فطـــــرة مظلومــــة في زمـــــــن الرُّعونــــــة
الشيخ نــور الدين رزيق */
يحتفل بعض الناس في اليوم الرابع عشر من شهر فيفري من كل سنة ميلادية بما يسمى عيد الحب (يوم فالنتاين. La saint Valentin) وهو اسم قسيس يعظمه النصارى ويحتفلون به، ويتهادون الورود الحمراء ويلبسون اللون الأحمر ويهنئون بعضهم، وتقوم بعض محلات الحلويات بصنع حلويات باللون الأحمر ويرسم عليها قلوب، وتعمل بعض المحلات إعلانات على بضائعها التي تخص هذا اليوم .
وهو من الأعياد المبتدعة؛ لأنه بدعة محدثة لا أصل لها في الشرع، فتدخل في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي مردود على من أحدثه.
يقول ابن القيِّم عن هذه الفطرة والتي أوجدها الله تعالى في كتابه روضة المحبين: «حركات الأفلاك والشمس والقمر والنجوم، وحركات الملائكة والحيوانات، وحركة كل متحرك.. إنما وجدت بسبب الحب»! وبهذا الحب تسهل التضحية والعمل للوصول للهدف المنشود مهما كان.
يقول الطنطاوي رحمه الله: «ما في الحب شيء ولا على المحبّين من سبيل، إنّما السبيل على من ينسى في الحبّ دينه أو يضيّع خلقه، أو يشتري بلذّة لحظة في الدنيا عذاب ألف سنة في جهنّم..» بل الإسلام أقر هذا الحب ولكن في إطاره الطبيعي وهو الزواج.
ولكي نتعرف أكثر على هذه القضية هيا بنا لنسافر عبر الزمان إلى أفضل زمان عرفه التاريخ وهو زمن النبي صل الله عليه وسلم، روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عباس رضي اللّه عنه قال: كان «مغيث» عَبْدًا مملوكا متزوجا من أمة مملوكة تدعى «بريرة» وكان يحبها جدا وفى ذات يوم أعتقت «بريرة». والأمة العبدة المملوكة إذا اعتقت فهي بالخيار إن شاءت أبقت على زوجها أو فسخت النكاح و«بريرة» قد اختارت نفسها وفسخت النكاح، وكان مغيث مولعا بحبها حتى أنه كان يتبعها في سكك المدينة ويطوف خلفها ويبكي بكاء شديدا والدموع تسيل على لحيته ليرضيها لتبقى معه، ولكن لم يتغير قرار «بريرة» بمفارقة «مغيث» وكان هذا منظرا عجيبا تعجب منه النبي صل الله عليه وسلم، وقال لعمه: يَا عَبَّاسُ، أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبريرة: «لَوْ رَاجَعْتِهِ!! (يتشفع النبى صل الله عليه وسلم لمغيث عند بريرة) قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ).
لم يعدّ النبي _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فعل مغيث (كان يطوف خلفها يبكي فى المدينة) منكراً ما دام أنه لم يمسها بسوء ولا تعرض لها بأذى.
وبالطبع لا نتحدث عن شباب الفساد فى زمننا الذين اطلقوا على ما يفعلونه من انتهاك الأعراض فأفسدوا بذلك سمعة شباب آخرين.
ومن قصص الحب التي ثبت وقوعها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وصحَّ سندُها، قصة خلاصتها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل سرية عليها خالد بن الوليد (رضي الله عنه)، إلى بني جذيمة. فأسروا منهم رجالا، فادعى رجل من الأسرى أنه ليس منهم، وأنه إنما جاء إليهم لأنه كان قد عشق امرأة منهم، فجاء ليزورها فقط، وطلب من جنود خالد أن يسمحوا له بأن يحادثها، وقال لهم: دعوني أنظر إليها نظرة، ثم اصنعوا بي ما بدا لكم، فوقف على امرأة منهن طويلة أدماء (سمراء)، وهي التي كان يعشقها، واسمها حُبيشة، فقال لها: (اسلمي حبيش، بعد نفاد العيش) .
فقالت له:(وأنتَ، فحُييتَ عشرًا، وسبعًا وترًا، وثمانيَ تترا !) . ثم خاطبها بقصيدة يَتلوّعُ فيها على ما فاته من وصالها، حتى حان أجله، يقول فيها:
أرَيتُكِ لو تبّعتكم فلحقتكم بحلية أو أدركتكم بالخوانقِ
ألم يك حقا أن يُنوَّل عاشقٌ تَكلّفَ إدلاج السُّرى والودائقِ
فقالت له: نعم، فديتُك!
فعاجله أحد المسلمين، فقتله، فجاءت المرأة فوقفت عليه، فشهقت شهقة ثم ماتت.
فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل، قال: «أليس فيكم رجل رحيم؟».
راجع «سلسلة الأحاديث الصّحيحة» 2594: رواه الطبراني في «حديثه عن النسائي» (316 / 1)، وصححها الحاكم، وصححها الحافظ ابن حجر في الفتح، وحسن الهيثمي أحد أسانيدها.
ومن ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث عمرو بن العاص (رضي الله عنه)، قال: قُلْتُ للنبي صلى الله عليه وسلم: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ». قُلْتُ: مِنْ الرِّجَالِ ؟ قَالَ: أَبُوهَا.
ولا يقول عاقل بحرمة الحب فى الإسلام فالحب كما ذكرنا أمر فطري، لكن نقصد بالحب الذى لا يحتوي على محرمات، لا كما يفعله شباب اليوم والفتيات، وألصقوا بالحب ما ليس فيه من المحرمات وهو ظاهر من الأفلام والأغاني والصحف الماجنة مما يظهر الحب لهم في صورة شهوة ولذة وغير ذلك مما لا يخفي على أحد، من وضع الكادنات (قفل) على الشبابيك ورسم اسم الفتى واسم الفتاة.
وللأسف أصبح الحب اليوم وسيلة يصطاد به من شاء متى شاء، شباب يمكرون بالفتيات ويقضون على حيائهن، وفتيات يمكرن بالشباب بخدعهن إلا من رحم ربي، فاليوم كثير من النفوس الخبيثة لا يملكون إلا عقل باطل وفراغ ظالم، وقلب ماكر، شباب وقوة وغرور وفتنة.
إِذا لابد من الأرواح الصافية أن تُعِيد مصطلح الحب للنفوس الراقية المؤمنة، فالحب مصطلح راق لا ينفع مع النفوس الخبيثة بل لابد من نفس راقية تَنْبَثق منه حتى ينبع فى قلب كل إنسان معنى الحب.