صلوات القدس السجين في رحاب الإسراء المبين
أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
وتتعالى إلى عنان سماء الأقصى الحزين، صلوات المرابطات والمرابطين، في ذكرى معجزة المعراج والإسراء بخاتم النبيين.
إنها ابتهالات تنبض بروح المقاومة والكفاح، على الرغم من صدورها عن أجسام مثخنة بالجراح، يقودها المجاهد الرمز الشيخ رائد صلاح، وتمتد من رحاب الأقصى إلى جيوب المقاومة في حي الشيخ جراح.
يحدث كل هذا، في زمن التغني بالتطبيع الفضيع، مع الاستفزاز الصهيوني الشنيع، الذي يهدف إلى دفن القضية واستئصال الهوية، والتمادي في التنكيل بالأحرار والأسرى داخل زنازين السجون والأقبية.
فهل يصحو ضمير قادة الأمة العربية من التخدير، وتجاوز المحنة والرزية؟ إن الأمة العربية مدعوة، اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى المزيد من العزم والحزم، من أجل إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام، والقيام بكل أنواع المقاومة والاعتصام، وتقديم كل الدعم، للمارد الفلسطيني المقاوم الهمام.
سوف تظل سيادتنا منقوصة، طالما في القدس بيت يهدم، وفي الأقصى مستوطن يتبجح ويتقدم، وفي غزة، شعب يُظلم، وفي نابلس، حق يُعتّم، أو قمع يعمّم.
إن أخطر مراحل الكفاح الفلسطيني هو ما تعيشه القضية الفلسطينية اليوم، خصوصا بعد تجارب التسوية الفاشلة، بدءا باتفاقيات مدريد وأوسلو، ووصولا إلى المفاوضات العبثية من أجل حل الدولتين.
ففي سواد الظلمة التي تغطي سماء فلسطين والأمة العربية، تبقى الأنظار موجهة نحو الجزائر، حيث شعاع الأمل يتجلى في امكانية لقاء الفصائل الفلسطينية التي هي أول من يكتوي بنار جمر العدو الصهيوني الذي لم يتورع عن ارتكاب كل أنواع الجرائم الوحشية..
فهل يكون ما يعانيه الأسرى، والمقاومون، وكل أبناء غزة، والقدس، هو النذير الذي يوقظ ضمائر الفصائل الفلسطينية؟
كما أن بعض الأمل معلق على مؤتمر القمة العربية المزمع عقده في الجزائر، فهل سيكون بلد الشهداء، ملهما للرؤساء كي يتوبوا من جرم التطبيع، ويبرؤوا إلى الله من كل محاولات التضييع، والتمييع، والتقطيع؟
إننا بالرغم من كل السحب الدكناء التي تحجب الشمس والقمر عن سماء أرضنا العربية، نظل متفائلين، بامكانية النهوض بعد الكبوة والسقوط؛ فليس العيب أن نسقط، ولكن كل العيب أن نبقى ساقطين.
فلا نعتقد باستحالة الوثبة والنهوض من جديد، طالما فينا عرق يرفض، ومعتقد ينبض، ومقاوم فلسطيني يركض.
فبعض هذه المعاني التي نعرضها على العقل العربي، والضمير المسلم، هي ما يحيي فينا بعض الأمل، ونحن نعيش أسبوع القدس في كل أنحاء عالمنا العربي والإسلامي.
يجب أن نستخلص من دروس الإسراء والمعراج، السمو نحو القداسة، والعلو عن التدنيس والنجاسة. ففي معجزة الإسراء والمعراج تخليد لإسلامية القدس، كقبلة أولى للمسلمين، ولعروبة فلسطين كحاضنة للنبيين.
إن القدس في حاجة إلى المال، ونحن والحمد لله فينا أغنياء، فلماذا نبخل به على الجائعين، والمعوزين؟
وإن القدس، وغزة، وكل فلسطين تحتاج إلى الدعم اللوجستيكي لتعزيز المقاومة وإسقاط التخاذل والمساومة، ونحن والحمد لله نملك كل وسائل الدعم المادي والمعنوي فلماذا نبخل به على المقاومين؟
وإن القدس، في أشد الحاجة إلى وحدة الصف الفلسطيني، وإزالة الضبابية التي تحجب الرؤية الصحيحة للحل الأسلم..
هي –إذن- مجموعة من المتطلبات، ينشدها القدس خصوصا وفلسطين عموما، لاستعادة الوطن السليب، وإعادة الحق الغريب، والقضاء على كل خناس مريب.
فلا يخدعنكم -يا اخوتي- تغوّل العدو الصهيوني فهو نمر من ورق، وكيان يعاني التوتر والقلق، ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾ [سورة الحشر، الآية 14].
أما الحق الفلسطيني، فتسنده الحجة، ويعززه المنطق، ويضطلع به المكتوي بنار القمع، وتهديد الجمع، ومحاولة تمزيق الصدع.
لهذه المعطيات كلها، نتوق إلى أن تكون العوامل الإيجابية المحيطة بنا، كإحياء ذكرى الإسراء والمعراج، ومحاولة جمع الفصائل الفلسطينية، ومساعي عقد القمة العربية، وصمود أهلنا في القدس وغزة ونابلس، إن هذه العوامل الإيجابية ، كفيلة بتغيير الوضع من السلب إلى الإيجاب وتوعية الجميع حكاما ومحكومين، إلى فتح صفحة جديدة، هي صفحة السعي والوعي، والمقاومة والمداومة، على أنقاض الدعوة إلى اللامبالاة، والتضحية بالهوية والذات.
وكما يقول أحمد مطر:
يا شرفاءهذه الأرض لنا
الزّرع فوقها لنا
والنفط تحتها لنا
وكل ما فيها بماضيها وآتيها لنا
فما لنا
في البرد لا نلبس إلا عُرْينا؟
وما لنا
في الجوع لا نأكل إلا جوعنا؟
وما لنا
نغرق وسط القار في هذى الآبار
لكي نصوغ فقرنا
دفئا، وزادا، وغنى
من أجل أولاد الزّنى؟
إنها إذن، المعادلة الحضارية الكبرى، التي إن فشلنا في فكها، فذلك هو القضاء علينا، وذلك هو الممات الذي لا قيامة بعده، ونعوذ بالله من السلب بعد العطاء.