شؤون تربوية

الطّالـب الجـامعي بين جيــل الأمــــس وجيــل اليــــوم

د . بوزيد شتوح

 

تحيي الجزائر كلّ سنة مناسبة «عيد الطالب» الموافق لـــ: 19 ماي 1956 والتي سجلتها أقلام التاريخ بأحرف من ذهب، حيث برهن فيها الشعب الجزائري بكلّ أطيافه التفافَه مع قضيته المتعلقة بتحرير الوطن واستعادة الجزائر من براثن الاستعمار المستبدّ، ويظهر ذلك جليّا في انخراط طلبة الجامعات والثانويات – على وجه الخصوص – في مسيرة الكفاح المسلّح، مُضحّين بمُستقبلهم الدّراسي وتفوّقهم العلمي، ومحوّلين أقلامهم ودفاترهم ومحافظهم إلى مدافع ورشّاشات ورصاص ضد الاستعمار الغاشم، ولسان حالهم يقول: إنّ نسمات الحرّية أولى من كلّ مستوى علمي، وإنّ الوطن الجزائري أغلى من كلّ مقعد بيداغوجي في ظلّ الاحتلال..
نعم، إنها لذكرى جليلة تستحق التأمّل وتكشف عن الاعتزاز الوطني الذي كان يملأ قلوب الطلبة وجوارحَهم، وبالنّخوة الشامخة التي كانوا يتميّزون بها تُجاهه، ممّا جعلهم يتخلّون عن مسيرتهم العلمية تضحيةً للوطن الـمُفدَّى، ويلتحقون بإخوانهم الـمُجاهدين الأبطال اقتداءً ببطولاتهم، وسندًا قويّا نحو الـمُضيّ قُدُما إلى تحقيق الحرّية ولاستقلال..
هذا عن طلبة الأمس، أمّا طلبة اليوم: فيُصنّفون – في تقديري – إلى ثلاثة أصناف وهي:
1/ صنف نافع: يتميّز هذا الصّنف من الطلبة بجدّه واجتهاده الحثيث في طلب العلم، ووعيه العميق وإدراكه الدقيق بكلّ ما يحيط بوطنه وأمّته واحتكاكه المستمرّ مع أهل العلم والفكر، كما أنّه يحمل مسؤولية وأمانة على عاتقه تكلّفه عملية البحث لجواب عن سؤال يراوده آناء اللّيل وأطراف النّهار: ماذا أقدّم لوطني وأمتي أثناء وبعد مسيرتي العلمية؟
ولكن هذا الصّنف من الطلبة هو عُملة نادرة في الـمُحيط التربوي؛ لأنها تحتاج من صاحبها إلى شدّة تحمّل وصبر وثبات على أسسٍ ومبادئَ استلهمها من الأبطال السّابقين من جهة، وتحتاج إلى مواجهةٍ لهذا الواقع الذي يُكرّس – في أغلبه – الإقصاء والتّهميش للنّخب والكفاءات من جهة أخرى، فهذا الصّنف ينبغي أن يُهَّمَّ به في الجانبيْن المادّي والمعنوي، حتى يواصل في دربه النّافع ويسعى دوما لتحقيق طموحاته وتلبية رغباته التي تعود عليه وعلى وطنه بالخير والمنفعة.
2/ صنف ضائع: هذا الصنف من الطلبة مُضيّعٌ لواجباته، غافلٌ عن تحقيق أولوياته، جاهلٌ بكلّ من يحيط به وما يُنتظَر منه، فهو ينظر في مساره الدّراسي بمنظور اللّعب واللّهو واللامبالاة، همّه الوحيد الخروج بتسريحة شَعْرٍ جديدة تجلب الأنظار، وبلباسٍ فاضحٍ مُمزّقٍ يهتك الحياء، ومِشيةٍ مُـمِيلة تُنبِئ عن تخنّث مقيت. ومن مميزات هذا الصّنف أنّه يتلاعب بالكلمات المعسولة والأساليب المؤثّرة حتى يتصيّد بها نُقطةً من أستاذ، أو يقيم بها علاقة مُحرّمة تفتح أمامه أبواب الشيطان وتُؤدّي به إلى طريق الخسران. هذا هو همّه وَتِلْكُمْ هي طموحاته الرّديئة التي يسعى إلى تحقيقها، فإذا حدّثته عن الوطنية قليلا أعرض ونأى بجانبه لأنه بعيد كلّ البُعد عن الشّعور بالانتماء لوطنه، وموقعٌ بنفسه في أَوْحَالِ التّفكير من قِبَلِ أصدقائه وخلاّنه ومن يحيطون به ويشجّعونه دوما نحو المواصلة في هذا الطريق الـمُضلّ.
3/ صنف مائع: وهذا الصّنف يحمل شخصيةً مُذبذَبةً لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، تارة يجالس الطبة الجادّين فتحسبه كذلك، ولكن سُرعان ما يزيغ عن ذلك بمجالسته أيضا مع الطلبة الضائعين، هو صنف تائه الفكر، لم يحدّد بالضبط بَوْصَلَةَ حياته التي يسير وفقها، لا يُفكّر كثيرا في قضايا وطنه وأمّته، ولا يدرك جيّدا ما هو الواجب منه تُجاه ذلك، فهو جادٌّ مع الطلبة الجادّين، وضائع مع الطّلبة الضائعين.
هذا – باختصار شديد – عن وصف حال الطلبة اليوم.
ولذلك: فالواجب من كلّ المربّين والـمُرشدين والمعلّمين والباحثين والأولياء وأهل الرأي وولاّة الأمور أن يلتفّوا حول هذا الصّنف من الشّباب بعين الرّقابة والتوجيه والإصلاح والتّشجيع؛ لأنّ هذا المشروع التربوي يُشكّل في مضمونه أبعادًا حضارية تتطلّع نحو التقدّم والازدهار، ويجعل هذه النّخبةَ مؤهّلةً في تسيير شؤون الوطن والأمة حاضرِها ومستقبلِها، فما يتمّ زرعه في هذه النخبة مما ذُكر سابقا سيعود بالخير حتى في أحلك الظروف كما فعل ذلك الجيل الذهبي إبّان الاحتلال الفرنسي؛ لأنّ واقع طلبتنا – للأسف الشديد – يتخبّط في غياهب الإقصاء والتّهميش، فلم يجد الرّفقة الصّالحة – من كلّ شرائح المجتمع- التي تُوجّهه وتُرشده وتنصحه وتُعلي من قدره وتُنبّهه إلى ما يُحاك ضدّ وطنه من مؤامرات حتى يستفيق من سباته ويبني تخطيطا علميا عمليّا جماعيّا عميقًا مستفيدا ممّا تعلّمه وآخذا ممّا نقله من تجارب أساتذته. فكما أعلن الطالب الجزائري من جيل الأمس عن تأييده للثّورة الجزائرية، فكذلك ينبغي على طلبة جيل اليوم أن يسعَوا لنُصرة دينهم ووطنهم وقضايا أمّتهم ليرفعوا من شأنها نحو العُلاَ والتميّز.
فهذا هو الهدف المنشود الذي ينبغي أن يُجسِّده طلبة اليوم لكي يكونوا بذلك خيرَ خلفٍ لخيرِ سلفٍ. والله الموفق لذلك.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com