تهافت مقولة المفكر الإسلامي المستنير
أ. عبد القادر قلاتي/
التفكير داخل الإسلام هو عين الاستنارة، والالتزام بمنهجه العلمي والتقيّد بنصوصه التأسيسية (القرآن والسنة) هو من يمنح المشتغل بالفكر الإسلامي، صفة الاستنارة والتنوير، أما من يتجرأ على الخوض في الكلام عن الإسلام دون أن يملك الكفاءة المعرفية أولاً، والتسليم بالمنهج العلمي الذي حُدّد وضُبطت معالمه منذ اللحظات الأولى لنزول الوحي وإلى عصر التدوين ثانياً، فلا يمكن أن تكون جهوده مهما علت محسوبة على دائرة الفكر الإسلامي، أكتب هذه الأسطر وأنا أتابع الضجة التي أثارها موت الكاتب المصري سيد القمني، حيث اختلف النّاس فيه بين مؤيد يراه مفكرا شجاعا أزاحت أفكاره الكثير من الجمود العالق بالتراث الإسلامي، ورافض يراه أحد معاول الهدم التي استخدمها أعداء الدين لضرب الإسلام، والحق أن الرّجل أقلّ بكثير من هذه المكانة التي اتفق الطرفان عليها -رغم الاختلاف – وجعلاه فيها وهي المفكر الخطير إيجابا بالنسبة للطرف الأول وسلبًا بالنسبة للطرف الثاني، فسيد القمني بكتاباته التي قرأناها ومحاضراته المستفزة التي سمعنا منها الكثير، لا ترقى جميعا إلى حالة وصفه بالمفكر، فهو لم يزد على أن أفرط في التشويش على الفكر الإسلامي، وأثار جملة من القضايا الاشكالية؛ أظهر من خلال ذلك جهله بالعلوم الإسلامية، وعدم قدرته على فهم السياقات التي جاءت فيها معالجتها من خلال تطور الفكر الإسلامي، وتطور المجتمعات التي دانت للإسلام بالمرجعية، ولم يكن القمني وحيدا في هذا المسلك، بل عرفنا أمثالا له كثرا، انتهوا من حياتنا الثقافية بموتهم وخروجهم من الحياة، ولم يعد لكتاباتهم وجود معرفي، إلاّ في إطار محدود جدا، تفرضه الايدلوجيا وليس المجال المعرفي الخالص.
والكتابات ذات المنحى الايديولوجي، مثل كتابات القمني، وقبله فرج فودة، ورفعت السعيد، لا تلقى القبول حتى بين المنتمين إليها، إلاّ في إطار الدعاية والمناكفات مع الخصوم -طبعا الإسلاميين – أما في البحوث العلمية الجادة فلا ترى أحدهم يرجع إلى هذه الكتابات الخالية تماما من المنهج العلمي، والحاوية لكم هائل من التأويلات الإيديولوجية الفارغة، وإن وجدت في بحث من البحوث، فهي تذكر على استحياء واضح، أو للاستدلال عليها ككتابات ايديولوجية.
لقد مات سيّد القمني وأفضى إلى ما قدم، ولسنا في موضع المحاسبة على أعماله فذلك شأنه مع الخالق سبحانه وتعالى، أما أعماله الفكرية، التي سجل فيها آراءه في الدين والشريعة، فهي محلّ نقدنا وتقييمنا لها، وهي في كلمة مختصرة، كتابات ايديولوجية لا تخدم الفكر الإسلامي، ولا تعبر عنه وعن منهجه المستقل بأدواته المعرفية التي يفتقر إليه أمثال سيّد القمني، والله أعلم وأحكم.