الأسماء والألقاب في الجزائر النسبة القبلية في الجزائر: لقب (أوْلَاد) ولقب (بَـــــنِي): الحلقة الثانية

أ. د. محمد عيلان *
يلاحظ أن الجزائريين لا يستعملون لقب (قبيلة) في نظامهم الاجتماعي والثقافي منذ دخول الأتراك الجزائر؛ و إنما يعوض بلقب: (عرش) بمعنى أن للعرش رئيسا يُحْتكم إليه ومجلسا (ثاجماعث/الجماعة) يدير شؤونه الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في علاقاتهم مع محيطهم الخارجي، تماما مثلما هو تنظيم القبيلة، وهذان المصطلحان ظهرا قديما و(يتماثل فيهما العرب والأمازيغ) قبل الاستقلال وقبل تأسيس الدولة الجزائرية الحديثة في 1962م، وذلك لأن الجزائريين كانوا يعالجون قضاياهم بعيدا عن قوانين حكومة الدايات أو البايات أو الاستعمار الفرنسي.
لقب (أَوْلَاد): يطلق لقب (أولاد) في الجزائر على العرش أو الأعراش ذات الأصول العربية، التي تنتمي إلى جد واحد تنتسب إليه فيقال: أولاد عبد الله، أولاد نايل، أولاد دراج، أولاد ادريس، أولاد شليح، أولاد تبان، أولاد عطية، أولاد عبدي. ولا يمنع من أن يكون (أَوْلَاد جمعا) لقبا لأشخاص، ولكن ليس بمعنى العرش. وقد يلقب به في حالة الإفراد. فيقال: ولد الحاج، وفي حالة الجمع أولاد الحاج.
وقد يلقب عرش ما بأمهم وهو قليل وإن كان قد عرف في منطقة بالأوراس الغربي فيقولون: (أولاد فاطمة) وهو فرع لعروش أولاد سلطان. ولم أسمع نسبة عرش ما لأمهم.
ومنه ما يعرف في فرع من فروع أولاد سيدي أحمد بن بلقاسم بلدية عين الخضراء بولاية المسيلة (الجوايح) نسبة إلى جدتهم (ابنة الجايح) وهي امرأة تقية صالحة، بُني على قبرها مزار يقصده زوارها، رغم أن أولاد سيد أحمد بن بلقاسم عرش كبير يتكون من فروع أجداد تلتقي عند جدها أحمد بن بلقاسم سليل أسرة الحسن سبط الرسول صلى الله عليه وسلم بن فاطمة الزهراء وزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
ومن الأسماء الشائعة في الجزائر أننا نجد أعراشا تنتمي إلى جد وتذكره بإضافة كلمة(سيدي) فيقولون أولاد سيدي فلان، وكلمة (سيدي) تضاف إلى الجد لأنه صالح نشر بينهم قيما روحية وبنى زوايا ونشر الثقافة الإسلامية فهم ينتسبون إليه ويقولون سيدي فلان.
و كلمة (سِيدِي/سَيِّدِي) الأصل فيها أنها تطلق على (الأشراف) من سلالة الرسول صلى الله عليه وسلم، عرفوا في التاريخ الجزائري إلى نهاية الحكم العثماني بالجزائر، بأنهم لا يدفعون الضرائب والإتاوات، وأنهم يمتهنون تعليم الناس أمور دينهم ودنياهم، من تحفيظ القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف إلى نشر اللغة العربية، وهؤلاء يطلق عليهم لقب (سيدي) ولكنها لا تدل على انتماء قبلي بقدر ماتدل على الاحترام والتبجيل عند العرب والأمازيع.
ومن التأثر بلغة القرآن الكريم أننا وجدنا لقب (أمة) للدلالة على عرش تميز أهله ببيئة منتوجها النباتي (نبات الديس) إما لإقامتهم فيها، أو لكون نباتها مصدرا لرزقهم، فقيل (لُمَّاديس/أمة الديس) وأمة هنا بمعنى قوم أو عرش موجود في جهات دائرة عين أزال ولاية سطيف. ولعلها بمعنى (جماعة أوطائفة من الناس) كما ورد في قوله تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) «القصص آية 23» أي: وجد عليه جماعة من الناس يسقون. ولعله نسبة إلى الأم (أم الديس) على غير الحقيقة. والديس نبات معروف يستعمل لأغراض مختلفة منها غطاء مساكن الفلاحين الفقراء أو يستعمل وقودا.
وفي بعض اسماء الأعراش تحذف كلمة (أولاد) ويقتصر على الاسم الثاني مع النطق بما يوحي النسبة فيقولون في أولاد السعدي: سعادنة، وأولاد خلاف: لَـخْلالفة وأولاد رحمة: رْحامنة وهكذا.. ومنها السوالم في: أولاد سالم، ولعياضات في أولاد عياض.
والعامة الجزائريون لهم براعة عجيبة في أنواع من صيغ الجمع؛ من مثل: جمع كَامْيُو، على كاميوات وكْمَاين، اسم لشاحنة بالفرنسية، وهي ظاهرة في أن المجتمعات لا تتأثر بالأسماء الأجنبية إلا إذا عدَّلت صيغها لتلائم ثقافتها، ومن ذلك اسم اللويز والضبنون والسلطاني (عملات ذهبية أجنبية) تقتنيها المرأة ذخيرة مالية وحليا للتجميل.
والنسبة إلى القبيلة قد تأخذ منحى آخر في انتساب الشخص إليها خارج محيطه الاجتماعي، فيقال: نايلي، دراجي. وقد يُلْجأ إلى المكان لتحديد نسب الشخص وقبيلته فيقال سوفي نسبة إلى وادي سوف، سطايفي، وهراني، تلمساني.
لقب (بني): يطلق لقب (بَـــِـني) في الجزائر على العرش أو الأعراش ذات الأصول الأمازيغية، التي تنتمي إلى جد واحد تنتسب إليه فيقال: بْنِي يَــنِّي، بني عزيز، بني فرجان، بني عمران، بني مجالد، بني يزقن . بني فرح، بني ورثيلان.
وفي بعض الأسماء الأمازيغية نجد الاسم يبدأ بحرف النداء الذي هو حرف المد (عَلَمًا) فيقولون: آمزيان ، آخاموخ ، آمقران ، وفي ألقاب الاحترام الأمازيغية (آدَّا) السعيد (آدَّا) مقران، وفي منطقة الأوراس الغربي يقولون (ذادا) ومثله في العربية؛ (دَادَّا) لقب احترام للأب بــ (دَادَّا) بتشديد الدال الثانية المفتوحة، وهو من تأثير اللهجة الأمازيغية في اللهجة العربية.
أما في غير المصطلحين المذكورين فإننا سنجري الحديث على الشائع وهو الاسم، وقد نستعمل اللقب أيضا بمعنى الاسم، لأن اللقب قد يصير اسما والاسم لقبا كما ذكرت، وهذا وارد في الثقافة العربية وخصوصا الشعبية منها؛ وهو تحول الأسماء ألقابا والألقاب أسماء، وكذلك تحول الأفعال أسماء أو ألقابا.
تاريخية الاسم في الجزائر
الأسماء في الجزائر بعضها منحدر من الماضي القديم في التراث الأمازيغي، وبعضها الآخر من العصور الإسلامية منذ الفتح العربي للمغرب إلى يومنا؛ ذلك أنه خلال المراحل التاريخية التي مَرَّ بها المجتمع الجزائري، بل المجتمع المغاربي حدثت إضافات كثيرة، فدخلت مسميات وألفاظ فرعونية وفينيقية ويونانية وفارسية ورومانية وزنجية وعبرية وعربية وأوروبية حديثة.. وهي إضافات لم تكن على مستوى اللغة والمسميات فقط، بل على مستوى ما نقلته العناصر البشرية، لتحدث تمازجا في العادات والتقاليد، وتقاطعا في الثقافات. ويلحظ الدارس ذلك في المسميات التي ما تزال قلة منها بألفاظها الأجنبية كما في اسم: «أبو الهول» الذي حرف إلى «بو لهوال»، و«فينيق» الذي بقي على أصل وضعه، وهو الطائر الفينيقي الذي ارتبط بأسطورة البعث، كما في إيزيس وأوزوريس، وبعضها الآخر حدث فيه تحريف ولم يعد له من مظهره اللغوي القديم إلا بعض الملامح يَهتدي إليها الدارس. وهذه طبيعة الاحتكاك الاجتماعي واللغوي، وسيادة لغة على لغة، أو سيادة اللغات المحلية مؤثِّرة في اللغات الوافدة لتتجاوب مع المجتمع وفقا لحاجاته النفسية والوجدانية والبيئية..
وإلى جانب ما ذكرنا فإن الأسماء في الجزائر ارتبطت ارتباطا وثيقا ببنية المجتمع وتركيبته الطبقية، وتختلف دواعي تباينها باختلاف تلك الطبقات وتميزها. فالطبقة الأقوى اقتصاديا تكون أنموذجا للاحتذاء ممن دُونها بتقليدها في مظاهر حياتها، ومنها أسماؤها، وتأتي بعدها بالتراتب اقتصاديا واجتماعيا الطبقات الأخرى، تتطلع إلى أنموذجها لتقاربه، فطبقة الفلاحين تتطلع الى أن تصبح طبقة إقطاعية في أسمائها وألقابها وشتى مظاهر حياتها، وطبقة التجار وأرباب الحرف تتطلع إلى أرباب المصانع وأصحاب رؤوس الأموال، وطبقة الموظفين تتطلع بدورها إلى أنموذجها من طبقة الساسة ورجال القضاء وهكذا.. ولا يمنع ذلك من أن تستمد تلك الطبقات بعض أسمائها من التاريخ والأسلاف ومن واقع البيئة الثقافية للمجتمع، لأننا وجدنا عند قيامنا بدراسة ظاهرة الأسماء أن في الطبقات الأنموذج مسميات من طبقات دنيا، ومعناه أن هناك من تسلق بوسيلة أو بأخرى وأصبح من الطبقات الأنموذج، أو هو في سبيله إلى ذلك، أو أن ارتباطه بأسلافه عاطفيا أراد تذُكُّرهم من خلال أطلاق اسمائهم على ابنائه.
أثر البيئة في نقل الأسماء من دلالاتها الأصلية إلى التسمية بها
ورغم ذلك فإن للبيئة حضورا قويا في طبقات المجتمع. ولا أدل على ذلك من التسمية في طبقة الفلاحين بالفئران والجرذان والجعلان والقطط والكلاب والثعالب والحمير والجمال والذئاب والنمل والسحالي، والذباب والناموس ومختلف الكائنات البيئية الحية.. والجامدة كالصخر.
وبنفس الاهتمام يشيع في طبقة الحرفيين والتجار مسميات مثل: الحداد، والنحاس، والصواف، والحوات، والجمال، والجزار، والصايغي، والذهاب، واللبان، والحَلْوِي، والحلواني، والملاخ (الإسكافي).
وفي طبقة الساسة ورجال الدولة والقضاء تشيع مسميات، من مثل القاضي، والباش عادل، والحاكم، والوزير، والوالي، والبوقاطي (اسم للمحامي باللغة الاسبانية)، والكاتب، والخوجة، والمزوار (لقب تركي يطلق على محصل الضرائب). وفي تلك الطبقات على تنوعها تشيع أسماء أسطورية وأخرى خرافية، كالغول والعفريت والجان.
و نجد في أوساط العامة شيوع أسماء لشخصيات دينية أو لها صلة بها خاصة الدين الإسلامي مثل جبريل، وتُسمِّي العامة بـ (جبرائيل) لأنه مَلَك يرسله الله، واسمه مركب من: (جبرا) بمعنى رسول، و(إيل) اسم الله في اللغات السامية) ومثله: (إسرائيل) أي عبد (إيل) ولا تسمي العامة في الجزائر بأسماء الملائكة الآخرين لاعتقادهم أنهم لا صلة لهم بالبشر في الدنيا، أو لأن أسماءهم تذكرهم بالأهوال (كما يقولون) فينتابهم الخوف والرعب خاصة عند ذكر اسم عزرائيل فيقولون إنه (قبَّاض الأرواح)(واسمه في عامية الجزائر: عَزْرين بفتح العين وسكون الزاي المفخمة) وكذا ميكائيل وإسرافيل..
الأسماء والألقاب القسرية
وهناك ظاهرة أخرى لها أهميتها في دراسة نشوء الألقاب والمسميات التي يكون العامل الأساسي فيها العلاقات المنفعية والمصلحية في إطار خدمة المجتمع والسهر على مصالحه مما يؤدي إلى التأثر الإيجابي أو السلبي بين المتعاملين بعضهم بالبعض الآخر، وهذه الظاهرة هي الأسماء والألقاب القسرية التي تؤسِّسُ بها كل طبقة لقاموس من المسميات، أغلبها صفات توازي المسميات الاختيارية الإرادية، فكل طبقة لها وجهة نظر في الأخرى وهذه المسميات قد تكون صفات تهكمية أو خِلْقية أو خُلقية أو مهنية أطلقها الأشخاص تنكيتا وتندرا بسلوك غيرهم، أو لجهلهم بشخصية المتعامل معه، مما يضطرهم إلى ذكر حِرفهم مثلا أو تسميتهم بظواهر خِلقية متميزة فيهم، كأن يكون اسم الشخص بلقاسم وجهل اسمه لدى المتعامل فينادى أو يخبر عنه بحرفته كالنجار أو الحداد أو الأحدب أو الأعمى أو الأعرج أو بو كرش أو بو عمة أو بولحية.
والعامة عندما تجهل اسم شخص وتريد مناداته أو تنبيهه؛ فإنهم ينادونه باسم (محمد)؛ لأن اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يوجد من يرفض المناداة به من المسلمين؛ ولذلك بمجرد سماعه يجيب المعني تلقائيا بنعم. ثم إن المنادِي يرى بأنه ينال أجرا عند الله، لكون من يسمع اسم محمد يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وأحيانا يكون أساس الإطلاق فرارا من الاسم العادي أجنبيا أومحليا. وأحيانا يتعمد الأشخاص ذكر بعض الأسماء بدلا من الأسماء الحقيقية للمخاطَب، رغم سهولة نطقها؛ لأن تلك الأسماء في لهجة أخرى تعد مستهجنة، كونه يطلق على (عورة) مثلا، أو يكون دالا على أمور محرمة في تقاليد المنادِي، مما لا ينادَى بها في حضور الأقارب وذوي الأرحام وهم مجتمعون. ومثل هذه الألقاب قد يرفضها البعض وقد يتحرج منها، وقد لا يرفضها، وهذه كلها أساسها التقاليد والأعراف الاجتماعية.
الألقاب الاختيارية
وهناك من الأسماء والألقاب في الجزائر ما يكون اختياريا وطوعيا ويعلم به صاحبه ولا يرفضه ويحبذ أن ينادى به، وذلك كأسماء الثوار التي يناديهم بها رفقاؤهم وبعض الناس المتصلين بهم، خلال الثورة المسلحة لإخراج المستعمر الفرنسي من الجزائر التي بدأت عام 1954 وانتهت باستقلال الجزائر عام 1962 وأسماء هؤلاء الثوار الحقيقية غير معروفة إلا بمن لهم بهم صلة.
ومن هذا القبيل أيضا ما نجده عند عامة الجزائر؛ بمنح المولود يوم ولادته اسمين أحدهما وثائقي لكل مستلزماته الإدارية، والآخر ينادى به في الأسرة أو القبيلة أو المحيط القريب منه، كأن يكون الاسم الوثائقي محمدا والأسري توفيقا فيقال: محمد توفيق، فالأول اسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والثاني يذكر تفاؤلا؛ لأن العامة تستغني عن الاسم المركب بلفظ منه يكون دالا على الفأل الحسن حين سماعه. وقد يتجاوز الاسم اللفظين إلى الثلاثة، كقولهم محمد الأمين الطاهر. وهو عكس ما عُرِف به عرب شبه الجزير العربية الذين يختارون لذكورهم الأسماء المفزعة والمخيفة، اعتقادا منهم بأن عدوهم عند سماعها يتملكه الرعب، بخلاف أسماء النساء فإنها أسماء جميلة باعثة على الرقة وعلى الفأل الحسن. وهذه الظاهرة مازالت إلى يومنا هذا لدى سكان شبه الجزيرة العربية.
وفي المدن الحضرية تسمي بعض الطبقات الاجتماعية أبناءها بأسماء يريدون منها الدلال (الدَّلَع) وذلك بتحريف الاسم واختصاره كقولهم في توفيق: توفا أو تُو، ونور الدين: نَوْرِي، ومحمد: مُوح. أوبأخذ الحرف الأول وتكراره مرة واحدة، بحيث يُفْصل بينهما بأحد حروف المد مثل الواو أو الياء أو الألف لتنغيم الصوت عن طريق إشباع الحركة، كما في سعيد وسالم فيقال: سوسو، وفي حميد: حُوحُو، وفي جمال: جِيجي، وقي كمال: كُوكو. وقد يفعلون غير ذلك فيأخذون الحرف الأول فقط ويشبعون حركته بالضم أو الكسر كما في جمال: جُّو، وفي محمد: مُّو، وفي شريف: شُّو، وفي سليمان: سُّو. وقس في ذلك ما لم يقس، كما قال ابن مالك في (الألفية).
الحلقة القادمة: الأسماء في الجزائر المفردة والمركبة:
أ . د . محمد عيلان
ailafolk@hotmail.com
كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية
جامعة باجي مختار ــ عنابة