الواقـــع التربوي والأوضاع الصحّيـــة الراهنــــة

د . بوزيد شتوح/
ممّا لا شكّ فيه أنّ الواقع التربوي لهذه السنوات الأخيرة الثلاثة يشهد حالة استثنائية غير معهودة من قبلُ، وهذا في ظلّ جائحة «كورونا» التي أحدثت أثرا بالغا وتغييرا شاملا في كثير من القطاعات على مستوى العالم بأسره بما فيه بلدنا الجزائر، وأهمّ حدَث شهده الواقع التربوي هو انقطاع التلاميذ في دراستهم سواء في السنة الماضية أو في هذه السنة، وهذا الانقطاع يسبّب للعمليّة التعليمية (خصوصا المعلّم والتلميذ) تداعيات اجتماعية ونفسية ومعرفية وبيداغوجية تشكّل خللاً في منظومتنا التربوية وتزيدها تقهقرا على ما هي عليه من ضعف في التكوين وسوء في التخطيط، ممّا يجعل الجهات المختصة والخبراء التربويين أكثر حرصا وأدقّ دراسة وجدّية للنهوض بهذه المنظومة الهامّة في تجسيد البُعد الحضاري والذي يقوم أساسًا على عاتق النُّخبة من المجتمع في شتّى المجالات، ولا يكون ذلك إلاّ بالسعي نحو رفع الجودة من التعليم والاهتمام بالنوعية في التكوين، ولتحقيق هذه الأهداف السامية وبلوغ مراميها مقارنة بالواقع التربوي الذي تشهده المنظومة من جهة والأوضاع الصحية الراهنة أقترح بعضا من الحلول والمخرَجات من شأنها أن تساهم – ولو بالنّزر اليسير – في ذلك فيما يلي:
1/ إعادة النّظر في مضامين المناهج التعليمية لجميع الأطوار للخروج من الجانب الكمّي الذي يكرّس التكديس غير الـــمُمنهَج، والتركيز على الدراسة النسقية الممنهجة التي تساهم في البناء المعرفي للكفاءات وتهدف إلى تحقيق النوعية، ولا يتأتى ذلك إلا بتخصيص لجان تربويين ذوي خبرة ميدانية عالية وطنيا وإقليميا ودوليا؛ ليسهروا على صياغتها وبرمجتها بطريقة مضبوطة يراعى فيها خصائص الفئات العُمرية الـمستهدفة عبر مختلف مجالاتها.
2/ السعي نحو عصرنة العملية التعليمية، وذلك بإيجاد بدائل تكنولوجية وطرائق علمية حديثة من شأنها أن تواكب متطلبات الواقع العالمي من جهة، وتكون حلاّ ناجعا لأي طارئ يباغت استقرار الوضع التعليمي السائد من جهة أخرى، كما تكرّس هذه البدائل روح التعاون والمتابعة بين الـمعلّم والأسرة في تكوين التلميذ دون أيّ انقطاع، ولا يتمّ ذلك إلا بوجود مجتمع يحمل ثقافة تكنولوجية إيجابية تكرّس الاستعمال الأمثل والفهم العميق لأبعادها.
3/ فتح المجال أمام الخبراء والأساتذة الباحثين في المجال التربوي والاستفادة من بحوثهم وتجاربـهم الـميدانية وإشراكهم في النهوض بالـمنظومة التربوية؛ لأن الواقع التربوي يركّز فقط على توفير الوسائل المادّية من بناء الـمدارس وتوفير القاعات والطاولات والأدوات والوسائل الإدارية…الخ وإن كان ضروريا، إلاّ أنه لوحده غير مُجدٍ في تحقيق الأهداف المذكورة آنفا، بل وجب الاهتمام أكثر بالـمضمون وهو: تكوين المعلّمين والمتعلّمين نفسيّا وروحيّا واجتماعيا وفكريّا ومعرفيا على المدى البعيد للخروج من النمطية القاتلة للمنظومة برُمّتها والمتمثلة أساسًا في عملية التخزين المعرفي لغرض التفريغ في الامتحان وتصيّد العلامات.
4/ تكثيف عمليات التوعية بشأن خطورة هذا الوباء والتقيّد بالضوابط الوقائية المعروفة سواء من جهة المعلّم أو من جهة الأسرة، وهذا لضمان الأمن الصحّي في الوسط التربوي حتى يسير بطريقة مستقرّة.
هذه بعض النقاط المقترحة – في عُجالة – يمكن أن نساهم بها في إيجاد الطريق الأصوب والسبيل الأمثل لتحسين منظومتنا التربوية والرّفع من مستواها بهدف استثمار هذا كلِّه في إخراج طاقة بشرية ونُخبةٍ نوعية قادرة على تحمّل مسؤولية البلد وتطويره مستقبلا.