شبابنا وتأخر الزواج … العرف والشرع … رؤية للمناقشة
أ. لخضر لقدي/
الزواج فطرة إنسانية جبل عليها كل مخلوق بها يشبع حاجاته النفسية والجسدية والاجتماعية، ويحقق ويوفر الهدوء والاستقرار، والزواج لابد منه ولا مفر وهو قرار خطير واختيار صعب وهو في النهاية قسمة ونصيب.
ولأسباب كثيرة تأخر سن الزواج فانتشرت العلاقات خارج هذه المؤسسة، وانتشار مظاهر التحرش ونسب جرائم الاغتصاب، وهو ما يهدد كيان الأسرة كنواة أساسية في المجتمعات السليمة.
وقد تساهل الفتيان والفتيات في العلاقات فيما بينهم أثناء الخطبة وبعد العقد وقبل الدخول، وهي فترة جعلها الكثير طويلة تمتد شهورا أو سنوات وهنا يحدث تجاوز لحدود الشرع والعرف.
والخِطْبة ليست عقدا شرعيا بل هي مجرد وعد وقد أجازت الشريعة النظر للمخطوبة والحديث معها مع مراعاة ضوابط الشرع من التزام باللباس وتجنب الخلوة والخضوع بالقول، ومنعت مس المخطوبة أو الخلوة بها، أو لقاءها بانفراد أو الذهاب معا إلى الأماكن العامة لأن الخطيبين أجنبيين عن بعضهما في حكم الشرع وحدود العرف، وما يزالان أجنبيان عن بعضهما شرعا ولأنه لا يؤمن من الخلوة الوقوع في المحظور، فيؤثر ذلك على سمعة المخطوبة عند العدول عن الخطبة.
وإذا تمت الموافقة والمواءمة بين الخاطبين انتقلا إلى المرحلة الموالية وهي عقد النكاح، وقد رتب الشرع أحكاما خاصة في الفترة بين العقد الشرعي المستوفي أركانه وبين الدخول، كما التزم أجدادنا العرف بتأجيل العلاقة بين العاقدين إلى حين الدخول ومراسيم الزفاف وقرع الدفوف.
والذي درج عليه المسلمون في بلادنا وفي غيرها أن الاستمتاع بالزوجة لا يكون إلا بعد الـدخول بالزوجة وحفل الزفاف.
فإذ استعجل الزوجان الاستمتاع فليقيما حفلا خفيفا وليعلنا الدخول، فيحل لهما الاستمتاع والمعاشرة الزوجية.
والمتعارف عليه أن المعقود عليها تظل بكرا إلى يوم زفافها، والشرع يردنا إلى ما تعارف الناس عليه، وقد تعارف الناس أن البنت قبل الزفاف ما تزال بنت فلان ولا يقال عنها زوجة فلان إلا بعد الدخول.
والاستمتاع بالمعقود عليها قبل الدخول أمرٌ غير محمود للمرأة ويؤثر على زواجها مرة أخرى في حال طلاقها أو وفاة زوجها، فلذلك كان للولي أن يحتاط لنفسه وابنته فيمنع من الاستمتاع بابنته قبل حفل الزفاف، ويستأنس لهذا بقوله تعالي: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
وكيف يكون قد عاشرها بالمعروف وهو قد جلب لها وله ولأهلها العار والشنار، والألسنة تلوك سيرتهما.
والعرف السائد السليم يرى أن تؤجل العلاقة الجنسية إلى ليلة الزفاف تحسبا لما يترتب على ذلك من آثار قد تفاجئ الزوجين العاقدين لنكاحهما، فالمداعبة بين الزوجين-العاقدين- قد تؤدي إلى أن يفقد الزوجان السيطرة على نفسيهما.
وقد يحدث حمل دون الإعلان عن الزفاف فتعير المرأة وتمس في شرفها، وهذا مخالف لما تعارف عليه المسلمون في مجتمعاتهم منذ عصر الرسالة إلى يومنا هذا.
وقد يحدث عائق يحول دون إتمام الزواج قبل الزفاف بموت أو طلاق فيلحقها ضرر وتلحق المعرة بها وبأهلها، لهذه الأسباب ولغيرها أفتى علماؤنا بعدم جواز الاستمتاع بالمعقود عليها إلا بعد الزفاف، وبذلك جرى العرف في أغلب ديار الإسلام .
والتهاون في اعتبار هذا العرف جر ويجر ويلات ونتائج مؤسفة، والأمر لا يخص الحدود الشرعية فقط، ولكن ما يترتب على ذلك من آثار اجتماعية خطيرة قد تثير مشاكل لا يمكن السيطرة عليها.
ولا شك أن تمام السعادة في التزام الشرع واعتبار العرف.
والموضوع للنقاش.