حــــــاجتنا إلى التدريب …حاجتنا إلى التطويروالتحسيــن

يكتبه: حسن خليفة/
استمعت قبل مدة غير قصيرة لتصريح أحد الخبراء المتخصصين في مجال الموارد البشرية؛ وقـد ذكر أن حاجتنا في الجزائر إلى التكوين، أو «التدريب»..ـ بلغة أصح ـ تزيد على الثمانين بالمائة؛ وأكّد أن الكثير مـن َ المؤسسات والهيئات والشركات، والإدارات، والجمعيات، والجامعات، والمصالح والدوائر الرسمية وغير الرسمية…هيّ في أمسّ وأشدّ الحاجة إلى هذا التدريب، لكل ّعناصرها البشرية وموظفيها، في مختلف المستويات، لرفع أدائها وتحسين وتطوير مستوى أولئك الموظفين (والموظفات).كما أكّـد أن الخسائرالنـاجمة عن «ضعف الأداء» بسبب الافتقار إلى التدريب فوق ما يتصوّره الخيال.
والحق أن هذا مطلب مشروع وحيوي؛ يعود بالمنفعة على المؤسسة والهيئة والشركة والمصنع والجامعة والإدارة، فمن شأن التدريب أن يرفع كفاءة الموظف والعامل، كما من شأنه ـ أيضا ـ أن يحسّن الأداء ويجعل العمل أكثر انسيابية، والتسيير أكثر فائدة ونفعا، وبذلك يتحقق تصريف الأعمال على نحو سهل متقن سلس.
ومن يتفحصُ اليوم شؤوننا في كثير من المؤسسات يستطيع أن يقف على حجم “الجمود” والبيروقراطية، والتأخر، بل والعجز في تصريف الأمور، والدليل البسيط على ذلك، كما نقرأ ونتابع.. الدليل هو عجز الكثير من الهيآت والإدارات عن صرف الأموال المرصودة لها؛ حتى إنها تضطر لإنفاقها في أي شيء آخر كلّ سنة (قبل الجرد)، ما يرسخ فكرة العجز عن إنهاء الموسـم المالي على الوجه المطلوب الذي يتحقق فيه إنجاز المهام، وتحقيق الأهداف بنسب تقترب من المائة بالمائة أو حتى 90 بالمائة.
إن التدريب يُكسب الموظف والعامل مهارات أكثر، كما يُكسبه إحراز التقدم في إنجاز عمله ووظيفته، في الزمن (بالسرعة) وفي الإنجاز (بالإتقان) وفي الجهد ببذل جهد أقل لإحراز نتائج أكبر وأكثر وأفضل…
وذلك توصيف شبه دقيق للمهارة..
حاجتنا في بلادنا إلى الانخراط في برنامج تدريبي وتطويري في كل القطاعات تقريبا حاجة ماسة قوية، للاستجابة للطلب الكبير في كل شيء، فنحن مجتمع حـيٌّ متطلّع، قابل للحياة، حسب توصيف أحد المفكرين، وإنما تنقصنا القيادة الراشدة الصالحة وأهم ما يمكن أن تفعله هذه القيادة الراشدة هو العمل على تعزيز مكانة التدريب في حياتنا العملية، في مختلف حـقول العمل وميادين الوظائف المختلفة.
ومن يريد أن يعرف أهمية هذا الأمر عليه أن يطلع على ما يُنفق في المجتمعات المتقدمة في مجال التكوين والتدريب؛ حيث تخصص نسب مئوية من الميزانيات لتحقيق هذا الهدف: تكوين الموارد البشرية وتطويرقدراتها وتعزيز مهاراتها؛ بل إن ذلك يتمّ بشكل منتظم ودائم، ولا يحقق الموظف والعامل ترقيته الحقيقية إلا من خلال المهارات التي يكتسبها بالتدريب المستمر.
يمكن أن نستعرض على السريع قطاعات مثل: الإدارة بمختلف مجالاتها (بلديات وولايات ودوائر وسواها)، التربية والتعليم، الشركات الكبرى، الوزارات، هيئات أخرى.. وننظر في نمط أدائها وطرق تسييرها ومخرجاتها لنعرف كم هي الحاجة اليوم ماسة إلى هذا التدريب الذي أتصور أنه مشروع وطني مفتوح وعاجل، يجب أن يفتح له حسابه الخاص وجدول عمله الاستثنائي وبرنامجه وخططه؛ لرفع منسوب الأداء وتحسين العمل، وصولا إلى ما يُسمى “الأداء العالي” الذي يعني “الاستفادة القصوى من الموارد المادية وغير المادية لتحقيق نتائج متميزة.. من خلال التعلّم المستمرّ”.
نحن مجتمع متطلع، ومن يفهم شعبنا يستطيع أن يعرف أن طموحه المشروع كبير، وأن تطلعه للاستجابة لهذا الطموح كبير، وذلك ما يجب أن تلتقطه “القيادة” لتساير هذا المجتمع الحيوي النابض على الأقل، والأهم أن تسبقه بفتح “أفق المبادرة” واسعا عريضا، وتواكبه كناظم ومشرف متبصّر.. وتتلمس احتياجاته كلها، ومنها الاحتياج التدريبي.. الذي به نعلو ونرقى ونكون من النمور الكبيرة…
تبقى إشارات خفيفة إلى الجمعية …وحاجتها إلى هذا التدريب والتكوين، لإطاراتها وقياداتها العليا، والوسطى، على حد ّ سواء. ما هي نسبة الاحتيـاج إلى هذا التدريب ؟
والجواب :إنـه احتياج كبير وضخـم، وقد أدرك الجميع ذلك منذ سنوات، وبالتحديد في الجامعة الصيفية التي خُصصت لهذا الأمر (تكوين وتدريب) ؛ حيث بدا للجـميع أننا ـ في الجمعية ـ بعيدون بمسافة كبيرة عن «المستوى المطلوب» في أداء الأعمال وإنجاز المهامّ ،وتحقيق الأهداف …والسّببُ الرئيس هو «غياب ثقافة «التدريب في منهجنـا العملي الميداني. وقد قدّرتْ قيادة الجمعية ـ وقتها ـ أهمية هذا الأمر وحرصت على الانخراط فيه، على جميع المستويات (وطنيا ـ ولائيا ـ بلديا)..وفي كل القطاعات: تربية ، ثقافة، إعلام، توجيه إرشاد وتواصل، تسيير الموارد البشرية، إدارة ومالية، ، الخ …
غير أنّ غَلبَــة «المؤقت» العاجل ، في جدول أعمالنا، وتضاؤل الرؤية الإستراتيجية سرعــان ما أنســانا هذا الأمر، فانخرطــنا في تسيير آني، قصير المدى..
والمأمول أن يرقى أداؤنا في المستقبل إلى مستوى يضع هذا الهمّ الكبير «التكوين والتدريب» في أعلى سُلّم الأولويات .وفي الأخير نؤكد «إن حاجتنا إلى التدريب ..هي حاجتنا إلى التطوير والتحسين « ودون تدريب سنبقى نراوح في «مكاننا» ….ومن لا يتقدم حتما سيتأخر.