مـعامـــل العقــــــول

أد. مولود عويمر/
يجد القارئ في هذه السلسلة نصوصا قديمة متجددة حررها العلماء والأدباء الجزائريون حول قضايا عصرهم واهتماماتهم العلمية والأدبية والفكرية والسياسية الوطنية والعالمية. وحوت هذه النصوص المرجعية للفكر الجزائري المعاصر معينا غزيرا يغرف منه الباحثون المشتغلون على تاريخ الجزائر في القرن العشرين والدارسون لذخائر تراثنا. وألتزم هنا قدر الامكان بنشر الآثار المغمورة أو المتداولة بشكل محدود لننفض الغبار عنها ونحيي جهود أصحابها الذين لم ينصفهم دائما الباحثون لأسباب مختلفة. وأمهد في كل مرة بترجمة موجزة لصاحب النص، وبيان سياقه العام وعرض مختصر لمضمونه، وتعريف مقتضب للمصدر الذي اقتبست منه، وهي في غالب الأحيان عبارة عن جرائد ومجلات قديمة تعتبر في حد ذاتها وثائقا مغمورة أو نادرة.
المدخل إلى النص
صاحب هذا النص هو الشيخ إبراهيم بن الحاج عيسى الشهير بـأبي اليقظان (1888-1973) ولد بالقرارة (ولاية غرداية حاليا) في 5 نوفمبر 1988، حفظ القرآن الكريم بمسقط رأسه ثم درس على يد الشيخ أطفيش ببني يزقن. ثم واصل تحصيله العلمي في جامع الزيتونة بتونس حيث مزج بين الدراسة والعمل السياسي إلى جانب عبد العزيز الثعالبي وغيره من قادة الحزب الدستوري الحر التونسي. عاد إلى الجزائر في عام 1926 فواصل نشاطه مشتغلا بالصحافة التي عرف دورها في تفعيل حركة التنمية والإقلاع النهضوي، فأنشأ ثماني صحف بين عام 1926 و1938، وهي: وادي ميزاب، ميزاب، المغرب، النور، البستان، النبراس، الأمة والفرقان، متحديا بذلك كل المعوّقات القانونية والضغوطات الإدارية الاستعمارية والمشكلات المالية والمادية.
ساهم في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في عام 1931 وانتخب في مكتبها الإداري كنائب لأمين المال نظرا لخبرته الواسعة في مجال التسيير والمحاسبة والأعمال التجارية فضلا عن مكانته العلمية وشهرته الصحفية. وأنشأ المطبعة العربية بمدينة الجزائر وطبع فيها كتب وجرائد وطنية فخدم بذلك الثقافة الجزائرية والتراث العربي والإسلامي. وبعد اندلاع الحرب لعالمية الثانية استقر في مسقط رأسه متفرغا للنشاط الأدبي والدعوي والعمل التربوي والاجتماعي. وقد أصيب بداء الشلل النصفي في عام 1957 لكنه لم يمنعه من الكتابة والدرس والتواصل مع غيره من العلماء في القطر الجزائري وخارجه إلى أن التحق بالرفيق الأعلى يوم 30 مارس 1973.
نشر أبو اليقظان مقاله «معامل العقول» في الصفحة الأولى من العدد 18 من جريدة «المنتقد» الصادر في 10 ربيع الثاني 1344ه الموافق لـ 29 أكتوبر 1925م،. وهذه الجريدة أسسها الشيخ عبد الحميد بن باديس في 11 ذي الحجة 1343 هـ الموافق لـ 2 جويلية 1925 بمدينة قسنطينة. وصدر منها 18 عددا فقط بسبب تعطيلها من طرف الإدارة الاستعمارية الفرنسية التي ضاقت من خطها الاصلاحي وأسلوبها النقدي ومساندتها للقضايا العادلة في العالم العربي والإسلامي وعلى رأسها كفاح الأمير عبد الكريم الخطابي في الريف المغربي ضد المستعمِريْن الفرنسي والاسباني.
كان أبو اليقظان يقصد بمعامل العقول أسس النهضة في أي مجتمع، وهي تتمثل في نظره في العوامل التالية: المدارس، النوادي الأدبية، المجامع العلمية، المكتبات، الجرائد، الرحلة والسفر. وكان الشيخ أبو اليقظان متفائلا في سير الجزائر نحو النهضة بعدما ظهرت بعض هذه المعامل على أرض الواقع، ومنها صدور جريدة «المنتقد» للشيخ ابن باديس وجريدة «الجزائر» للشيخ محمد السعيد الزاهري، واعتبر ذلك خطوة كبيرة في طريق النهضة الأدبية والفكرية العربية في الجزائر، ودعا إلى دعم هذه المبادرات بكل الوسائل المتاحة آنذاك غير أن سلطة الاحتلال كانت بالمرصاد لكل العاملين المخلصين فعطلت جريدة «المنتقد» ولم يظهر بعد هذا المقال المتفائل عدد آخر، كما أوقفت جريدة «الجزائر» التي لم يصدر منها إلا عددان أو ثلاثة فقط.
معامل العقول للشيخ أبي اليقظان:
«كما أن لمواهب الأرض معامل تحملها إلى مرافق الحياة ووسائل الراحة لبني الإنسان فكذلك للعقول معامل تهذبها وتجعلها آلة لإصلاح البلاد وإعزاز العباد وهي عديدة على ما ترى.
أولا: المدارس فهي المعمل الكفيل لصنع العقول وتربيتها وتنميتها والمصنع الوحيد لإبراز النبوغ من ينابيعه واستخراج المواهب من مكامنها والمغرس الخصيب لغرس العلم والعرفان.
فعلى حسب وجود هذا المعمل وعدمه وكثرتها وقلتها والاعتناء بها وإهمالها تكون درجة الرقي أو الانحطاط ومبلغ السعادة أو الشقاء.
ثانيا: النوادي الأدبية فإنها منبر يتجاوب فيه الخطباء والشعراء بإلقاء المحاضرات والمسامرات والقصائد في مواضيع مختلفة لتثقيف العقول وتنوير الأفكار وتطهير النفوس وتهذيب الأخلاق تنضج بها معلومات الفائزين وتستكمل بها معارف الراسبين فيتلاحقون في ميدان العلوم ويتسابقون في مضمار العرفان.
ثالثا: المجامع العلمية فهي میدان فسيح يتبارى فيه فرسان العلماء لاستثمار علومهم وتتنافس فيه العقول لإبراز ثمرات وإظهار نتائج أبحاثها من فك المعضلات وإيضاح المشكلات واستكناه أغوار الحقائق واستخراج مخبئات الكون وأسرار الطبيعة إلى غير ذلك من بدائع الاكتشاف وغرائب الاختراع فتنفخ بذلك في الأمة روح جديدة في كافة فروع الحياة مادية كانت أو معنوية.
رابعا: المكاتب العمومية المشتملة على نفائس الكتب فإنها جهود عقول القرون العديدة وخلاصة جهود فطاحلها ونتيجة قرائحها بل هي روضة زاهرة وجنة عالية قطوفها دانية تقرب البعيد لعشاق العلم والأدب وتذلِّل الصعاب للضعيف والقوي وتسهِّل المنال للفقير والغني وتكفيهم مؤونة شاقة طالما تحمَّلها من لم يظفر بأمثالها.
خامسا: الجرائد والمجلات العفيفة السيرة النزيهة المقصد فإنها مدرسة للخاص والعام القريب منها والبعيد ومعرض عقول الأمم وأفكارها وترجمانها الفصيح المعرب عن ضميرها. تلبس كل يوم لبوسه وتصبغ كل وقت لونه تتنزل من سماء كُتابها على القُراء نجوما وأقساطا حسب التطوّرات العالمية وضروريات الأمم وحاجيات الشعوب. تطلِّع الكاتب على أحوال العالم وحركاته وتقلباته وهو في مكتبه والعالم وهو في معهده والتاجر وهو في دكانه والفلاح وهو في بستانه فيستفيد كل منها ما ينير أمامه السبيل تنفخ فيهم روحا جديدة فتجعلهم دائما أبناء يومهم يستعدون لكل حادث ويأخذون الحيطة لكل طارئ.
سادسا: مطالعة سِفْر الكون بالسَّفَر والجوْلان في بلاد الله فإنّض في مشاهدة أحوال الأم على اختلاف أجناسها وأديانها وأخلاقها وأذواقها ولغاتها والموازنة بين هذه وتلك في جميع مظاهر الحياة لآيات لأولي الألباب.
تلك والله هي معامل العقول ومطابخ الأفكار، فهل يوجد ببلادنا شيء صحيح من هذا؟؟
هنا أقف وأحشائي تلتهب نارا حيث لا مدارس نظامية تعود منفعتها على البلاد وأبناء البلاد ولا مجامع فيها تبرز ما كمن بأدمغتنا من النبوغ ولا نوادي لمباراة الأدباء ولا مكاتب مفيدة عامة ولا ولا.
نحن لم تعوزنا في الواقع مادة العقل الخام فهي موجودة عندنا كما هي موجودة عند الأمم الراقية بل هي عندنا بفضل نور الإسلام، أصفى وبصيرتنا أسنی وفطرتنا أذکی ونفوسنا أزکی، وإنما تعوزنا تلك المعامل لاستخراجها واستخدامها فيما خُلقت لأجله.
لئن أمكننا أن نستودع من المصانع الأجنبية ما تصدره من النتائج المادية التي تستجلب مواردها من بلادنا العزيزة فلن يمكننا بحال أن نستورد من مصانع عقولهم شيئا من ذلك.
فلا محيد لنا إذًا من أحد أمريْن: إما تشييد معامل لعقولنا فنبرز بها ما كمن بنا من المواهب والمزايا، وإما أن نخمد تلك المادة التي ما ميّز الله الإنسان عن الحيوان إلا بها فنعيش نحن والحيوان في مستوى واحد تسومنا الخسف معا تلك الأمم التي بدلت كل ما لديها من الجهود لتشييد تلك المعامل لاستخراج تلك المواهب.
إنَّ كرامتنا القومية وعزتنا الإسلامية ووطنيتنا الصادقة لا تسمح ولن تسمح لنا بعد توالي العظات والعبر أن نعيش والحيوان سواء بل مجدنا التاريخي وعظمتنا الملية يقضيان علينا أن نعيش معيشة الإنسان تحت أشعة الشمس المضيئة وبين ذرات الهواء الطلق !!!
فلنتفاءل خيرا لمستقبل الجزائر ولنستبشر بيقظتها من سُباتها العميق ونهوض شبيبتها فقد لاح لنا فجر حياتها عندما بدأت تضع الحجر الأساسي لبعض تلك المعامل فأسست نوادي أدبية وأبرزت صحفا حرة وفي مقدمتها تلك الجريدة النزيهة والغرض البريئة القلم، النبيلة القصد، السامية المرمى، الثابتة المبدأ، العالية النفس، الصادقة اللهجة، الشرقية الصبغة، الصحيحة التحرير. ألا وهي «المنتقد» الغراء التي تقوم بتحريرها نخبة من الشبيبة الجزائرية الناهضة.
والتي تعزز جانبها بجريدة «الجزائر» الغراء. وسيتعزز إن شاء الله بجريدة «صدی الصحراء» فهنيء بها البلاد ونرجو لها من الله التوفيق والسّداد، ونحث كافة الوطنيين المخلصين ولا سيما إخواني المزابيين على معاضدتها وإمدادها بكل ما لديهم من الوسائل.
فإنها لكم إخواني اللسان البليغ المعرب عن مقاصدكم والمحامي البارع عن مصالحكم، إنَّ لسان حالتكم الراهنة الاجتماعية منها والسياسية والاقتصادية يدعوکم بصوت رخيم فلبوا نداءه ومواقفكم المشهودة في سائر المشاريع الخيرية تحرِّك شهامتكم وتثیر مکمن مروءتكم فأحسنوا إليها الإصغاء فحي الله فيكم وفي أمثالكم الكرم والفضيلة».
أشكر كم استاذ على هذا الموضوع الذي يضع اليد على الجرح الغائر،
كما أشرتم في مقالكم ،نحن تمتلك ،والحمد لله، المادة المادية الخامة الراقية على خلالها
مادة العقل كما معلم لها مراحل زمنية تنشط فيها لتبدع وتنير
اذا فات هذا الزمن شاخت ودخلت في مرحلة حتى لا يعلم من بعد علم شيئا
اذن نحن في بلادنا نعاني مصانع العقل
مصانع لانتاج العقل
لكن للأسف
معانا العقل قديمة وتاكلت اجنحتها ولم يعد يدخلها إلا من هم بحاجة الى معانا
عطل دور تلمساجد، فلم تعد إلا لجمع الصدقات والزكاة ، والتنافس في تزيينا والتباهي في كبر مساحاتها
وكما معلم أن المستجدة لم تعد لهذا سبب
اما المدارس فمناهجها جوفااء لا تسكن ولا تغني من جوع
غياااب شبه كلي المعارض الفكرية وخاصة معرض الكتب.