنت، وإشعال حرب المصالح والإيديولوجيات قبل حرب الدبابات والطائرات.
إن القراءة المتأنية والمحايدة لما يدور في أوكرانيا اليوم –وخاصة من طرف الشعوب الإسلامية المستهدفة على المدى البعيد، لتفضي إلى مجموعة من الحقائق، لعل أبرزها:
1- أن الإستقواء بالأجنبي، أيا كان هذا الأجنبي، مصيره الفشل، فلا يمكن لهذه الأجنبي –عندما يحين الحين- أن يدفع بأبنائه إلى الموت في سبيل الآخرين مهما كانت درجة التحالف معهم.
2- إن الذين يركنون منا إلى حلف التطبيع مع العدو الصهيوني، في محاولة ساذجة منهم لحمايتهم، والدفاع عنهم، هم واهمون، وسيكون مصيرهم، يوم تثور عليهم شعوبهم، مصير حكام أوكرانيا في علاقتهم مع الحلف الأطلسي.
3- أسفرت المعارك الداثرة اليوم في أوكرانيا عن بروز معسكرين ايديولوجيين جديدين:
أ‌- المعسكر التقليدي بزعامة أمريكا، وأتباع الحلف الأطلسي، الذي أصابه الهزال، وسامه كل مفلس.
ب‌- والمعسكر القديم المتجدد بزعامة ما كان يعرف بالإتحاد السوفياتي المتفكك، والذي أصبح يضم روسيا، والصين، وكوريا الشمالية، وقد تنظم إليه استراتيجيا إيران، ودول أخرى.
فالحرب التي تشنها روسيا اليوم بمباركة من الصين وكوريا الشمالية، هي حرب لحماية الهوية، وتحصين الذات الثقافية، وإنقاذ المعسكر من الانقسام والتفتيتية الإقليمية.
وأيا كانت المبررات التي تتذرع بها روسيا بقيادة بوتين، فإن هذه الحرب قد أودت بضحايا لا ناقة لهم ولا جمل في الصراع الإيديولوجي الإستراتيجي الدائر فالحرب –كما يقول العرب- أولها كلام، وآخرها حطام، ولن ينتج عنها إلا الدموع وكسر الضلوع وهدم المعالم وخراب الربوع.
وهنا تبدأ مسؤولية حكماء العالم، وفي مقدمتهم الصالحون من المسلمين، أن يتصدوا لعملية الهدم والخراب، وأن يحولوا، دون الوصول إلى اليباب.
يجب على هؤلاء الحكماء أن يبينوا للجميع، أن المعتدين والمعتدى عليهم –على حد سواء- قد شربوا من كأس الموت التي تعودوا على سقيها للشعوب المستضعفة. وأن الانقسام الذي ظلوا يزرعونه، داخل هذه الشعوب تحت مسميات مختلفة، كالعرقية، واللغوية، والإقليمية، والطائفية، إن هذا الانقسام قد حل بهم اليوم، ولا نستغرب أن تصاب بلدانهم عاجلا، بالتفتت، والتشتت لأن أنظمتهم أبانت عن هشاشة فضيعة وعن ذهنية وضيعة هي ما أدت إلى ما يعانون من عزلة ومن قطيعة.
في ضوء هذا كله، من حقنا أن نتساءل:
لماذا، ولمن تقرع طبول الحرب العالمية اليوم؟
إننا نهيب بالعقلاء والحكماء على قلتهم في هذا العالم، أن يهبوا لنجدة الإنسان والإنسانية، مما يسوقهم إليه المغامرون.
إن الحرب قد يُعلم تاريخ بدئها، ولكنه يُجهل تاريخ انتهائها، فالخراب إذا دب في جسم، لا يدرك الطبيب أو المريض متى يزول.
والنداء الملح والعاجل، هو إلى أبناء أمتنا الإسلامية، أن يسلوا ثيابهم من ثياب الغاصب، والمحتل، والناصب والمختل، فإنه ينتقم بهم ثم ينتقم منهم، وكما يقول المثل العربي الحكيم: إن الظالم سيف الله في أرضه ينتقم به، ثم ينتقم منه. والعافية للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com