إيمانويل ماكرون ينقذ فرنسا من كارثة سياسية !
يعتقد كثير من المتابعين للشأن السياسي أن انتخاب السياسي الوسطي الشاب إيمانويل ماكرون رئيسا للجمهورية الفرنسية يوم السابع ماي 2017 قد أنقذ فرنسا من كارثة سياسية، كما أنقذ الاتحاد الأوربي من الموت بالسكتة القلبية، ولذلك جاء الترحيب كبيرا في الأوساط الدولية بفوز ماكرون بنسبة كبيرة من أصوات الناخبين الفرنسيين تجاوزت 66 بالمائة.
وكان من بين القادة المهنئين بهذا الفوز رئيس الجمهورية الجزائرية السيد عبد العزيز بوتفليقة الذي بعث برقية تهنئة قال فيها :”إن الزيارة التي قمتم بها حديثا إلى الجزائر، في سياق انطلاق مسيرتكم الباهرة صوب تحقيق غايتكم الوطنية السامية، أضافت إلى الرصيد المشترك بين بلدينا، موقفكم المبدئي المتميز بالإقدام السياسي والإخلاص الإنساني المنقطع النظير حيال الاستعمار وطبيعته التي لا تغتفر. إن ذلكم الموقف الرائد الذي صدر منكم، يضعكم طبيعيا وشرعيا في الموقع المرموق، موقع الفاعل المقتنع والمقنع في عملية استكمال مصالحة حقيقية بين بلدينا في إطار احترام القيم الذاتية للشعوب التي يتحول تقاربها أثناء محن المواجهة إلى صحبة على نهج الأمل لا تضاهيها صحبة”.
واعتبر وزير الخارجية السيد رمطان لعمامرة أن فوز إيمانويل ماكرون يوحي أن العلاقة الجزائرية الفرنسية مقبلة على فصل ربيع مزدهر.
ولعل من الطبيعي أن يتفاءل السياسيون في الجزائر بفوز إيمانويل ماكرون، الذي بدأ حملته الانتخابية من الجزائر، ومنها قال :”من البديهي أن أقوم بهذه الزيارة بالنظر إلى دور الجزائر في تاريخنا وفي بلادنا وفي مستقبلنا وفي مستقبل المغرب العربي، وهذه الزيارة أمر لا غنى عنه أثناء حملة انتخابية رئاسية”. وأكد الرغبة بـ”مساعدة الجزائر في تنويع اقتصادها”.
ولم يكن الكثير من الناس يتوقعون أن يقدم إيمانويل ماكرون خلال زيارته للجزائر على كسر أحد أعتى الطابوهات في ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا عندما صرح في بداية حملته الانتخابية بكل شجاعة ونبل: “إن الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي؛ إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية، إنه وحشية حقيقية وهو جزء من هذا الماضي الذي يجب أن نواجهه بتقديم الاعتذار لمن ارتكبنا بحقهم هذه الممارسات”.
وقبل يوم واحد من تصريح ماكرون حول الجزائر، لم تخف منافسته في الانتخابات الرئاسية مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان عداءها للجزائر، داعية، في تصريحات استفزازية، إلى التعامل مع الجزائر تماما كما يتعامل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع المكسيك، في إشارة إلى بناء جدار على الحدود الأمريكية- المكسيكية.
وإذا كان غالبية الفرنسيين قد اتحدوا لقطع الطريق أمام مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، وإنقاذ فرنسا من السقوط في فخ العنصرية والانعزالية، وصد موجة الشعبوية والتطرف التي كانت تتمدد على الخارطة السياسية لأوروبا بشكل مخيف، فإن مسلمي فرنسا قد تنفسوا الصعداء بعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية، وسارع الدكتور دليل بوبكر عميد المسجد الكبير في باريس، إلى إصدار بيان هنأ فيها إيمانويل ماكرون بعد انتخابه رئيسا ثامنا للجمهورية الفرنسية الخامسة.
وجاء في البيان:” إن انتخاب ماكرون يعني وجود توافق في فرنسا مع جميع المكونات الروحية والدينية للرد في وحدة على التهديدات بتقسيم للأمة، وأن مسلمي فرنسا يمكنهم العيش الآن مجتمعين حول قيم الجمهورية الإنسانية، الوطنية، الديمقراطية والعلمانية في عهد ماكرون”.
ولعل فوز إيمانويل ماكرون لن يجعل حياة المسلمين جنة في فرنسا، ولكن خسارته كانت تعني الكثير لهم، حيث إن ّمنافسته في الانتخابات مارين لوبان كانت ترى أن من أجل المحافظة على روح فرنسا يجب منع الحجاب في المؤسسات الحكومية، بالإضافة إلى وضع قيود على المطاعم التي تقدم « الطعام الحلال»، وإجبار المتاجر التي تتبع القيم الإسلامية على بيع الخمور من أجل أن تخدم كافة القيم الموجودة في المجتمع الفرنسي.
لقد حافظ إيمانويل ماكرون على خطابه المعتدل اتجاه الإسلام بشكل عام، ومسلمي فرنسا بشكل خاص، إذ صرح في شهر أكتوبر2016 قبل بداية الحملة الانتخابية، أن فرنسا ارتكبت أخطاء في بعض الأحيان باستهدافها المسلمين بشكل غير عادل مشيرا إلى أن البلد يمكن أن يكون أقل صرامة في تطبيق قواعده بشأن العلمانية.
وقال: “لا يمثل أي دين مشكلة في فرنسا في وقتنا الحالي. إذا كان ينبغي أن تكون الدولة محايدة..وهو ما يأتي في صلب العلمانية.. فعلينا واجب ترك كل شخص يمارس دينه بكرامة “.
وإذا كان ماكرون في تصريحاته قد دعم التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، لكنه أكد أن “تنظيم الدولة ليس هو الإسلام”.
ربما يكون الحظ قد لعب دوره في فسح الطريق أمام ماكرون للوصول إلى سدة الرئاسة، ليصبح بذلك أصغر رؤساء فرنسا سنا، حيث حدثت تداعيات درامية في مسار المرشح اليميني فرانسوا فيون، الذي كان يبدو الأوفر حظا ًللوصول إلى قصر الإليزيه – بعد نشر التقرير الصحافي لأسبوعية “لوكانارأنشيني” (البطة المقيدة) وقبل ثلاثة أسابيع من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية تهاوت آمال مرشح اليمين فرنسوا فيون، بعد أن وجهت له تهمة اختلاس أموال عامة في إطار التحقيق في شبهات بوظائف وهمية استفادت منها زوجته وولداه بمئات آلاف اليورو من الرواتب التي دفعت من الأموال العامة، ولكن المحللين المتبصرين يرجعون السبب الحقيقي لفوز ماكرون إلى الرسالة المتفائلة والايجابية التي قدمها للفرنسيين، فبعد أن كان الجو العام في فرنسا يتميز بالتشاؤم، نتيجة تراجع الثقة في مصداقية ونزاهة النخب السياسية التقليدية من اليمين واليسار، وصعود خطاب اليمين المتطرف القائم على الشعبوية والكراهية والعنصرية، ظهر ماكرون كنجم سياسي صاعد مليء بالفتوة والحيوية، ولم يتطرق في خطابه الانتخابي إلى ما سيفعله من أجل فرنسا بل ركز على كيف سيخلق فرصا للناس.
ولكن الفوز بالرئاسة بالنسبة لماكرون هو مجرد خطوة أولى في مسار التجديد السياسي، فمازال أمامه تحد سياسي كبير يتمثل في القدرة على توفير أغلبية في البرلمان لتطبيق برنامجه، غير أن الاستطلاعات تشير إلى استمرار ديناميكية الفوز التي جسدها الإقبال الشعبي على برنامج ماكرون، فقد أظهر استطلاع للرأي نشرته مؤسسة “هاريسإنترآكيتف”، أن حزب الرئيس الفرنسي المنتخب إيمانويل ماكرون سيحصل مع حلفائه من الوسط على أكبر نصيب من الأصوات في الانتخابات التشريعية المقرر أن تجرى في منتصف شهر جوان المقبل ..وطبقا للاستطلاع سيحصل حزب ماكرون (الجمهورية إلى الأمام) على 29 في المائة من الأصوات مقابل 20 في المائة لكل من حزب الجمهوريين المحافظ وحزب الجبهة الوطنية الذي يمثل أقصى اليمين.
عبد الحميد عبدوس