هل تراجعت مكانة القدس في نفوس المسلمين؟/ عبد الحميد عبدوس
القدس أم القضايا العربية والإسلامية، والتي تمثل مفتاح الحرب والسلام في منطقة الشرق الأوسط، كما قال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، يبدو أن مكانتها بدأت تتعرض للانتقاص والافتراء عند بعض المثقفين العرب المعبرين عن مسار تهويد الوعي العربي، والهرولة السياسية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ففي الأسبوع الماضي، وبينما كانت القدس في قلب الحدث السياسي والإعلامي العالمي بعد تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار مضاد لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أدلى الروائي والمؤرخ المصري يوسف زيدان بكلام عن القدس كان متطابقا في شكله ومعناه مع ادعاءات الليكود الإسرائيلي بشأن القدس، فقد قال يوسف زيدان يوم الأحد 24 ديسمبر 2017 لقناة ONTV ( أون تي في ) المصرية الخاصة إن “القدس ليست مكانا مقدسا”. وقد أعربت السفارة الإسرائيلية في القاهرة عن سعادتها بهذا التصريح، وكتبت عبر حسابها الرسمي على (فيس بوك): “أسعدنا سماع أقوال الكاتب والمؤرخ يوسف زيدان في برنامج (كل يوم) الذي قدمه عمر أديب على قناة ONTV أول أمس الأحد ووصف زيدان للعلاقات الحميدة بين اليهود والمسلمين حتى قبل مجيء النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وحتى أيامنا هذه، مشيرة إلى أن جذور الحروب بين الطرفين تعود إلى المتطرفين”.
وقبل سنتين، أي في4 ديسمبر 2015 صرح يوسف زيدان الذي يتبنى ـ فيما يبدوـ افتراءات حاخامات اليهود عن المسجد الأقصى لقناة (سي بي سي) المصرية الخاصة قائلا:” إن المسجد الموجود في مدينة القدس المحتلة ليس المسجد الأقصى ذا القدسية الدينية الذي ورد في القرآن الكريم والذي أسرى إليه الرسول محمد” وزعم أن المسجد الأقصى الحقيقي الذي ذكر في القرآن يقع على طريق الطائف، بينما المسجد الكائن في فلسطين لم يكن موجودًا من الأساس في عهد الرسول محمد، وأن من بناه هو الخليفة عبد الملك بن مروان في العصر الأموي”.
وبعد هذا التصريح وصفت صحيفة (معاريف) الإسرائيلية، يوسف زيدان بأنه “المفكر الذي يمنح المسجد الأقصى لإسرائيل”.
أما المفكر الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف محمد عمارة فقد عقب على كلام يوسف زيدان قائلا: “إن ما قاله زيدان ليس جديدا بالنسبة للإسرائيليين والصهاينة، ولكنه جديد وغريب ومريب بالنسبة للمسلمين. ففي أبريل 1999 نشرت مجلة الأهرام العربي وثيقة منظمة الدفاع الإسرائيلية، التي كتب فيها رئيس المنظمة أن المسجد الأقصى ليس في القدس، ومن ثم فليس للمسلمين حقوق فيها، مدعيا أنه عندما نزلت الآية القرآنية {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} لم يكن هناك مسجد في القدس، وهو نفس ما قاله زيدان…ولم يكن التشكيك في المسلمات الإسلامية المقدسية فقط سوى المدخل الذي أراده الدكتور الأديب من أجل التشكيك في مجمل قواعد وأسس وركائز القضية الفلسطينية، لغرض في نفس يعقوب..فبعد التشكيك في قدسية القدس فلن يكون هناك (في اعتقاده) محرمات أو خطوط حمراء في القضية الفلسطينية”.
وزحفا على طريق هذا الانبطاح الفكري والسياسي وبعد صدور قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل في 6 ديسمبر2017 ، قال الباحث السعودي عبد الحميد الحكيم، مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في جدة: لقناة (الحرة ) الأمريكية: “إن القدس المحتلة رمزاً دينياً لليهود كما مكة المكرمة والمدينة المنورة بالنسبة للمسلمين” كما دافع عن المجتمع الإسرائيلي، قائلا: إن 70 بالمائة منهم يريدون السلام، وإن الصورة المأخوذة عنهم خاطئة. مضيفا:”نحن كعرب يجب أن نتفهم الطرف الآخر كما هو، ونعرف ما هي متطلباته لننجح في مفاوضات السلام”.
أما من الجانب السياسي العربي، وفي سابقة محيرة أعتبر وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة، قضية فلسطين قضية جانبية، فعشية التصويت في الأمم المتحدة على قرار يبطل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال وزير خارجية البحرين، يوم الأربعاء20 ديسمبر 2017 في تغريدة في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر):” ليس من المفيد اختيار معركة مع الولايات المتحدة حول قضايا جانبية بينما نكافح معا الخطر الواضح والحالي للجمهورية الإسلامية الثيوقراطية الفاشية”.
وفي شهر نوفمبر الماضي (2017) زعمت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية نقلا عن مصادر وصفتها بالمطلعة، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اقترح على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن تكون بلدة (أبو ديس) عاصمة لفلسطين.، كما ادعت الصحيفة، أن ابن سلمان اقترح على الرئيس الفلسطيني تعويضاً عن هذه التنازلات، وخاصة تقديم مساعدات مالية إلى الفلسطينيين وإلى عباس شخصيا، ولكن الأخير رفض هذا المقترح، كما زعمت الصحيفة أن إحدى أفكار السعوديين كانت تقضي بتخصيص أراض إضافية للدولة الفلسطينية المستقبلية في شبه جزيرة سيناء بدلا عن تلك التي ستخسرها بموجب الخطة.
غير أن المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو درينة، نفى صحة هذه الأخبار التي تحدثت عن عرض الأمير محمد بن سلمان، للرئيس محمود عباس، كما أن مسؤولا غربياً أفاد بأن السلطات المصرية قد نفت فكرة التنازل عن جزء من سيناء لتعويض الفلسطينيين.
والأكيد أن هذه التصريحات السافرة والتلميحات المقلقة تدل على تراجع مكانة القدس في فكر وضمائر المطبعين والمتخاذلين من المثقفين والسياسيين، تتناقض تماما مع مكانتها الراسخة والمقدسة في نفوس شعوب الأمة العربية والإسلامية التي تعتبر استرجاع القدس لأهلها الفلسطينيين حقا وواجبا في ذمة الأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وما ضاع حق وراءه طالب !