الباحــث نجيب بن لمبارك صاحــب الـموسوعــات العلميــة الخاصــة بالولايات الجزائريــة في حــوار مع جـريدة البصائر:
"كان لجمعية العلماء الدور البارز في مساندة مهاجرينا من المسح والمسخ" • "علينـــا أن نكـــون حـذريــن جــدا مــن الأرشيــف الفرنســي الـمسمــوم"
![](https://cdn.elbassair.dz/wp-content/uploads/2022/03/273732511_373758977908653_2727297122473734894_n.jpg)
حاورته: فاطمة طاهي/
أشار الباحث في التاريخ، الأستاذ نجيب بن لمبارك، إلى مشروعه “الموسوعات العلمية الخاص بتعريف ولايات الجزائر من حيث الرمز الرسمي والبريدي والموقع الجغرافي والتنظيم الإداري ومن عدد الدوائر والبلديات المكونة لها، ومن حيث أعلامها وشخصياتها الثقافية والعلمية والإصلاحية والثورية والنضالية، ومعالمها العمرانية التاريخية والحضارية، هذا وحدثنا الباحث عن بحثه العلمي عن طلبة جمعية العلماء المسلمين ومعهد عبد الحميد ابن باديس، مشيرا إلى الدور الديني والتربوي والتهذيبي والنضالي للجمعية قبل وإبان الثورة التحريرية، قائلا في هذا السياق: “إن الشيخين محمد البشير الابراهيمي، والفضيل الورثيلاني كانا أول من أعلنا تأييدهما للثَّورة بإصدار البيان التَّاريخي بالقاهرة يوم 02 نوفمبر 1954م”، مضيفا أن طلبة معهد عبد الحميد بن باديس، وبإيعاز من شيوخهم التحقوا بالثورة التحريرية قبل 19 ماي 1956م، وأنه بعد الاستقلال كان جلُّ الأساتذة وإطارات الجيش الوطني الشعبي من طلبة وتلامذة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، من جهة أخرى توقف الأستاذ نجيب بن لمبارك في حواره مع جريدة البصائر عند العديد من النقاط المتعلقة بحياتنا التاريخية والثقافية. |
بداية أستاذ نجيب بن لمبارك لو تقدم للقراء نبذة عن شخصكم الكريم؟
– الأستاذ نجيب بن لمبارك من مواليد 01 أوت 1954م بولاية باتنة، وبعدما استكملت مساري التعليمي في الأطوار الثلاثة التحقت بجامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا (باب الزوار) واخترت شعبة الفيزياء، وتحصلت على شهادتها للتخرج سنة 1980م، بعدها التحقت بسلك التدريس.
وبعد حصولي على التقاعد، تفرغت للبحث والكتابة، مع خبير لدى المجلس الأعلى للُّغة العربية، وعضو اللَّجنة العلمية بمشروعي (المعجم الطوپونيمي الجزائري) و(المعجم الثَّقافي الجزائري).
وماذا عن مؤلفاتكم أستاذ؟
-المؤلفات العلمية : ذخائر حاضرة تلمسان، تحفة البصائر في ذخائر تاريخ مدينة الجزائر، التحفة الثمينة في حاضرتي بسكرة وقسنطينة، الرئيس أحمد بن بلة سيرة كرونولوجية، الرئيس هواري بومدين سيرة كرونولوجية، دار الوطن، الجزائر، الرئيس الشاذلي بن جديد سيرة كرونولوجية، دار الوطن اليوم، الرئيس محمد بوضياف سيرة كرونولوجية، الرئيس علي كافي سيرة كرونولوجية، الرئيس اليامين زروال سيرة كرونولوجية، الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيرة كرونولوجية.
وكتبت العديد من المقالات المنشورة في المجلات والجرائد منها: من شهداء ثورتنا التحريرية الشهيد عيسات إيدير، الخارجون عن القانون وقد نُشرا في مجلة أول نوفمبر، الجزائر، اللسان المركزي للمنظمة الوطنية للمجاهدين.
وأيضا مقال بعنوان: مدرسة الفلاح التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بإينوغيسن، تأسيسها ونشاطها (ديسمبر 1934م-جوان 1955م)، حيث نُشر في أسبوعية البصائر، لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
وآخر بعنوان: مصمم دار الحديث بتلمسان عبد الرحمن بوشامة أول مهندس معماري جزائري (1906م/1984م)، نُشر أيضا في جريدة البصائر.
ما الذي دفع بكم إلى البحث في تاريخ الجزائر وأنتم متخصصون في الفيزياء والعلوم النظرية؟
– إنها العلوم الانسانية بلمسة العلوم العقلية. بدأت الفكرة مع الموسوعات، حيث استغربت أن بلدا كالجزائر وبعد مضي أكثر من نصف قرن على استقلالها لم تنجز موسوعتها. تألمت لذلك وفكرت في طريقة لتجسيد هذا الحلم؛ واهتديت لإنجاز عمل يبدأ باللَّبنة الأولى للدولة وهي الولاية. علما أن العمل الذي أقوم به هو متعدد الابعاد (ثقافي-سياحي-تاريخي …) ولجذب الشباب لقراءتها، ولجت لجُلَّ المواضيع التي يهواها؛ فيكتشف بذلك الكنوز التي تزخر بها البلاد في كل المجالات، فيكون الإعجاب الذي يتحوَّل للافتخار.
لكم مشروع «الموسوعات العلمية» الخاص بالولايات الجزائرية، حدثنا عن هذا المشروع؟ وما الهدف منه؟ وما سر اهتمامكم به؟
-الدافع لولوج هذا المضمار الواسع، والذي أجد نفسي وحيدا وطنيا ضمنه، بالرغم من المتعة التي تغمرني في كتابتي له – دافعي إليه يكمن في تعريف المواطن عامة والشباب خاصة بما يزخر به هذا الوطن من ذخائر قلَّما وجدت عند غيره من الأوطان. فأمام غياب هذا النوع من المؤلفات في الساحة الثقافية الوطنية، والتي عبرها يكتشف القارئ هذه الكنوز، ويتسنى للشاب خاصة والمواطن عامة معرفة ما تزخر به الولاية خاصة والوطن عامة، فيوقظ فيهم حب هذا الوطن، والاعتزاز به، فيثير فيهم شوقا إلى معرفته وزيارة مختلف أرجائه فيتمكن من اكتشافه شبرا، شبرا فيتعلق به، ليصبح حبا، ويرتقي هذا الحب للافتخار فتزداد بذلك الوطنية فيكون التفاف الجميع بدل الفرار منه، فيروج له ليتعرف عليه العالم بأسره، لأنه بحق مفخرة، وجنة فوق الأرض حبانا الله به.
لذلك شمرت على ساعدي وولجته، بالرغم من كونه عمل مجموعة متعددة الاختصاصات. والمشروع يسير حسب منهجية واحدة، على العموم مع بعض التغييرات البسيطة لاختلاف الولايات عن بعضها البعض وهي: الجزء الأول: التعريف بالولاية، وفيه أعرف الولاية من حيث: الرمز الرسمي والبريدي، الموقع الجغرافي، التنظيم الإداري من عدد الدوائر والبلديات المكونة لها.
أعلام من الولاية في النضال والجهاد: هو عبارة عن ترجمة لأعلام وشخصيات بارزة رأت النور بالولاية أو اشتهرت بها في هذا الميدان.
تاريخ الكشافة الإسلامية بباتنة هو عبارة عن تاريخ تأسيس أفواج الكشافة الاسلامية الأولى بمدينة باتنة، وترجمة رواد قادتها. الجزء الثاني: مفكرون من الولاية ترجمة لحياة الأعلام والشخصيات البارزة في الفكر، التي رأت النور بالولاية أو أثرت في الحياة الفكرية فيها. رياضيون بارزون والفرق الرائدة: ترجمة لمسار رياضيين بارزين والفرق الرائدة: ترجمة لمسار رياضيين دوليين تقمصوا الألوان الوطنية كانت الولاية مسقط رأسهم، الرسم والنحت «أو معا»، زوايا الولاية: هي عبارات عن المنارات التي حافظت على مقومات الأمة.
معالم عمرانية: هي بناءات عريقة وعتيقة ترجع لعهود مضت يرجع عهدها لمختلف العصور ما تزال شامخة تتحدى الزمن.
الجزء الثالث: سياسيون من الولاية: ترجمة لشخصيات من وزراء ورؤساء حكومة الدولة الجزائرية.
فنانون: ترجمة لفنانين مارسوا فن الطرب والغناء أو فن التمثيل، أو معا.
أحداث لها تاريخ: هو عبارة عن سرد للأحداث البارزة التي كانت الولاية بحدودها الحالية مسرحا لها، أو تأثرت بها عبر التاريخ.
إن الكتابة عن الولاية باعتبارها حلقة الأساس في تنظيم الدولة الجزائرية، من كل جوانبها شيء جديد في الوسط الثقافي الجزائري، حيث لم يألفه، لا الناشر ولا القارئ، ودوما الجديد غالبُا ما يصطدم في البداية بالنفي والترقُّب، قبل أن يتحوَّل للقبول إن شاء الله، وهي طبيعة كل ِّجديد.
ما هي الولايات التي اشتغلتم وتشتغلون عليها حاليا؟
-قريبا إن شاء الله العمل الموسوعي الخاص بولاية تيزي وزو، وأما العمل الخاص بولاية باتنة، فهو جاهز في انتظار من يتكفل بنشره.
حدثنا عن الشخصيات الاصلاحية التي تطرقتم إليها ضمن كتابكم (تحفة البصائر في ذخائر مدينة الجزائر)؟
-في كل مؤلف من مؤلفاتي تطرقت في باب «مفكرون من الولاية» إلى الشخصيات الثقافية والعلمية منها الشخصيات الاصلاحية التي رأت النور بتلك الولاية، وكذا عبر باب «المعالم» لمدارس الجمعية التي شيدت ضمن الولاية، مسيريها ومعلميها.
وماذا عن الشخصيات الثورية التي تحدثتم عنها؟
-في مؤلفاتي تطرقت ضمن باب «أعلام من الولاية في الجهاد والنضال» إلى الشخصيات الثورية والنضالية التي رأت النور بتلك الولاية.
هناك حديث نسمعه كثيرا بأن جمعية العلماء المسلمين لم تشارك في ثورة التحرير، وما دمتم باحثا في التاريخ، ما رأيك بهذا الرأي؟
–أولا– إن تسليط كل اللوم على مؤسسة هي قانونيا مجرد جمعية، وليست حزبًا سياسيًّا، وذلك بمطالبتها بأكثر مما يفرضه القانون، هو ظلم وإجحاف في حق الجمعية وما حقَّقته.
ثانيا– كان هدف الجمعية هو استرجاع الهوية الوطنية من دين، ولغة، وانتماء، وهو العمل الأساس لبناء المواطن الحق، ليستقبله بعدها الحزب، فيجده محضَّرًا لأي عمل سياسي.
ثالثا– إن الشيخين محمد البشير الابراهيمي، والفضيل الورثيلاني كانا أول من أعلنا تأييدهما للثَّورة بإصدار البيان التَّاريخي بالقاهرة يوم 02 نوفمبر 1954م.
رابعا– لا ننسى أن طلبة معهد عبد الحميد بن باديس، وبإيعاز من شيوخهم التحقوا بالثورة التحريرية قبل 19 ماي 1956م، وبقي هذا المعهدُّ لغاية غلقه بأمر من حاكم قسنطينة وقتها موريس بابون يوم 02 سبتمبر 1957م وتحويل المعهد لمعتقل تعذيب المجاهدين، وبعد الاستقلال، كان جلُّ الأساتذة وإطارات الجيش الوطني الشعبي من طلبة وتلامذة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
بعد استعادة السيادة الوطنية، تنازلت شخصيات الجمعية وقتها (لأن الجمعية حلت نفسها خلال الثورة) عن هذا الإرث المعماري المتمثل في المدارس ومعهد عبد الحميد بن باديس لفائدة الدولة الجزائرية الحديثة للتَّكفل بتعليم النشء، كما ضمَّت الدَّولة معلمي الجمعية والزوايا والأحزاب ضمن الوظيف العمومي لتوفير الإطارات التعليمية.
كيف كان دور جمعية العلماء المسلمين الديني والتربوي والتهذيبي أثناء الاحتلال الفرنسي؟
– لعبت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين دورا بارزا على أساس ترسيخ شعار: (الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا)، وذلك بإنشاء المدارس بهدف: محاربة البدع والخرافات، وتصحيح العقائد، ومحاربة الجهل عن طريق التربية والتعليم، وكذا المحافظة على مقومات الشخصية الجزائرية المبنية على اللغة العربية، الدين الإسلامي والانتماء الوطني.
كما كان لها دور بارز بفرنسا في مساندة مهاجرينا من المسح والمسخ، عبر تأسيس نواد ومدارس لربطهم بهويتهم الوطنية .
لكم مشروع حول طلبة جمعية العلماء المسلمين، وآخر حول معهد عبد الحميد ابن باديس، حدثنا عنهما؟
وعن الشخصيات الإصلاحية، تطرقت لمختلف رؤساء الجمعية منذ إنشائها، وكذا لمدارس الجمعية وطاقمها التسييري والتعليمي، لي مشروع في الأفق مخصص لهم بتوسع، منهم طلبة الشيخ عبد الحميد بن باديس (أكثر من 150 ترجمة)، وكذا معهد عبد الحميد بن باديس عبر ترجمة لطاقمه التربوي وطلبته، بعنوان: معهد عبد الحميد بن باديس، منارة للعلم والجهاد.
حدثنا كذلك عن دور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في المحافظة على الموروث الثقافي الإسلامي؟
– لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين فضل كبيرا في الحفاظ على مقومات الأمة الجزائرية خلال الفترة الاستعمارية، ولولا جهودها الإصلاحية، لانتصر الاستعمار في محو الشخصية الجزائرية؛ و بفضل هذه المقومات انتفض الشعب الجزائري في إشعال ثورة بجهاد المجاهدين وتضحية الشهداء وإعلاء كلمة «الله أكبر» وكل هذا من مقومات الشعب الجزائري الأصيلة.
ألا تعتقدون أن هناك غموضا أو جهلا في بعض الحقائق التاريخية لتاريخ الجزائر؟
– الحقائق التاريخية نسبية، ومع مرور الوقت تظهر جليا، لكن بالمقابل علينا أن نكون حذرين جدا من الارشيف الفرنسي المسموم الذي بعد أن سلب وخرَّب أرشيفنا الوطني، أرادت الدولة الفرنسية أن يكون المصدر الوحيد لدراسة تاريخنا الوطني وأن يقزم ثورتنا بتسليطه الضوء حول سلبيات مزعومة.
الأفلام الوثائقية والإعلام له دور كبير في حفظ الذاكرة الوطنية، خاصة للأجيال اللاحقة، اليوم كيف تقيمون المجهودات في هذا المجال؟
– نعم للوسائل السمعية البصرية دور هام في حفظ الذاكرة الوطنية من التلف والضياع، لأنها تسجل الحدث بالصوت والصورة، وكما يقول المثل: صورة خير من ألف كلمة.
هناك اهتمام كبير بالثورة التحريرية المباركة، سواء من خلال الأبحاث والدراسات أو من خلال الإعلام عكس المراحل التاريخية الأخرى التي مرت بتاريخ الجزائر، فما هو السبب في نظركم؟ لماذا أهمل المؤرخون المراحل الأخرى؟
– الاهتمام الأكبر حاليا منصب حول الثورة التحريرية المباركة لقربها منا، و لبقاء بعض صانعيها أحياء يرزقون، وكذا تسجيل وزارة المجاهدين لشهادات بعضهم، وكذا تدوين مذكرات البعض الآخر؛ عكس المراحل السابقة، التي للأسف، لا الأرشيف موجود ولا صانعوها تركوا أثرا مكتوبا، ولا الأرشيف الفرنسي يسمح بذلك لعدم مرور الزمن اللازم لفتحه.
ما هي أهم البرامج والمناهج التاريخية التي ترونها اليوم أولى بالتدريس في الجامعات والمؤسسات التربوية، وذلك من أجل حفظ الذاكرة الوطنية؟
– للمحافظة على الذاكرة الوطنية، وتوصيلها للأجيال، علينا إعادة النظر في الطرق التربوية للتدريس بتحديثها حتى يستطيع المُلقِّن والمُلقَّن أن يستفيد دون عناء.
ما هي أهم المحطات التاريخية التي ترونها ضرورية بأن تبقى راسخة في الذاكرة الشعبية؟
– تاريخ الجزائر كل لا يتجزأ، وكل الفترات تخدم بعضها باستغلال الدروس، فلولا الثورات الشعبية وأخطاؤها عبر اعتمادها الانتفاضة المحدودة جغرافيا وسكانيا، لما تفطن قادة الثورة التحريرية واعتمدوا تعميمها لكامل التراب الوطني وجعلها شعبية، المميزات التي جعلتها تنجح وتنتصر على فرنسا الاستعمارية بتواجد أكثر من مليون عسكري مدعما بأحدث الأسلحة ومساندة الحلف الأطلسي والخونة.
منذ أن وطأت أقدام المحتل ودنست هذه الأرض الطاهرة، كان الدين الإسلامي المحرك للدفاع عن حرمة الوطن ، لكن من المحطات أذكر: الانتفاضات الشعبية المتقطعة التي مست كامل التراب الوطني، لأكثر من قرن، المظاهرات الشعبية، الثورة التحريرية التي كانت استثنائية عبر التاريخ وعالميا.
والمميزات الاستثنائية للثورة الجزائرية: أنها ثورة شعبية، ثورة وطنية، مسّت ربوع التراب الجزائري، إضافة إلى كونها متعددة الجبهات: عسكرية: تكوين الجناح العسكري المتمثل في جيش التحرير الوطني-01 نوفمبر 1954م، وفنية: تكوين الفرقة الفنيَّة لجبهة التَّحرير الوطني للتَّعريف بالثَّقافة والتُّراث الجزائري –شهر مارس 1958م، ورياضية: تكوين فريق جيش التحرير الوطني، المتكون من اللاعبين الجزائريين الذين ينشطون بالبطولة التُّونسية عام 1957م ، بعدها انضم محترفون الذين ينشطون بالبطولة الفرنسية فأصبح فريق جبهة التحرير الوطني ابتداء من 15 أفريل 1958م. سياسية: إنشاء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، يوم 19 سبتمبر 1958م. إعلامية: إصدار ورقي، المقاومة الجزائرية، المجاهد –اللسان المركزي لجبهة التحرير الوطني الجزائري. سمعي عبر إنشاء محطات إذاعية بالدول الشقية، منها: تونس، المملكة المغربية، الجمهورية العربية المتحدة(مصر)، سوريا….
أما ميدان الكفاح المسلح فكان بكامل تراب الجزائر، وبعقر دار المستعمر الفرنسي، وهي بذلك الثورة الوحيدة عالميا التي نقلت الثورة المسلحة لأرض العدو.
وبإعلان الثورة، تحررت كل المستعمرات الفرنسية بإفريقيا تباعا، دون أدنى تضحية أو إطلاق رصاصة واحدة.
وفيما يخص نقل الثورة لأرض العدو فطبقا لتوجيهات لجنة التنسيق والتنفيذ C.C.E بتوسيع رقعة الثورة لتراب العدو. ففي يوم 25 أوت 1958م انتقلت الثورة الجزائرية لمرحلة جديدة، حيث ابتداء من هذا اليوم و لغاية 24 سبتمر 1958م نفذت عمليات التخريب مست مجموع التراب الفرنسي، استهدفت مراكز الشرطة ورجالاتها، وكذا الجيش والمراكز الاقتصادية المنتجة للمعدات العسكرية.
والعمليات هي كما يلي : 56 عملية تخريب، 242 هجوما ضد 181 هدفا، نتج عنها مقتل 82 شخصا، وجرح 188 آخر. حرق 21 مليون لتر من المحروقات بحرق مصفات البترول بمرسيليا.
باعتباركم مهتمين بالثقافة الجزائرية وتبحثون في هذا المجال، كيف تقيمون حياتنا الثقافية؟
-على مسؤولي الثقافة، أن يواصلوا التكفل بالمهرجانات الثقافة الكبرى، ومعرض الكتاب الدولي، وموازاة مع ذلك ترك المبادرة وتشجيع الجمعيات في هذا الميدان مع المراقبة طبعا، كما للجامعة دور أساسي عبر مخابر البحث، لكن بالنشر الدوري وليس الاستثنائي، وكذا إقامة الملتقيات الوطنية والدولية، لما لاحتكاك النخبة المثقفة من فوائد جمة، تدفع بالبحث العلمي دفعا بالاستفادة من تجارب الآخر.
يمثل المخطوط مصدرا من مصادر تراثنا الثقافي الحضاري، حدثنا عن هذه المخطوطات وعن أهمية جردها أو رقمنتها لجعلها في متناول الطلبة والباحثين؟
– المخطوط هو أحد المصادر المهمة لدراسة التاريخ الوطني، فعلى مصالح الدولة التكفل بالحفاظ على المخطوطات المتواجدة عبر الوطن بالجرد والرقمنة، ليستفيد الباحث من التصوير وليس من الأصل، وكذا التقرب من العائلات التي بقي لديها مخطوطات أن تسمح لمصالح الدولة بضمها لها مقابل وصل استلام، لأن كل هذه المخطوطات وثائق أصلية أصيلة لدراسة تاريخ الأمة.
حدثنا عن مساهمة علمائنا المسلمين في بناء الحضارة الإنسانية؟
– كان للحضارة الإسلامية الفضل الكبير في ما آلت إليه الحضارات السابقة، حيث حافظت عليها، وترجمتها للعربية للاستفادة منها، وجعلها أساسا لبناء حضارة إسلامية، والتي بدورها استفاد منها الغرب لمواصلة بناء الحضارة الإنسانية، وما يزال يستفيد منها ليومنا هذا. هكذا هو تواصل الحضارات.
كيف ترى دور الموروث الثقافي من خلال المعالم الثقافية والإسلامية في الاستثمار السياحي والاقتصادي؟
– السياحة نشاط متعدد الاختصاصات، فهو سياحة للأماكن التي كانت الثورات عبر تاريخنا مسرحا لها، مساكن ومدارس ومساجد وزوايا شخصيات مروا منها علينا تثمينها لجعلها ضمن المسارات السياحية، إضافة لإبراز المعالم السياحية، وكذا تشجيع التنقيب لإبراز اخرى تنتظر الظهور؛ والجزائر ضمن البلدان القلائل التي تزخر بالسياحة الدينية عبر مدينة سيدي عقبة مثلا، فعلينا تسيير هذه المدينة تسييرا استثنائيا وليس كباقي المدن، حتى نعطيها حقها من الاستثمار واستقطاب السياحة الدينية.
نتحدث الآن عن واقع الثقافة الإسلامية في حياتنا الأكاديمية وداخل مؤسساتنا وجامعاتنا، ما دور هذه المنابر في إبراز مكانة الجزائر في بناء الحضارة الإسلامية والإنسانية لشبابنا وللناشئة؟
– لإبراز كل عمل ثقافي، علينا تحرير كل المبادرات وتشجيعها، لأن المؤسسات العلمية والجامعية وحدها مربوطة برابط القانون والبيروقراطية التي تجعل سيرها وتسييرها بطيئا جدا، عكس المبادرات الخاصة، ومبادرات الجمعيات؛ إنجاح النشاط الثقافي بأبعاده علينا بتشييع وتشجيعه.
اليوم نعيش ثورة الكترونية رهيبة، هل فكرتم في إدراج الثقافة الوطنية في مختلف الوسائط الجديدة لمرافقة الشباب الجزائري عبر هذه الوسائط الجديدة؟
– أنا اليوم أشغل وقتي كله للبحث والكتابة لإنجاز اكبر قدر من التغطيات للولايات الجزائرية، ومن له رغبة في هذا الولوج الجديد عبر الوسائط فمرحبا به.
ما هي أبرز المشاريع والقضايا التي تشتغلون عليها حاليا؟
– مواصلة كتابة الموسوعات، التي عبرها أضع الَّلبنة الأولى حتى يواصل الآخرون هذا المنجز لإكماله.
نصيحتكم، كيف نقرأ تاريخنا، ولمن نقرأ؟ وكيف يمكننا الاستفادة من تاريخنا؟
– نقرأ تاريخنا، ليس كأننا نعيشه اليوم، بل نضع أنفسنا في الزمن والمكان الذي وقعت فيه الوقائع التاريخية، وان نضع نصب أعيننا أن ابطال تاريخنا المجيد لم يدخلوا المعاهد والمدارس العليا، بل كانوا نتاج مجتمع جزائري بسيط همُّه الواحد والوحيد هو تحرير البلاد والعباد بوسائل بسيطة، لكن بإرادة وعزيمة قوية، دون النسيان أنهم بشر، والكمال لله، والعبرة بالخواتم، والمتمثل في تحقيق الهدف المعجزة في هزم أعتى دولة استعمارية ومن ورائها الحلف الاطلسي.
إن التضحيات الجسام لتحقيق استرجاع السيادة الوطنية، والمتمثلة في أكثر من مليون شهيد، وملايين المشردين، يجعل منا اليوم نستخلص الدرس من السبب الذي جعل الجزائر تستعمر، وهو ضعفها، الذي جعلها مستهدفة لاحتلالها، وضعفها حقق مآربهم. علينا اليوم أن نكون أقوياء في كل الميادين، لأن الضعيف يموت، والقوي يعيش. هكذا هي حكمة موت أو حياة الأمم.
كلمة ختامية لجريدة البصائر؟
– شكرا جزيلا لجريدة البصائر الغراء، على هذه السانحة للتعريف بشخصي المتواضع و إنتاجي الذي هو جديد على الساحة الثقافية، لكن يحتاج للدعم الذي أرحب به ترحابا كبيرا يجعلني أتفرغ للبحث والكتابة لأواصل مهمتي في التَّعريف بكنوز الوطن في كل الميادين عبر ولاياته، بهذا يتعرَّف المواطن على ما يزخر به وطنه، الذي يجهل عنه الكثير والكثير، لذا أضع بين يديه وسيلة ثقافية سياحية يلج عبرها لما يجهله، فيشُدَّه ويكون الارتباط الوثيق؛ وكما ضحَّى شباب الأمس بالنفس والنفيس لتحرير البلاد، علينا الحفاظ على هذه الأمانة الغالية التي سقيت بدماء الشُّهداء. دامت جريدة البصائر شمعة مضيئة ومرة أخرى شكرا جزيلا.