مساهمات

مفهوم الوطن والمواطن والمواطنة والعلاقة بينهم

د. علي محمد الصلابي */

قبل الخوض في العلاقة التي تربط بين المفاهيم الثلاثة: الوطن والمواطن والمواطنة، نحب أن نبين معنى الوطن والمواطن، حيث سبق لنا أن عرفنا المواطنة بشكل واسع، ولا يمنع من اختصارها مع تعريف الدولة:
أ- الوطن: وهو ذلك الجزء الجغرافي من الأرض الذي تعيش عليه مجموعة من الأفراد، تتفاعل فيما بينها بعلاقات إنسانية، وعاطفية، وروحية، وثقافية، ومادية، وغيرها، وبشكل عام فإن معنى الوطن: هو تعبير عن الأرض التي ولد فيها الفرد، ونشأ، وترعرع، واختار أن يعيش فيها.
ب- المواطن: وهو ذلك الفرد الذي يعيش على تلك القطعة من الأرض، ويتفاعل الأفراد الآخرين من خلال مؤسسات تشكل على أساسها الدولة.
ج- الدولة: هي كيان تشكل من مؤسسات تشريعية، وتنفيذية، وقضائية، وأجهزة إدارية، تحكمها نظم سياسية معينة، ويندمج هذا الكيان مع الأفراد والجزء الجغرافي لتتشكل بذلك الدولة، والمواطنة صفة تطلق على الفرد الذي ينتمي إلى وطن معين.
د- المواطنة والوطنية: هناك فرق بين صفة المفهومين: المواطنة والوطنية، أي: أن الوطنية تعتبر أعلى مراتب المواطنة التي يحصل عليها الفرد من خلال انتسابه لجماعة، ومشاركته في أعمال الدولة.
والوطنية شعار يميز المواطن المنتمي إلى وطنه من غير المنتمي، وهي درجة خالية من العشق يكرسه الفرد لوطنه، وعكسها الخيانة والخائن وهو الضعيف الوطنية؛ الذي يقيس حبه لوطنه بمقدار ما يستفيد من ذلك الوطن.
والوطنية عاطفة قوية يشعر بها المواطن تجاه وطنه، ولا تكون الوطنية بالقول، بل بالفعل، وأن صفة الوطنية أكثر عمقاً من صفة المواطنة، وتصبح المصلحة العامة لديه أهم من المصلحة الخاصة، ولذلك فإن المواطنة هي الإطار الفكري، أما الوطنية فهي تمثل الجانب والإطار العملي لسلوك المواطن.
ويعتبر الوطن للمواطن بيئة مادية ومعنوية تمثل له الأرض، والمسكن، والأهل، والأقارب، والاباء، والأجداد، وعلاقة روحية تمثل له قيم المجتمع من عادات، وتقاليد، وقيم، واتجاهات، ومعتقدات، ومشاعر فيها سعادة وفرح وضيق وحزن وغيرها، ويعيش المواطن في هاتين البيئتين بمواطنة كاملة يتفاعل معها عبر العصور.
هذا ولا يمكن أن تختزل هذه المعاني، والمفاهيم: “الوطن والمواطن والمواطنة” في المعني اللغوي، وإنما هي روابط في صفة ومضمون، فلا يمكن ترسيخ مفهوم المواطنة بما يعنيه من مسؤولية كاملة تجاه الوطن، دون وجود أفراد مواطنين يُدركون بوعي حقوقهم وواجباتهم في جميع مجالات الحياة، سواء كان في المجال السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الثقافي، أو المعرفي، ويشعر هؤلاء بأنهم مسؤولون عما يجري داخل وطنهم، فلا مواطنة بدون مواطن، ولا مواطن بدون ولاء وانتماء للوطن، يتفاعل مع مشاكله وقضاياه وشؤونه بشكل أو باخر (المواطن والمواطنة، للدوسري ص، 36).
ويعتقد عامة الناس أن المواطنة تتلخص في الحضور المادي في بلد ما، أو أنها تتلخص في مجموعة من الحقوق التي لا يقبلها أي التزام، وهذا الاعتقاد خاطئ لسببين:
أولاً: لأنه يقوم ضمنياً على خلط بين المواطن والمواطنة.
وثانياً: لأنه يخلط بين المواطنة وأصناف الانتماء الأخرى، سواء كانت ثقافية أو دينية أو أيديولوجية أو اجتماعية، في حين أن فهم المواطنة يقتضي تحديدها في علاقاتها بالسيادة السياسية، وبالديمقراطية.
فالمواطن هو ذلك الشخص الذي يمتلك حقوقاً غير قابلة للنقض، أو النقص، أو الاعتداء عليها من قبل الدولة، فهذه الحقوق هي حقوق سياسية تتعلق بالمشاركة السياسية في اتخاذ القرار السياسي، وحقوق مدنية وجماعية ترتبط بالجانب الاقتصادي، والاجتماعي، والمعرفي.
وإذا كانت المواطنة مرتبطة بالوطن، فهذا يعني أنه كلما كان التمسك بالوطن قوياً، والانتماء إليه ثابتاً، فإن المواطنة تتجلى بأبهى صورها، حيث يشعر كل مواطن بكرامته وقيمته، ويتمتع بحقوق المواطنة الكاملة؛ التي تؤمن له العيش الكريم في وطن حر كريم.
فالمواطنة تقدر بالقدر الذي يبذله رعاياها من أجلها، فهي لا تمنح منحاً من مصدر خارجي، بل تكتسب اكتساباً، شأنها في ذلك شأن قيم الحياة الأخرى.
فالمواطنة هي التعبير القانوني عن الوجود السياسي للوطن والمواطن، وهي حجر الزاوية لتطوير الوطن ابتداء من نظامه السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، وامتداداً للنهوض الثقافي والارتقاء الحضاري، وتتجلى المواطنة في أرقى صورها بارتقاء الاستقلال الوطني، وثبات العزة والكرامة من ناحية، كما تظهر بتثبيت جميع الحقوق السياسية للمواطن (الوطن والمواطنة للدوسري، ص 38).
* داعيـــــة ليبي

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com