داء الأمم في العصر الحديث.!/كمال أبوسنة
الغزو الفكري بمفهومه العام أخطر من الغزو العسكري، وكلاهما مرفوض ويجب على الذين ابتلوا بهما أن يدافعوا ويقاوموا لرد هذين العدوانين اللذين أخرا الأمة الإسلامية قرونا عديدة، وجعلا منها شاة مذبوحة تقاسمت لحمها الأمم الأخرى التي تداعت عليها من كل حدب.!
لقد حاول كثير من مصلحي هذه الأمة أن يرفعوا شعار مقاومة الغزو الفكري الذي أخرج لنا أناسا من بني جلدتنا عملوا بإخلاص كبير من أجل مسخ المقومات والقيم والثوابت وجعلها متصلة بعالم ما وراء البحار، لكن حال بينهم وبين النجاح الفطرة السليمة التي ما تزال تقود مجتمعاتنا المسلمة إلى الهُوية العظمى التي يصعب تغيرها أو تبديلها وهي ” الإسلام” فطرة الله التي فطر الناس عليها !
كما أن كتاب الله الخالد كان الدرع القوي الذي حصن الأمة ووقاها من كل غزو فكري حاول الانسلال إليها لنشر سمومه فيها، ولهذا كان لزاما عليهم للقضاء على الأمة أو مسخها على الأقل أن يجعلوا لسانها العربي لسانا أعجميا، فيتحقق بذلك مرغوبهم، وفي هذا المعنى قال أحد الحكام الفرنسيين المستعمرين في الجزائر:
“إنا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن، ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن من وجودهم، وأن نقتلع العربية من ألسنتهم”.
لقد كانت البعثات إلى الخارج للدراسة -في الغالب- من أهم الوسائل التي استغلها الغربيون لإجراء غسيل مخ للطلبة الذين يعودون إلى أوطانهم محملين بأفكار وعوائد مخيفة لا تمت للأمة بصلة، وقد وصل كثير من هؤلاء-فيما بعد- إلى مناصب عالية فاستغلوا نفوذهم في قطاعات حساسة لتمرير مشاريع ” التغريب والعلمنة “.!
والغريب أنهم رجعوا ولم يجلبوا معهم ما يخدم أمتهم بقدر ما جلبوا الذي يخدم مصالح خصومها، والقليل من أبناء هذه الأمة من تفطن للمؤامرة فعاد وهو أكثر تمسكا بهويته وارتباطا بوطنه الأم وأمته الكبيرة.
ومن هؤلاء الأستاذ المرحوم عبد العزيز جاويش الذي قال في مقال كتبه بعنوان “مدرسو اللغة العربية المصريون في بلاد الانجليز”:
” …ذهبت إلى تلك الديار-انجلترا- فوجدت الناس متمسكين بدينهم فزادوني تمسكا بديني، رأيتهم شديدي الحرص على لغتهم فزادوني حرصا على لغتي، أبصرتهم يتفانون في الدفاع عن بلادهم ويُحرّمون على الأجانب الاستيلاء على بعض شؤونهم أو التصرف في أموالهم ورقابهم فأخذت أحاكيهم في البلاد السيئة الحظ بالاحتلال وأشياعه، رأيتهم يحبون الصراحة، ولا يخشون معتبة ولا يتهيبون متعبة، ما دام الحق لهم فأخذت أحاكيهم في تلك الفضائل…أبصرتهم يحبون العمل ويكرهون الكسل، ويحضون على الفضيلة، فعدت إلى بلادي ثم صرت أشتغل بهمة لا تعرف الملل ولا الانقطاع…”.
للأسف أصبح اليوم الكثير من أبناء الأمة يظنون أن مبلغ الحضارة هو لبس “جينز” أو تصفيف الشعر على الطريقة الغربية أو لبس “ميني جيب” أو التكلم بلغة الأعاجم، وينسون أن الحضارة الحقيقية هي أن تلبس مما تصنع وتأكل مما تزرع، وتتداوى مما تنتج من أدوية فيها شفاء لكل داء…
ليت الجهود تتوحد من أجل حراسة القيم والذود عن الثوابت، فالخطب أكبر والساحة تسع جميع المخلصين.!