شؤون تربوية

نحو أبعاد منهجية للنجاح البكالوريا بين تأكيد الذات وتحقيق النجاح..

د. خالد شنون */

يشكل امتحان البكالوريا إحدى المحطات الهامة في حياة المتمدرسين، والأسر عامة، بل وفي المجتمع كله، وهو مرحلة تجنيد لكافة الموارد المتوفرة قصد تحقيق النجاح في المسابقة أو الاختبار، إلا أن المتتبع والمحلل لظاهرة امتحان البكالوريا يجد أن التلاميذ فيها ينقسمون إلى فئات متعددة، فمنهم من تجد همه الحصول على البكالوريا وكفى، ومنهم من تجد همه إرضاء المجتمع والأولياء بالحصول على البكالوريا، ومنهم من تجده جادا غير راض بالحصول على البكالوريا فقط، بل راسم لطموح كبير مدرك بأن الجامعة باب كبير لتحقيق مستوى عال من هذا الطموح، ومنهم من تجده يوفر أبعاد متكاملة بين تأكيد الذات بالحصول على البكالوريا، وتحقيق هدف بعيد المدى، طريقه يمر على الجامعة في التخصص الذي يتماشى والطموح.
وفي هذا الشأن تجدر الإشارة إلى أن التصورات التعليمية سواء لدى التلاميذ أو لدى الأولياء والمربين عامة مهمة في توجيه التلاميذ، وتجنيدهم ووجودهم بطرائق منهجية، حيث لا يوجد نجاح بدون هدف، كما لا يوجد سؤال في العلم والحياة بلا هدف، وحينها يتوجب تحليل الظاهرة بأبعادها المختلفة، فالمعرفة وحدها والنجاح في اجتياز مسابقة لا يفي بالغرض الكبير المتمثل في تأكيد الذات لدى المتعلم وفق خصائصة النفسية والمعرفية والاجتماعية، وحينها يعنى البحث التربوي الحالى بتفريد التعلم وجعل من التلاميذ كل على حدى يعبر عن مشروع تربوي واعد لدى المجتمع، وبعيدا عن المقارنات بين التلاميذ، حيث لكل متعلم خصائصه التعلمية وطموحه بما يتماشى وشخصيته، وهذا ما يجب إدراكه في أبعاد الشخصية، واحتواء التلميذ في مرحلة اجتياز البكالوريا، فالنجاح المعرفي جزء بسيط أمام النجاح العام للفرد في تأكيد الذات وقوة الشخصية التي لا تقف عند حدود التمكن المعرفي في مثل هكذا مواقف، ولعل تجربتنا البسيطة في الجامعة جعلتنا نلاحظ أن العديد من الحالات من طلبة الجامعة تحصلت على معدلات عالية في البكالوريا إلا أنها لم توفق في اختيار التخصص العلمي الذي يتماشى وخصائص الشخصية لديه، كما لاحظنا العكس حيث أدرك العديد من الطلبة البعد الوجودي كطالب في الجامعة في تخصص معين واجتهد ليحقق طموحا عاليا يتماشى والشخصية لديه، ومن هنا يتضح أنه من الضروري إحاطة التلميذ بالمرافقة البيداغوجية والاجتماعية الملائمة، مرافقة لا تجعله يعيش هوس المسابقة بعيدا عن هوس استثمارات النجاح بعد البكالوريا، حيث لوحظ مؤخرا أن العديد من التلاميذ يجتازون البكالوريا لإرضاء الأسرة وتحقيق ذات معرفية تبعا لمجموعة الرفاق من التلاميذ وفقط، والشعور بأن الشهادة لا تعني أي شيء أحيانا، وأن من يدرس لا يحقق شيئا وهذا بطبيعة الحال أمر خاطىء تماما، ففي أبسط مثال أجور الأفراد في وظائفهم تبنى على أساس مستوياتهم الدراسية، كما أن المكانة الاجتماعية مكفولة أحيانا بما يحققه الفرد من تعليم ذو جودة ومستوى، كما أن الأفراد اليوم لا يمكنهم أن يندمجوا في الحياة ما لم يتمكنوا من مدخلات الحياة المعاصرة من معرفة وتكنلوجيا، وقد يصل المجتمع يوما ما إلى الاستغناء عن غير العارف وغير المتعلم ولو يحمل شهادة، وفي أبسط المهن، مما يعني أن التعلم للتعلم بعيدا عن تأكيد الذات وأبعاد الشخصية مشروع هزيل أمام التلميذ وأمام المجتمع، في حين أن من يسابق لتحقيق الذات وللرفع من مستوى الطموح ويرى بأن البكالوريا بداية لمحطات قادمة جادة، يفلح في المعرفة وفي تأكيد الذات بما يساير مستجدات العصر..
* أستاذ بجامعة الجزائر 2

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com