موقــــف و خـــاطـــــرة

فقه الاختلاف عند علماء الإصلاح

الشيخ نــور الدين رزيق */

 

رجال الإصلاح من صفاتهم أنهم لم يكن ليقع بينهم كبير اختلاف، وإن وقع فمن أجل الحق، ولن يدس الهوى أنفه في خلاف لا يدعو إليه غير الحق، وقد وضعوا آدابا سَارَ على نهجها كرام علمائنا، فأصبحوا لنا القدوة الصالحة، وتكون خلالهم الكريمة تلك مثلا نحتذي به، فقدموا نماذج من أدب الاختلاف بين كبار الأئمة من السلف الصالح رضوان الله عليهم.
ولا ننفي أنه وقع لمذاهب الأئمة الاختلاف الكبير مثلا بين أبي حنيفة ومالك رحمهما الله، وتباين الأسس التي يعتمدها كل منهما فيما يخص مذهبه؛ ولكن هذا لم يمنع، رغم فارق السن التي بينهما، أن يجل الواحد منهما صاحبه، وأن يكون معه على جانب كبير من الأدب مع اختلاف مناحيهما في الفقه، أخرج القاضي عياض في «المدارك» قال: قال الليث بن سعد: لقيت مالكا في المدينة، فقلت له: إني أراك تمسح العرق عن جبينك. قال: عرقت مع أبي حنيفة، إنه لفقيه يا مصري، قال الليث: ثم لقيت أبا حنيفة، وقلت له: ما أحسن قول هذا الرجل فيك (يشير إلى مالك) فقال أبو حنيفة: ما رأيت أسرع منه بجواب صادق، ونقد تام.
وإليك نموذج لرجل إصلاحي وقصة واقعية حدثت في المسجد الكبير بالقرارة .
كان الشيخ الجزائري إبراهيم بيوض الإباضي مع طالبه السني المالكي (الأخضر السائحي) وهو من حجير وهو أيضا عالم من أعلام منطقة حجيرة ولاية ورقلة، لو كان كل أحد منا عنده هذا المبدأ لما سالت قطرة دم واحدة.
القصة :
أروي لكم قصة الشيخ بيوض مع تلميذه المالكي أحد تلاميذ الشيخ بيوض {رحمه الله}، المالكــيين في معهد الحياة، رآه الشيخ يوما يستدرك ما فاته من الصلاة، بعدما فرغ الإمام منها، فلاحظ أنه لا يرفع يديه في الصلاة! ولا يحرك سبابته في التشهد!!
فانتظره حتى فرغ من صلاته، فقال له: بنـي العزيز أعد صلاتك!
قال: ماذا تقول يا شيـخ ؟؟؟
قال: قلت أعد صلاتك.
قال: ولكن صليتها يا شيخ، على النحو الذي كنت تصلي به .
قال: لا أريد أن أصنع في معهدي نسخا مني.
أثبت على ما تؤمن به من مبادئ، ولا تتبعني في كل شيء؟
نحن نصنع فكرك، ونرفع ذكرك، ونزكي بالعلم قلبك، ونغذي بالإيمان روحك، وما كان لنا أن نحشر أنـــوفنا في كيفية عبادتك؟ وحيثيات عقيدتك؟ أو فلسفة حياتك؟
فتلك خصيصة بينك وبين نفسك .
المهم عندنا أنك تعبد الله لا غيره، وتتبع الرسول لا غيره، وتولي وجهك قبل المسجد الحرام لا غيره،
وألا تتناول مسكـــرا، أو مخدرا، أو دخانا، أو تغشى حراما بيّنا، طالما أنت أمانة بين أيدينا.
ونرجو أن يكون هذا دأبك في كل حيــاتك، حتى لو فارقتنا وذلك من أوكد وأوجب التزاماتنا وشروطنا .
فقام الفتـى مذهولا، لا تكاد قدمـاه تقوى على رفع جسمه وقال لقد زدتني محبة لك، ولمعهــدك، ولا ولن أنس ما حييت موقفك .
أجابه الشيخ: ما هذا يا بني موقفــي؟ بل هو مبــدأ من مبدأ ديننا الحنيف أبينه لكل طلبتــي. حتى يعيشوا بغير عقـدة في المعهـد، رعتـك عناية الله يا بنـــــي .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com