نزيف رأس المال البشري…
![](https://cdn.elbassair.dz/wp-content/uploads/2020/06/lakdi.jpg)
أ. لخضر لقدي/
ينتحر الوطن ويموت ببطء عندما يستمر نزيف رأس ماله البشري وهجرة أدمغته وعلمائه وكفاءاته ومتخصّصيه وأصحاب المهارات والموهوبين فيه، وذلك حينما تتعاون- بقصد أو بغير قصد- الأسباب الدافعة لهجرة الأدمغة مع الأسباب الجاذبة لها.
وقد نجح 1200 طبيب جزائري أخصائي من أصل ألفي طبيب من تجاوز اختبارات التحقق من المعرفة،
épreuves de vérification des connaissances prévues، وهي الخطوة الأولى في رحلة البحث عن ترخيص للعمل كطبيب في فرنسا.
ومن طالع القائمة لاحظ أن أغلب الأطباء الجزائريين الناجحين مولود بين 1990-1983.
لقد أصابتني دوخة ودوار وذعر وقلق ووجع وألم وأنا أسمع وأرى نخبة النخبة وزبدة الزبدة ممن نجحوا في الباكالوريا بامتياز وتابعوا دراساتهم الطبية بنجاح طيلة 7 سنوات ثم تخصصوا طيلة 4 سنوات وعملوا في مختلف المستشفيات حتى أصبحوا خبراء في ميدانهم وذوي كفاءات عالية، وقرأت صرخة ووجع طبيب وبروفيسور القلب سليم بن خدة: «عشرات المختصين في أمراض القلب من جملة تلامذتنا الذين بذلنا النفس والنفيس لتكوينهم لمدة تفوق أربع سنوات، فأصبحوا خبراء في ميدانهم وذوي كفاءة عالية … صدقوني وأنا أعي ما أقول إنهم يستطيعون العمل في أرقى المستشفيات الأوروبية وهم مهيأون جيدا لذلك».
واعتبر رئيس النقابة الوطنية للممارسين الأخصائيين في الصحة العمومية الجزائرية البروفيسور محمد يوسفي أن هذه الأرقام ما هي إلا قطرة من بحر هجرة الأدمغة في الجزائر، وأشار إلى أن عدد الأطباء الاختصاصيين الذين غادروا الجزائر خلال العشرين عاما الماضية يفوق الـ20 ألف طبيب متخصص.
ستقول الدراسات أن أسباب الهجرة كثيرة وأكثرها واقعي إذ توفّر البلدان الجاذبة فرص عمل أكثر برواتب أفضل، بينما تحتقر بلداننا العلماء وتبخسهم حقهم في العيش الكريم معيشة وسكنا ومرتبا، كما توفر سقفا أعلى للحريّة الفكريّة بينما تعاني بلداننا تقييدا وقمْـعاً يجر من يعبر عن رأيه إلى السجن أو فقدان وظيفته وامتيازاته إن وجدت، بالإضافة إلى الغِنى الثقافيّ لهذه البلدان، وتطوّر الأنظمة التعليميّة فيها، وتوفير نوعيّة حياة أفضل للأشخاص ذوي المهارة والعلم.
حدثني صديق ثقة صدوق كان يدرس في فرنسا أنه في بداية الثمانينات عقد في قصر الأمم مؤتمر للطلبة الذين يدرسون في جامعات الغرب حضره الأمين العام للحزب وبجانبه وزير التعليم العالي ومما جاء في قول الأمين العام للحزب: أيها الطلبة أنتم اهتموا بالعلم واتركوا السياسة لنا.
لقد هزمنا الغرب بفارق الخبرة فتركنا نعلم ونكون ونستثمر ونخسر الأموال فإذا استوت الثمرة وحان قطافها جناها لنفسه أما نحن فنستحق أن يقال لنا «على نفسها جنت براغث»، فها هي الجزائر بلاد الخير والجمال والتاريخ تفقد خيرة أبنائها.
ومن حقنا أن نحتج ونتألم ونتوجع فليس الأمر هينا حينما نفقد آلاف الأطباء، إنها المصيبة حلت بنا والكارثة نزلت بأرضنا في الوقت الذي تغلق فيه الكثير من أجنحة المستشفيات وتوصد أغلب المستوصفات في الأرياف.
وقد خاب قوم لا عاقل لهم يرد سفه السفهاء، وخاب قوم لا حليم فيهم يردهم إلى رشدهم، وآن أن يقال لنا: «الصيفَ ضيّعتِ اللبن».