حوار

الشاعر الجزائري الـمخضرم محمـد بن رقطــان … فــي حــوار معــرفــي أدبي مع البصائر

• هامش حرية الفكر والتعبيــر كان كبيــرا زمن السبيعينيـات • الصــراع الأيـديولـــوجي يمكــن أن يخــدم نهضـة الوطن عندما يكون مؤطّرا

حاوره : حسـن خليفة

الحوار مع شاعر ذي ماض ثوري ونَفس وطنـي ، شيء مختلـف، وقد آثرتُ أن يكون الحوار مع الأديب الشاعر الكاتب محمد بن رقطان، لأنه يمثـل شاهدا مهمّا وحيّا على فترة من فترات تاريخنا الجزائري الزاهية، ولأن من الواجب الاهتمام بقاماتنا الأدبية والشعرية والنقدية، وأنا في تواصل مع عدد منها (الشاعر عيسى لحيلح، الدكتور حبيب مونسي، أحمد بودشيشة،… وغيرهم كثير). وإلى الحوار

• من هو الأستاذ محــمد بن رقطان؟
– ولد محمد بن رقطان يوم 03 فيفري سنة 1948 ببلدية الشهيد أحمد بومهرة ولاية قالمة، من أبوين كريمين محافظين، ينحدر نسب الوالد من قبيلة طلحة ذات النسب العربي العدناني الذي ينتهي إلى الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله، كما هو متواتر بين أبناء هذه القبيلة خلفا عن سلف، وكما هو مدون بخط العلامة المرحوم الحاج مسعود طلعي، شيخ زاوية الشافية بالقرب من مدينة القالة، وهو أحد أعلام قبيلة طلحة التي ذكر صلحاءها، وأولياءها، وعلماءها، ونسبها العلامة أحمد بن قاسم البوني في الفصل السادس عشر من نظمه الموسوم «بالدرة المصونة في علماء وصلحاء بونة».. وذكر من حققوا وعلقوا على هذا المتن نبذة مختصرة عن كل من ورد ذكره في هذا المتن من علماء وصلحاء قبيلة طلحة الموجودة في بلدية عين بن بيضاء بولاية قالمة، وذريتها التي انتشرت في سهول عنابة. ويرجع نسب الوالدة إلى الولي الصالح سيدي عمار المختاري الموجود ضريحه وذريته في بلدية بني مزلين، وهو من الأشراف الذين قدموا من الساقية الحمراء واستقر بقرية تدعى ززوة، وعاش فيها وأنجب ودفن بها لما توفي.

ازدهرت الحركة الأدبية خلال سبعينيات القرن الماضي، وكان محور الصراع في الغالب حول النظريات والمفاهيم، والاختيارات، والمقاربات والمواقف، ولم يتجرأ على نقد السياسة والثوابت

حفظت القرآن الكريم في الكتَّـاب على يد ثلاثة معلمين، وزاولت تعليمي الابتدائي والمتوسط على الشيخ عبد الحميد بديار في مدرسة حرة، وأخذت دروسا في اللغة والأدب على الشيخ محمد بهلول أحد تلاميذ الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس.
التحقت بسلك التعليم سنة 1966 وعكفت على المطالعة، ودراسة مادتي العلوم والرياضيات، بصفة حرة على الأساتذة الشرقيين، حتى تحصلت على كل الشهادات التي أحدثتها وزارة التربية، لمعلمي التعليم الابتدائي، ورتبة أستاذ التعليم المتوسط، مارست مهمة مفتش للتعليم الابتدائي، زاولت دراستي الجامعية وتخرجت في جامعة عنابة بشهادة الليسانس في اللغة والأدب العربي.
شغلت منصب أستاذ بالتعليم الثانوي، عينت مديرا للتربية بولايات: وادي سوف، والبليدة، وعنابة، شغلت منصب مدير للثقافة بولاية قالمة.
وفي الميدان السياسي شغلت منصب مسؤول قسمة جبهة التحرير الوطني لبلدية قالمة، ومنصب عضو بمكتب محافظة قالمة، ومنصب أمين محافظة (محافظ) بولاية المدية.
عضو باتحاد الكتاب الجزائريين منذ سنة 1975.

• حدثنا عن أعمالك الأدبية وأنت شاعر وكاتب … ومتابع للساحتين الثقافية والأدبية ؟
– أ- الأعمال الأدبية المنشورة: 01- ألـحان من بلادي (شعر). 02- الأضواء الخالدة (شعر). 03- أغنيات للوطن في زمن الفجيعة (شعر). 04- زفرات البوح (شعر). 05- أعلام زاوية الناظور (تراجم ودراسة وتعليق). 06- تحقيق وتعليق لديوان: (نبراس الأوراس) للشاعر المجاهد المرحوم عيسى دهان.
ب- المخطوطات: 01- هذه أمتي(شعر). 02- بسمة الأفق (شعر). 03- إليك حبيب الله (شعر). 04- أعلام وشخصيات في ذاكرة قالمة (تراجم).
• عشت فترة الصراع الأدبي الأيديولوجي في السبعينيات ومابعدها، ماذا تتذكر من تلك الفترة الزاهية أدبيا المريرة في صراعاتها بالامتدادات المختلفة، في الجامعات، الآدارات، ومؤسسات الدولة..؟
– مرحلة السبعينيات تعد في نظري المرحلة الذهبية للجزائر، خلال حكم الرئيس الراحل هواري بومدين، فمهما اختلفت الآراء والمقاربات حول الصراع على الحكم، والطريقة التي وصل بها الرئيس هواري بومدين إلى السلطة. لقد سيّر البلاد بالشرعية الثورية..نعم، لكن لا أحد يجادل في المشاريع الصناعية الكبرى والتنمية الشاملة التي عرفتها مختلف ولايات الوطن، وديمقراطية التعليم، الرعاية الصحية، والاهتمام وشعار الأرض لمن يخدمها، وبناء القرى الفلاحية في الأرياف كل ذلك ومنجزات أخرى كثيرة، قد غطت على شرعية الحكم، وتركت باب الأمل مفتوحا على مصراعيه لأغلبية كبـرى من شرائح المجتمع؛ لأن موارد البلاد كانت توظف بصرامة في تحقيق الإقلاع الشامل لكل القطاعات، ومن ضمنها القطاع الثقافي الذي عرف في عقد السبعينيات وثبة نوعية من حيث إصدار المجلات، والجرائد، والحصص الثقافية في الإذاعة والتلفزة، والتنافس بين البلديات على تنظيم الأسابيع الثقافية والمهرجانات، وإحياء المناسبات والذكريات والمواسم والأعياد الوطنية.
• لكنّ سؤالي لك كان الصراع الفكري ـ الإيديولوجي الذي ميز تلك المرحلة …حدّثنا عن ذلك؟.
– نعم…هذا الزخــم الثقافي الكبير فتح المجال للصراع الفكري الأدبي والأيديولوجي، في كل الساحات، والقاعات، والجامعات؛ وحتى داخل مؤسسات الدولة، كان محصول هذا الصراع في صالح التحولات التي عرفتها الجزائر في تلك الفترة، ولم تكن بمعزل عما كان يجري من تفاعلات فكرية وأيديولوحية في محيطنا الخارجي الجهوي والقاري، وعلى مستوى التكتلات العالمية، ورغم كل ما قيل من مآخذ على فترة حكم الرئيس هواري بومدين، فإن هامش حرية الرأي والتعبير، كان أوسع بكثير من فترات الرؤساء الذين تعاقبوا على الحكم من بعده، فوزارة الثقافة كانت تصدر مجلتين مميزتين: «مجلة الثقافة» ذات الخط المنهجي الفكري الأكاديمي العالي، وكانت تستقطب أبرز الكتاب من كل أنحاء العالم العربي، كما اجتذبت الأساتذة الجامعيين الكبار من داخل البلاد ومن خارجها، ومجلة « آمال» كانت تعنى بأدب الشباب، وتأخذ بأيدهم، وتشجعهم. والإذاعة كان لها مجلة الأثير، ووزارة الشؤون الدينية كانت لها مجلة الأصالة (ومجلات وجرائد أخرى كالرسالة)..والتي تضاهي في حجمها وقيمتها العلمية مجلة «الأزهر» التي كان يصدرها الأزهر الشريف بمصر، والجرائد اليومية، في معظمها لـها صفحات ومنابر ثقافية أسبوعية في شكل ملحق أسبوعي أو نصف شهري، أو ملفّ خاص، ولم يكن للرقيب دور يذكر، في كل ما هو أدبي أو ثقافي، فقد كتب الطاهر وطار بعض الروايات النقدية للسياسة المنتهحة، ولم يتعرض للمساءلة أو التوقيف، وكتب العديد من الكتاب والشعراء إبداعات ضد المنهج الاشتراكي، والتوجهات السياسية للحكم، ولم يوقفوا أو تتم مقاضاتهم، باستثناءات قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر أنني كتبت رباعيات شعرية وأنا منسق قسمة جبهة التحرير الوطني، نشرتها مجلة الضاد التي كانت يصدرها معـهد الآداب ـ بجامعة قسنطينة سنة1976 فيها مقطع نقدي قاس لبعض رجالات بومدين…وأعنـي الانتهازيين الذين يتغنون بشعـارات الثورة، وهم يكفرون بها فأقول:
وأرى الذين تعودوا أن يهتفوا  بشعار يحيا كاذبين تملقوا
كفروا بيحـيا والشعارات التي   هتفوا بها بين الجموع وصفقوا
وتستروا بشعار يحي مدة  حتى  قضوا كل المصالح وارتقوا
لم يؤمنوا بالكادحين لأنهم  خانوا المبادئ والعهود وزندقوا
وهذه المقاطع الشعرية الرباعية منشورة في مجلة الضاد الجامعية سنة 1976 وبالإمكان مراجعتها، لأنني أردت ذكرها على الهامش الذي كان متاحا للفكر وللرأي الآ خر، وإن لم يرق إلى المستوى المنشود. وكانت وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية تنظم ملتقيات الفكر الإسلامي، ويشارك فيها علماء الأمة وفقهاؤها على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، ويدعى لها بعض المستشرقين والمستعربين من مختلف الدول التي توجد بها أقليات مسلمة، فيحاضرون، ويعقبون ويدلون بأفكارهم وآرائهم بكل حرية.
فـي ظل هذا المناخ ازدهرت الحركة الأدبية خلال سبعينيات القرن الماضي، وكان محور الصراع في الغالب حول النظريات والمفاهيم، والاختيارات، والمقاربات والمواقف، ولم يتجرأ على نقد السياسة والثوابت، وأستسمح القارئى الكريم أن أذكر مرة أخرى ما وقفت عليه شخصيا فيما يتعلق باللغة العربية في مدينة بجاية سنة1976.
•شـوّقتــنا …
– تلقيت دعوة للمشاركة في الأسبوع الثقافي لبلدية بجاية، فذهبت رفقة صديقي الأستاذ المرحوم مصطفى سريدي الذي كان يومئذ يشغل منصب رئيس المجلس الشعبي الولائي، وكنت أشغل منصب منسق قسمة جبهة التحرير الوطني لبلدية قالمة، وعندما وصلنا خراطة، أصيبت سيارتنا بعطب، استغرق إصلاحه عدة ساعات، وأخبرنا بلدية بجاية هاتفيا، وعندما وصلنا نزل الحماديين، بعد منتصف الليل، وجدنا رئيس المجلس الشعبي البلدي شخصيا، مازلت أتذكر اسمه الأول -يوسف- ونائبه المكلف بالثقافة، وهو مجاهد من كبار المعطوبين فقد رجله في ثورة التحرير اسمه إن لم تخن الذاكرة -أكلي- وجدناهم في انتظارنا، وكان نشاطنا الثقافي مبرمجا على الساعة 14 من اليوم الموالي، فقضينا ليلتنا، وفي الصباح جاءنا المجاهد أكلي بسيارة وسائق، ليطلعنا على مدينة بجاية ومعالمها التاريخية، فتجول بنا في الشوارع والأحياء، وكلما مررنا بشارع رئيسي فيها رأينا شعارات باللغة العربية مكتوبة بالبنط العريض تحمل شعارات سياسية جامعة، ومضامين تاريخية وحضارية سامية، ومن أجمل ما راقنا وأدهشنا، لافتة رأيناها معلقة في أكثر من شارع، كتبت عليها بخط جميل أبيات شعرية للشاعر الحسن بن الفقون القسنطيني في وصف مدينة بجاية وجمالها الخلاب الرائع في القرن الثالث عشر ميلادي يقول فيها:
دع العراق وبغداد وشامهما  فالناصرية ما إن مثلها بلد
بر وبحر وموج للعيون به  مسارح بان عنها الهم والنكد
حيث الهوى والهواء الطلق مجتمع  حيث الغنى والمنى والعيشة الرغد
يا طالبا وصفها إن كنت ذا نصف  قل جنة الخلد فيها الأهل والولد
ولما ذهبنا إلى مسرحها التحفة الجميلة، لتقديم قراءة شعرية ومداخلة، وجدناه مكتظا بجمهور نوعي، يصغي لما يلقى باهتمام، ويتفاعل بحماس، وأثناء النقاش، كان الحوار كله باللغة العربية، ولم نلمس خلال اليومين الجميلين اللذين قضيناهما في مدينة بجاية أي فرق بين ما ألفناه في قالمة، وما وجدناه ولمسناه ببجاية.
•لم نفهــم مرادك من هذا الكلام؟
– إن ظاهرة الصراع الفكري الأدبي، والأيديولوجي النضالي في ذلك الوقت كانت في مجملها ظاهرة صحية، لم تتسبب في حدوث أي شرخ في النسيج الداخلي لبنية المجتمع، بخلاف الصراع الذي ظهر في الثمانينيات، فإنه أخذ يبتعد عن أدبيات الجدل والنقاش والمدارسة، وينزلق نحو التطرف والعنف اللفظي، والذي سرعان ما تحول إلى عنف دموي مقيت في تسعينيات القرن الماضي، وتسبب في إحداث شرخ عمودي مخيف في نسيج المجتمع.
• المثقف الحقيقي هو المثقف المهموم بأمته ووطنه، وأنت أحد هؤلاء الشعراء الذين حلقوا عاليا في سماء تمجيد الأمة وقيمها وتراثها، على حين انكفأ بعض الأدباء والشعراء على ذواتهم وهمومهم الخاصة، كيف ترى ذلك؟ وهل تعتقد أن الشعر الحقيقي هو الشعر (الفن) الرسالي الذي يحمل هموم الأمة والوطن أم…؟
– إن العلاقة بين أفراد الأمة تشبه علاقة أي خلية من الخلايا بالجسم، فتكوينها وتطورها ووظيفتها وتفاعلاتها، شديدة الصلة والارتباط بنظام الجسم والوظائف الموزعة بين خلاياه، والمثقف بوصفه فردا فاعلا في الخلايا الدماغية، قد أنيطت له وظيفة التوعية والتحسيس والتوجيه والتفكير، والتنظير، ووضع الرؤى الاستشرافية التي تستلهم منها الأمة، وبحكم مكانه الحساس في خلايا الدماغ، فإنه كلما أحس بكل إيجابي تفاعلت فيه خلايا تفرز الفرح، وأرسلت إشارات تترجمها الأعضاء والملامح تسميها اللغة فرحا، وإذا أحس بكل ما هو سلبي تفاعلت فيه خلايا تفرز التوتر والانفعال وأرسلت إشارات إلى الأعضاء والملامح تسمى في اللغة ألما وغضبا، أو تمردا وثورة، ومن هذين المثالين تبدو لي علاقة المثقف العضوية بالأمة وبالوطن، معا، لأنه شديد الصلة والارتباط بهما، جسدا وروحا، وإحساسا وشعورا، وحياة وفكرا، وانطلاقا من هذا التصور للعلاقة الوجودية المصيرية الموجودة بينهما، يصعب علي استيعاب مفهوم انكفاء المثقف على ذاته وهمومه الخاصة، وقصر إبداعه عليهما، أو نظرية الفن للفن، وقد أدرك شعراء أمتنا هذا الدور الرسالي، فكانوا لسانها المعبر عن أفراحها وأتراحها، وأنسابها وأحسابها، ومآثرها وأمجادها، ومعاركها وانتصاراتها، وملاحمها وأبطالها وتطلعاتها وأحلامها، حتى قيل:(الشعر ديوان العرب)، وقد ظل المثقف الحقيقي عبر تاريخنا الطويل الزاخر، شاعرا بالدور الرسالي المقدس الذي يضطلع به أمام الله والأمة والتاريخ، ودفع الكثير من النوابغ والجهابذة والكتاب والشعراء حياتهم ثمنا لهذا الدور، وخلدهم التاريخ فسجل أسماءهم بحروف من إعجاز ونور، وكان مآل الجلادين الذين أعدموهم الخزي والعار ومستوعب القاذورات، في هذه الدنيا. وفي الآخرة يتولّاهم الله تعالى .

إن الساحة الأدبية تزخر بالمواهب والطاقات الأدبية، في الشعر والرواية والقصة، والكتابة المسرحية، وفي النقد، ومن خلال ما ينشر في الفايس بوك وبعض الجرائد الإلكترونية من نصوص أدبية وقصائد أو مقاطع شعرية

• طغت على سطح ساحتنا الأدبية والفنية، الكثير من الظواهر التي حجبت جمالية الأدب، ومنعت تذوقه، والاستمتاع به، وبالفن الأصيل عموما (الغموض-الطلسمة-الألغاز-البذاءة- إلى آخره… كشاعر مبدع ومتذوق كيف ترى ذلك؟
– إن الظواهر التي طغت في الساحة الأدبية هي إفرازات لواقع عام من الضعف والترهل والانحلال والتشرذم، والانقسام والتفكك، والارتماء في أحضان الأعداء التاريخيين، والتحالف معهم ضد الأشقاء، وربما لم يسبق لأمتنا أن مرت بواقع شبيه بالذي تمر به اليوم إلا في عهد الإمارات التي عرفتها الأندلس بعد تفكك الدولة، والصراعات المدمرة التي وقعت بين ملوك الطوائف الذين كان بعضهم يستقوي على البعض، بالأعداء قبل سقوط إمارة غرناطة سنة 1492م، فما أشبه اليوم بالبارحة.
إن ما جرى بالأمس للعرب في الأندلس نراه- ومع الأسف الشديد يتكرر اليوم- وهذا الضعف والترهل، والانحلال والتسيب والانفلات، قد عمّ ومسّ مجالات الحياة المختلفة، ومنها المجال الثقافي والأدبي، وكان للثورة التكنولوجية الرهيبة التي عرفها العالم في مجال الاتصالات، الأثر الكبير في هذا الانحلال والتفكك، وانهيار سلم القيم، والقناعات، ومحاربة المعتقدات والثوابت والخصوصيات، وما الغموض، والطلسمة، والألغاز، والإباحية، وألفاظ البذاءة، وأدب الإثارة والغرائز البهيمية، إلا عينة من زحف العولمة الجارف ..العولمة التي تشن حربا شاملة على الفضيلة والقيم، وعلى الذوق والجمال في الموروث الثقافي، وعلى كل ما هو أصيل من العادات والتقاليد الراسخة، وعلى الإسلام المستهدف بالدرجة في هذه العولمة الزاحفة عبر السماوات المفتوحة آناء الليل وأطراف النهار.
أما رؤيتي كشاعر لما ينتج من إبداع في هذا الراهن العربي المثخن بجراح التشضّي والهوان والتمزق، والانقسامات والتراجعات المتتالية، وصور البؤس والغبن والإحباط، وأنباء المآسي والفجائع، وسلسلة الانهيارات والانتكاسات المتتالية، فإن ما تم إنتاجه واطلعت عليه أو قرأت ما قيل عنه، أو سمعت به من روايات، ودواوين شعرية، ودراسات نقدية، لا يرقى إلى مستوى التحديات الخطيرة، والمسؤوليات الكبيرة الملقاة على كاهل المبدعين، بل على جميع المنتجين في حقول المعرفة بصفة عامة الأدبية والفكرية والصناعية والزراعية والتجارية، والسياسية والإعلامية، لتوعية الأمة بحجم المخاطر المحدقة بها، وتحصين الشباب بالقيم الروحية السليمة، والفكر الرائد، والأدب الراقي، والفن المعبق بشذى الطهر والذوق الرفيع، ووضع مشروع نهضة، وإقلاع حضاري شامل.
• كيف تقيم ساحتنا الأدبية عموما، والشعرية منها خصوصا،؟ هل نتقدم أم نتأخر؟ أوضح لنا ذلك من فضلك؟
– إن الساحة الأدبية تزخر بالمواهب والطاقات الأدبية، في الشعر والرواية والقصة، والكتابة المسرحية، وفي النقد، ومن خلال ما ينشر في الفايس بوك وبعض الجرائد الإلكترونية من نصوص أدبية وقصائد أو مقاطع شعرية، فإن بعض ما اطلعت عليه من إنتاج أدبي قد بلغ مستوى عاليا من حيث البناء اللغوي، والخيال والصور الفنية المدهشة، وهذه النصوص والقصائد ربما تتفوق عن نظائرها، في العديد من الدول العربية مما أطلع عليه في بعض الأحيان، فلدينا روائيون كبار، طبقت شهرتهم الآفاق، وترجمت أعمالهم إلى عدة لغات، ونالوا جوائز أدبية دولية مرموقة، ولدينا شعراء كبار يكتبون القصيدة الخليلية، والنثرية بجودة عالية وقدرة فائقة، ولدينا نقاد متمكنون لهم ثقافة عميقة، واطلاع واسع على المناهج النقدية الحديثة. وفي كل التخصصات لدينا كفاءات جامعية عالية، ولكن الذي ينقصنا هو المشروع الثقافي الحضاري الاستراتيجي، والتنظيم العلمي المحكم، والاستغلال الأمثل للكفاءات في داخل الوطن وخارجه، والاستعمال العقلاني للإمكانات المتوفرة، وإعلاء سلطان العلم، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، حسب الجدارة والاستحقاق والمعايير العلمية، والنتائج المحققة في الميدان.
• كملة أخيرة
– أشكر لكم حسن ظنكم بي، وأشكر وفاءكم لصلتنا الأدبية الفكرية الروحية، وآمل أن نلتقي في مناسبات أدبية وطنية في القادم من الأشهر إن شاء الله تعالى .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com