مقالات

رسالة إلى أخواتي طالبات جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية

أ. د. الطيب برغوث */

شهادة من ذهب: قرأت هذه الشهادة للشيخ محمد الغزالي رحمه الله، في الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله، وفي طالبات جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، فهزتني كثيرا، وشاركته في الانطباع العام الذي جاء فيه قوله: « إنشاء الجامعة الإسلامية بالجزائر كسب كبير وعمل عظيم، وهو من حسنات الشاذلي بن جديد، وثلث طالباتها من بنات كأنهن ملائكة، ما رأيت منهن إلا الأدب وحسن الخلق، وسمت المؤمن، والإقبال على المذاكرة، نساء يذكرن بالسلف الأول».

المرأة الرسالية تاج على الرؤوس: حقا إنهن تاج على رؤوسنا، باجتهادهن وجدهن وعلمهن، وإيمانهن وأخلاقهن ووقارهن وهيبتهن، ووعيهن وتوازن تكوينهن، وفعالية سلوكهن وأدائهن في محيطهن الأسري والمدري والاجتماعي. هكذا نريدهن أن يكن، وهكذا يجب علينا أن نساعدهن ليكن كذلك، وأن نبذل من أجل ذلك الغالي والنفيس، وعليهن أن لا يلمننا فيما نأمله منهن، لأن ارتقاءهن إلى مستوى الرسالية المرجوة، هو ارتقاء بالمجتمع والأمة والإنسانية عامة. فالأم مدرسة إذا أعددتها أعدت شعبا طيب الأعراق فعلا.
الأجيال القدوة في مسيرة الجامعة
لقد كانت الأجيال الأولى من طلبة الجامعة وطالباتها في عمومها، كما ذكر الشيخ الغزالي رحمه الله، وأنا كنت شاهدا على ذلك، وتشرفت بالتدريس لعدد معتبر منهن فترة من الزمن، ورأيت فيهن رغبة وإرادة قوية في التحصيل العلمي، واعتزازا بانتمائهن إلى هذا الحقل المعرفي الهام وهو حقل علوم الهداية الشرعية، كحقل مفصلي في منظومات علوم الاستخلاف البشري في الأرض، كما رأيت فيهن التزاما سلوكيا عاليا، وجمالية أخلاقية متميزة، ووعيا بدورهن الرسالي في المجتمع، ومساهمة فعالة في حركة التنوير الرسالي في محيطهن التربوي والثقافي والاجتماعي عامة، وخاصة بعد تخرجهن من الجامعة.
حرص المجتمع على حماية الرمزية الدينية: هذه خلاصة لنظرة المجتمع عامة ونخبه الفكرية الأصيلة المستنيرة خاصة، إلى طلبة وطالبات الجامعة الإسلامية، وهي نظرة تقدير كبيرة جدا، تعبر عنها كذلك حساسية المجتمع الشديدة من بعض ما يلحظه من نواقص سلوكية هنا وهناك، فيهم وفيهن، لما ترمز إليه الشخصية المتدينة عامة، والشخصية الرسالية المنتمية لحقل علوم الهداية الشرعية خاصة، من مثالية وقدوة مركزية في المجتمع، يريدها أن تكون في مستوى أخلاقية الإسلام وقيمته العظيمة في المجتمع، وهو ما تعبر عنها عبارة كثيرا ما نسمعها من عامة الناس « تقرأ في الجامعة الإسلامية وتعمل هذا!»، بل إن الأمر يتعدى هذا إلى كل علاقة تتم باسم الإسلام، في المجال السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي، ويرى فيها الناس بعض ما لا ينسجم مع قيمه وأخلاقه وقدسيته.
إنها نعمة عظيمة، ومكانة عظيمة، ينبغي على كل من أكرمه الله بها أن يعرف قيمتها، وأن يعطيها حقها من التقدير والشكر لله عليها، والحماية لها، والمحافظة عليها، بالمزيد من الالتزام والرعاية والوقاية. والنعم تدوم وتزيد خيريتها وبركتها ورحمتها العامة، بالمزيد من الشكر القلبي والعملي لها، كما قال تعالى في قانون الشكر: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم : 7].

احرصن أشد الحرص على الدوائر المعرفية التكوينية العامة المحيطة بالدائرة التكوينية الأم لكل واحد منكن، فحركة المدافعة والمداولة الثقافية والاجتماعية والحضارية الإنساني التي تحيط بنا، تفرض علينا تكوينا متوازنا متينا نكمل به تكويننا التخصصي أو العمودي، ونعطيه فعاليته الوظيفية أو التسخيرية المطلوبة.

قيمة الرمز الديني ومكمن قوته
هذا مكانكن، وهذه قيمتكن، في نظر المجتمع، وقبل ذلك وبعده عند الله تعالى، إن وعيتن ذلك، وأعددتن أنفسكن له، وأخذتن الكتاب بقوة قدر ما استطعتن، وتحركتن بجدية وهمة في إطار استراتيجية القدوة الرسالية التي رسمها الله لنا في قوله تعالى على لسان عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان : 74]. وقوله سبحانه وتعالى على لسان أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء : 84]. سبحانه: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة : 122].
هذه هي المقامات التي ترفعنا إليها علوم الهداية الشرعية، والأدوار التي تريدنا أن نؤديها في المجتمع والأمة، وهي أدوار ومقامات مركزية في الحياة، ينالها أهل العزائم من النساء والرجال والولدان، ويؤمنون بها حياتهم الدنيوية والأخروية بإذن الله تعالى.
أهمية التكوين المتوازن في تكوين القدوة الرمزية:
وأود بمناسبة هذه الخاطرة المقتضبة، أن أنبه أخواتي الطالبات وإخواني الطلبة إلى قضية في غاية الأهمية وهي أن نيل هذه المقامات الجليلة، وأداء هذه الأدوار الحيوية في الحياة، يحتاج إلى تكوين متوازن ومتكامل، يستند على قاعدة تخصصية متينة، ويمتد منها إلى ساحات معرفية عامة كثيرة ومتنوعة قد المستطاع، تعزز ذلك الاختصاص المعرفي وتغنيه، وتصله بمناحي الحياة المختلفة، فإذا فعلتن ذلك ولم تحصرن أنفسكن في الدائرة الاختصاصية الضيقة المحدودة، فإنكن ستوفرن لأنفسكن شروط الإشعاع الداخلي الذي ينير نفوسكن وأرواحكن وعقولكن وسلوككن من جهة، والإشعاع الاجتماعي الذي يجعلكن كالغيث أينما وقعتن نفعتن من جهة أخرى، وتلك هي الشخصية الرسالية المتوازنة التي ينشدها الإسلام، ويراهن عليها في تحقيق النهضة الحضارية للمجتمع والأمة والإنسانية عامة.
فاحرصن أشد الحرص على الدوائر المعرفية التكوينية العامة المحيطة بالدائرة التكوينية الأم لكل واحد منكن، فحركة المدافعة والمداولة الثقافية والاجتماعية والحضارية الإنساني التي تحيط بنا، تفرض علينا تكوينا متوازنا متينا نكمل به تكويننا التخصصي أو العمودي، ونعطيه فعاليته الوظيفية أو التسخيرية المطلوبة.

لقد كانت الأجيال الأولى من طلبة الجامعة وطالباتها في عمومها، كما ذكر الشيخ الغزالي رحمه الله، وأنا كنت شاهدا على ذلك، وتشرفت بالتدريس لعدد معتبر منهن فترة من الزمن، ورأيت فيهن رغبة وإرادة قوية في التحصيل العلمي، واعتزازا بانتمائهن إلى هذا الحقل المعرفي الهام وهو حقل علوم الهداية الشرعية

رسالة خريج الجامعة الإسلامية
إنني أتمنى أن يكون خريج الجامعة الإسلامية متحكما في دائرته الاختصاصية، وفي الوقت نفسه مسيجا لها بالمعارف المحيطة بها، حتى يكون صاحب إشعاع حقيقي، وينقض تلك الصورة النمطية التي تريد دوائر ذات منظورات معرفية وأديولوجية جزئية رسمها لطالب العلوم الشرعية أو عالم العلوم الشرعية، وحصره أو سجنه فيها.

شمولية الرسالة
هذه الرسالة ليست موجهة لطالبات وطلاب جامعة العلوم الإسلامية فحسب، بل موجهة من خلالهن إلى كل الطلبة والطالبات، وكذا الأساتذة والأستاذات، المشرفين على تكوين هذه الأجيال، ليس بتزويدها بالمعارف السننية الصحيحة فحسب، بل بإعطائها القدوة المتوازنة قبل ذلك، لأن تكامل المعرفة السننية مع القدوة الرسالية، هي التي تخرج لنا أجيالا رسالية قدوة في علمها ووعيها وسلوكها وأدائها الذاتي والاجتماعي، بإمكانها تحقيق نهضة مجتمعاتها وأمتها، وتشع بذلك على الإنسانية عامة.
اللهم احفظ طالباتنا وأستاذاتنا، وطلبتنا وأساتذتنا، وخذ بأيدي الجميع على القدوة المعرفية والأخلاقية والسلوكية والاجتماعية العالية، ومكنهم من أداء أدوارهم الرسالية في بناء أجيال النهضة، لأن النهضة الحضارية المتوازنة، لا تحققها إلا أجيال حاملة لثقافة النهضة حقا، ومشبعة بها، ومتمثلة لها حقا.
والله ولي التوفيق.
* مفكر جزائري مقيم بالنرويج

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com