هل يكفى اعتذار قناة (بور تي في ) عن انتهاكها لخط الهوية الدينية للمجتمع؟/ محمد مراح
أثارت حصة (Émission Impossible”)” على قناة (بور تيفي) حول موضوعي الفساد والتطرف الديني كما اصطلحت عليه القناة، ردود فعل شعبية ودينية وثقافية كبيرة، للأسلوب الإعلامي المنحط الذي زُجّ فيه بقضايا فكرية دينية بلغت فيها الوقاحة مداها سواء من بعض المنشطين، فضلا عن متولي كبرها سعيد جاب الخير.
ومن باب الملاحظة العابرة؛ أن من بؤس حال كثير من قنواتنا التلفزية، أنها تقرصن عناوين وأسماء برامج شائعة قديمة خصوصا من القنوات الفرنسية تحديدا؛ لإماميته للنخب المثقفة والسياسية. فلا يكلفون أنفسهم عناء ابتكار وإبداع عناوين تحسب ملكيتها الفكرية لهم.
ونتيجة لتلك الردود الكثيرة والكبيرة المستنكرة في أغلبها أصدرت اعتذارا على أن ما جاء في الحصة لا يعبّر عن رأيها، وأنّها تتبنى خطا افتتاحيا وطنيا أصيلا مرتبط بثوابت الأمة، ومدافعا عنها، وأن مواضيع الوطن والعقيدة خطوط حمراء لا تسامح فيها وتتعامل معها بكل جدية.
كما ذكّرت القناة بأنها مجرد فضاء للحوار وليست طرفا فيه، وأن كل ضيف أو متدخل مسؤول عن تصريحاته وهي لا تعبر بالضرورة عن رأي القناة أو موقفها، فيما تلقيها الآلاف من الرسائل من داخل الوطن وخارجه حول محتوى هذا العدد، فكان منها المنبه والناقد والداعم وكذا اتصالات من مثقفين وصحفيين ومشايخ وعلماء يطلبون منها تنوير الرأي العام وتقديم توضيحات حول ما تم تناوله وموقف القناة منه”.
فكيف يمكن تقييم ما حصل؟ وهل يـجُبُّ الاعتذار ما أثارته الحصة من حماقات وافتراءات باسم الانحياز للشعب في معركته ضد الفساد المالي والاقتصادي؟ وما الذي نرى عليها فعله كي يكون لاعتذارها ما صدق مقبول؟
أما القناة فمتورطة في المهزلة من خلال منشطي الحصة: فصاحب الهدة والنيف لم يتورع لسخافاته من تشبيه ما ورد في القرآن عن القصاص بتبادل لاعبي كرة القدم، كل هذا والقناة تحترم خطوط العقيدة والوطنية الحمراء، فكيف كانت ستكون الحال لو أنها لا تعترف لأمر بالصفة تلك؟!
فضلا عن أسلوب الحصة التهريجي الذي لا يليق بمستويات النقاشات الفكرية والدينية والثقافية ولو كان موضوعها، تسوية السراويل الممزقة المتدلية عن خواصر الذكور.
لست في حاجة للتدليل مع العقلاء أن هذا الأسلوب السخيف الهابط في التعامل مع قضايا العقيدة والدين يمثل أحد أسباب تغذية العنف والتطرف. فلتعرف هذه القنوات التجارية أن الأمن الفكري والمعتقدي خط أحمر، يعدّ انتهاكه على هذا النحو تورط في جريمة موصوفة هي جريمة انتهاك الأمن العقائدي للمجتمع في ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية ضاغطة على النفسية الاجتماعية وتوازن الشباب النفسي وربما العقلي في أحيان كثيرة؛ نتيجة للاستهتار الذي تمارسه الطبقة السياسية الرسمية وكثير ممن يوصفون بالأحزاب والجمعيات السياسية، وما أنتجه من ترد سحيق بالبلاد توشك فيه على الضياع .
ووضع القناة في هذا المقام أحد حالين؛ إما هي قاصدة النيل من الهوية الدينية للمجتمع، وإما مستهترة بها، زاجة بها في أسباب رفع نسب المشاهدة. والأدلة على هذا كثيرة من الحصة ذاتها، لكن نكتفى بأخفاها في تقديرنا؛ وهو السؤال الآتي: أي رابط منطقي بين فساد الأوضاع الاقتصادية وقضية التطرف الديني؟ لا من ناحية التحليل الاجتماعي فالأمر بدهي من هذه الناحية؛ إذ الأول مقدمة وسبب للثاني، لكن من ناحية المعالجة الإعلامية بالطريقة الفجة التي ظهر بها البرنامج.
أما ما طرحه سعيد جاب الخير فلا جديد له فيه سوى الببغائية لأركونية التي انتهك فيها إمامه الأكبر محمد أركون كل قدسية للقرآن الكريم، أما ما تلاه كالسنة والفقه الإسلاميين فلا تسأل عنهما بعد الجرأة الأركونية المدعية للعلمية.
هل هناك مسلم يحترم كتاب ربه يقول أمام ملايين المشاهدين قول جاب الخير : (هذه الآية نضعها في الفريقو).؟! إنها وقاحة ما بعدها وقاحة.
والحق لا استغراب مما قاله؛ فمن يتابع كتابات هذا التابع وتصريحاته يجد ما هو الدواهي والفظائع، والغريب أن كل ذلك تحت سقف المظلة البحثية العلمية المستنيرة؛ واكتفى منها بأمثلة قليلة في هذا المقام :
- اتهامه الصريح الوقح للصحابة أنهم شرعوا في الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم بوضع أحاديث عليه لا لشيء إلا لتبرير فكرة الخلافة: انظر لقوله: (الفكر السّلفي انطلق مباشرة بعد وفاة الرّسول محمد(صلى الله عليه وسلم)، حيث شهدنا جيوش المحدّثين الذين راحوا ينشرون أحاديث أغلبها مكذوب ومختلق من أجل تأثيث أيديولوجيا الدّولة العربية المركزية (أو ما يُنعت بدولة الخلافة) التي تحالف فيها الفقيه مع «الخليفة». من هنا بدأ الفكر السّلفي الذي يعتمد القراءة الحرفية للنصّ الدّيني (قرآن وحديث). مع العلم أن الإسلام لا علاقة له بالدّولة والسّياسة، بل هو رسالة روحانية بامتياز، لكن المسلمين انحرفوا بها وحوّلوها إلى مشروع سياسي أطلقوا عليه تسمية «الخلافة» وأصبح الأمير يسمى «خليفة رسول الله»، مع أن الرّسول(صلى الله عليه وسلم) لم يترك سلطة لأحد. [ حوار معه في موقع نفحة – nafhamag.com -19\11\2015) . افترى المستشرقون على رسول الله اختلاقه القرآن لكن لم يفتروا على صحابته وضع الحديث عليه صلى الله عليه وسلم .
- فالمعروف علميا أن حركة الوضع بدأت بعد الفتنة الكبرى واستفحلت في العهدين الأموي والعباسي إلى أن تصدى لها ربانيو الحديث بالتمحيص من خلال العلم الجليل الذي أبدعوه وهو علم الجرح والتعديل .
- من غير رواة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة الكرام العدول: أبا هريرة وابن عمر وعائشة وعبد الله بن عمرو وغيره من جلة الصحابة ورعا وتقوى وعلما وإخلاصا لله ولرسوله ولكتابه والمسلمين؟!
– الافتراء المبين على ابن باديس؛ بخوضه حربا طاحنة ضد التصوف ورجاله: (لكن، المشكلة الكبرى عند الشّيخ ابن باديس كانت الحرب الطّاحنة التي شنّها ضد التراث الرّوحاني الوطني الجزائري والمتمثّل في التّصوّف والطّرق الصوفي)[ المصدر نفسه ] . هل بقي عاقل منصف لا يعرف أن الحرب التي خاضها ابن باديس والجمعية إنما كانت ضد شركيات وخرافات
تلبّس به التصوف في عصور الانحطاط، ثم صارت مركبا الاستعمار لتنفيذ خططه الاستحمارية ضد شعب أثبت رجال تصوفه وزواياه المخلصين جدارتهم الثورية بالثورات الشعبية عليه ؟! إذن هو الدخن المقصود.
- المغالطة المفضوحة تاريخيا من في قوله: (لواقع أن ابن عبد الوهاب وأتباعه من الوهابية (الذين كانوا يسمّون الإخوان، ومنهم أخذت جماعة الإخوان المسلمين اسمها)، أتحداه أن يذكر مصدرا واحدا محترما يؤيد ما ذهب إليه.
- المهم أننا إزاء نموذج لفئة هي رجع صدى لأفكار ومشروع أركون التدميري، وحين تبحث عن إضافات حقيقية أضافوها على تراثه فلا تكاد تجد سوى تهما ذات نزعة سياسية تغريبية استئصالية، مجها المجتمع الجزائري كقضية علمائية المنظومة التربوية في الجزائر وما جرته من ويلات انتهت إلى الحالة الإرهابية التي عاشتها البلاد.
وليس المقام من السعة بما يسمح بالتدليل على تهافت هذا التشخيص السببي بمنطق العلوم الاجتماعية التي يتبجحون بها حتى ليشعرونك أنهم وحدهم حراس معبدها المقدس .
طيب ما قيمة الاعتذار الذي قدمته القناة ؟ نعتقد أنه ليس سوى موقف الدفاع عن النفس ودرءا للإجراءات القانونية التي تترتب عن المجزرة التي ارتكبتها القناة بعكس اسمه إزاء كتاب الله العزيز.
وإذا أرادت أن تكفر عن خطيئتها فلتدعو لمناظرة ومحاورة حرة بين عكس وأضرابه وهم كثير اسمه وأساتذة متخصصين في علوم الشريعة، وتدار بأسلوب إعلامي رصين بعيدا عن التهريج والمهرجين الذين يترقبون رضى الجهات العالمية المتربصة بالإسلام ومده العقائدي والديني الكبيرين رغم مكائد اصطناع الجماعات المتطرفة لتكون أفضل أسلوب تخوف به العالم من عاقبة تمدد هذا الدين.
والله يقول الحق وهو يهدي لأقوم سبيل