نحن أحق بالمسيح.. يا أمة المسيح!/ الدكتور: عبد الرزاق قسوم
أعز الله الإسلام، ديننا الحنيف، الذي أدّبنا فأحسن تأديبنا، حيث جعل إيمان المؤمن منا لا يتم إلا بالإيمان ببقية الأنبياء والرسل. ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾[سورة البقرة: 136].
فنحن المسلمون، نؤمن بأنّ المسيح عيسى بن مريم رسول الله، هو أخ لرسولنا محمد، عليهما الصلاة والسلام، فالعناية بعيسى، تأتي مكملة للعناية بنبينا محمد، غير أنّ عنايتنا بالأنبياء، تسمو بنا عن التقديس أو التأليه للشخص، تنبع من اتباع النص، بدقة فهمه، وحسن تطبيقه.
لذلك فإنّ إحياء ذكرى ميلاد عيسى عليه السلام، تُنزّه في منظورنا الإيماني الإسلامي عن هذا الصخب الذي يطبعه الرقص، والغناء الماجن والطرب.
كما أنّ ذكرى إحياء الميلاد، يجب أن تطهر مـما يلصقها أهل الغرب به، من عربدة، وسكر، واختلاط فاضح، وهتك للأعراض، واستباحة كل الأغراض، والتسبب في المزيد من الأمراض، ولا يكون هذا، إلا بتأصيل معنى، النبوة، وتدقيق معنى الولادة والأبوة، والنأي بعيسى عليه السلام، مما يُلصق به من لُوثة التثليث، وربط المسيح- وهو كلمة الله-، إلى الله بالأبوة.﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ﴾[سورة النساء: 171].
نحن كمسلمين – إذن- أحق بعيسى بن مريم، من هؤلاء الذين يزيفون نصه، ويؤلهون شخصه، فيذيبون الفص، ويشجعون اللص، ويختزلون شرب الرحيق في مجرد الغناء والمص.
بدعة بشعة – إذن- هي هذه التي اعتادها الغرب المتغطرس بحضارة الفرد والشخص، فيُخرج معنى الدين من العبادة إلى العادة، ويسلس أمره، إلى من لا يحسن، الفهم، ولا التدين، ولا القيادة.
لهذه المعاني كلها، صاح فينا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قائلا: [لا تطروني كما أطرت اليهود والنصارى، عيسى ابن مريم] [أنا عبد الله ورسوله].
وقد وفّى الصحابة الأوفياء لهذا المبدأ، حينما لم يجعلوا من مولد محمد عليه السلام مناسبة للتأريخ، وإنما ربط التاريخ بالحادث الجمعوي للأمة، وهو الهجرة من مكة إلى المدينة، واتخاذ المناسبة تاريخا، لأنه يؤرخ لبناء الدولة والمجتمع، وهو بناء المجتمع الإسلامي على أسس صحيحة مطبقة للنص في المدينة، ومن تبعات ذلك، وثيقة المدينة التي هي اليوم مَعلم من معالم مواثيق حقوق الإنسان العالمية.
في ضوء هذه الحقيقة، يأتي اعتراض البعض منا، على عدم الاحتفال بالمولد النبوي، حتى لا يختلط على المسلمين الأمر باحتفالات أعياد الميلاد العادية.
ولئن كنا لا نعني المنع المطلق بالعناية بميلاد العظماء، إلا أننا نتحرى الدقة في كيفية التعامل مع الذكرى، فلا مانع عندنا من الحديث في ذكرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بذكر شمائله، والاقتباس من دلائله، وجلائله، ولفت انتباه الناشئة إلى ما يمكن تعلّمه من سيرة أعظم العظماء، معلمنا الأول محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا السياق أيضا، لا نضيق بالعناية بأعياد الميلاد، ولكن بعد أن نفرغها من مظاهر الشرك المادي والعقدي الذي يحيط بها، كالتثليث الذي يجعل من عيسى ثالث ثلاثة، وهي “الأب، والابن، وروح القدس”.
كما يجب تطهير عقول الأطفال من الغش والتزييف والطمع الذي يوهم الأطفال بأنّ الهدايا التي توضع لهم تحت المدخنة، إنما هي من تنزيل “بابا نويل” المسيح عليه السلام.
إنّ هذه الخرافات والأساطير هي التي شوهت وجه الدين، إضافة إلى تزييف كتبه وتعداد نُصبه، واصطناع حوارييه وصحبه.
لذلك فإنّ مطالبتنا، بتحرير عيسى من هذه الأوهام، هي تحرير للعقل الإنساني بمجمله من خرافة طالت مدتها، وامتدت عواقبها وشدتها.
فعندما نعود إلى الأناجيل المنسوبة إلى أشخاص على أنها نصوص مقدسة، ندرك الهوة الشاسعة بين هذه النصوص والواقع المعيش السائد في المجتمعات المسيحية.
فمن هذه النصوص نقرأ ما يلي: “إذا ضربك أحد على خدك الأيمن، فأدر له خدك الأيسر” وهي قمة في العفو، والتسامح والاستسلام.
ولكن، أين هذا مما يفعله الغرب المسيحي اليوم بشعوبنا، حين يصفعها بالدبابات والمصفحات، والطائرات العابرة للقارات،{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ}[الزخرف:76].
إذن، فقد سقطت خرافة مسيحية الغرب، وحضارة الدين المسيحي، على واقع الشعوب الآمنة المطمئنة. ولعل آخر عدوان على الإسلام والمسلمين وحقوق الإنسان، ما فعله الرئيس الأمريكي )ترامب(، ضد فلسطين والقدس، فهل بقي لدى أي عاقل، ولدى أي بصير، من غموض بعد؟
والأنكى، أن يقع هذا كله، ويتم الاحتفال بالميلاد، على الطريقة الماجنة الفاسدة التي أسلفنا، على مرأى ومسمع من رجال الكنيسة، وزعماء المسيحية، ومثقفي الغرب الذين لا يحركون ساكنا أمام ضحايا احتفالات الميلاد في كل عام، التي أصبحت موعدا لقتل الأبرياء، بالخمور والفجور، وسخائف الأمور.
وثالثة الأثافي، أن يشد الرحال إلى هذه المواعيد المأساوية، المذبذبون عندنا من المسلمين، هؤلاء المهزومون، المنسلبون، إنهم يشدون الرحال -وهم المؤمنون- ليشجعوا على الإثم والعدوان ومعصية الرسول، ويسهموا في تكريس الفساد بجميع أنواعه، ماديا واقتصاديا، ودينيا وأخلاقيا.
أليس من العار، أن تكلف دولتنا بحشد ستين ألف شرطي لتأمين الاحتفال بأعياد الميلاد في بلد مسلم؟
إننا نبرأ إليك -اللهم- مما يفعله البعض منا، باسم الوطن المسلم، في زمن بلغت الأزمة الاقتصادية في بلادنا أوجها، فماذا لو أنّ هذه الأموال التي تغدق أكلا، وخمرا وسفرا، على أعياد الميلاد، تُخصص لبناء مستشفى نموذجي في بلادنا، يخفف من عناء المرضى المكروبين، بدل أن يتوجهوا إلى مستشفيات تونس، أو باريس أو الأردن للاستشفاء؟!
وماذا لو بنينا معاهد وجامعات، ألن تكوّن لنا أجيالا علمية، بمنهجية عالمية متطورة؟!
إننا لا نملك إلا التبليغ، وقد بلّغنا فاللهم اشهد. وإننا نؤكد في الختام على أننا الأحق بالمسيح عيسى بن مريم في عقيدتنا وسلوكنا، من أمة المسيح في عربدتها، وصخبها وفجورها، احتفالا بمولد المسيح عليه السلام؛ والبون شاسع بين التعاملين مع أعياد المسيح.