عين البصائر

ليكن مرورك طيبا وأثرك جميلا

أ. لخضر لقدي/

 

في طريقها من بغداد إلى مكة، شاهدت زبيدة زوجة هارون الرشيد ملك الدنيا يومها وساقية الحجيج معاناة الحجيح.
وقد كانت مصونة سخية، محبة للندى، كثيرة الكرم والسخاء.
أمرت بإجراء عين سميت عين زبيدة، أجرتها على مسافة تزيد عن أربعين كيلومتر ما بين الطائف ومكة مرورا بعرفة ومزدلفة ومنى فمكة، أنفقت عليها كل ذهبها، وقالت للمشرف: أكملها ولو كلفت ضربة الفأس مثقال الذهب.
استمر جريان العين 1200 سنة يروي مآثر ويخلد آثارا.
في رحلة حج زرت هذا المعلم، ووقفت على انحناءاته وصعوده وهبوطه.
وفي لحظات كانت أسرع من لمح البصر تذكرت من مر من صالحي هذه الأمة، ومن مر غيرهم من الطالحين على أرض الله الفسيحة، عمرها بعضهم بالخير وأكثرهم خربها بالشر.
يا الله…أسألك أن تجعل عملي كله صالحا ولوجهك الكريم وحده خالصا، فقد مر الجميع من هنا أو من هناك.
مروا وعمروا وجمعوا، كلهم رحلوا عن هذه الدنيا الفانية، رحلوا إلى دار المستقر، منهم من أخذ من ممره إلى مستقره ومنهم من هتك أستاره عند من لا تخفى عنه أسراره، وكلهم خرج منها ملفوفا في قطعة من قماش واحتل شبرا من أرض.
من هنا مر الجميع: العاشقون، والمغامرون، واللصوص، والتائهون الباحثون عن السراب، والعسس والحرس، والضاحكون والمضحكون، وجوقة الكذب، ومن احترف التزييف والتحريف والتخريف.
ومن هنا مر السالكون إلى الله، والسعداء بالله، الذين شغلتهم أنفسهم عن الآخرين، فاشتغلوا بإصلاح عيوبهم وطلبوا مرضاة ربهم.
هذه الدار يمر بها ومنها الجميع الكرام واللئام، من أسس بنيانه فيها على تقوى من الله ورضوان، ومن بناه على شفا جرف هار ينهار به في نار جهنم.
وفي الحديث: «من ذا الذي يبني على موج دارا، تلكم الدنيا، فلا تتخذوها قرارا».
ومن هنا تمر أنت وأمر أنا، ومن هنا يمر الجميع يمر من يضحك عليك إذا بكيت، ومن يشمت فيك إذا وقعت، ومن يصمت إذا ناديت أو شكوت.
يمر من هنا أهل الوفاء وأهل الجفاء، الصالحون والطالحون والمعمرون والمدمرون والجادون والهازلون، ومن بنوا وشيدوا ومن أفسدوا وحطموا وخربوا.
هذه الدنيا مرآة الأعمال وصدى الأقوال والأفعال، إن هي إلا أيام تروي صحائف الأعمال، فخلدها بالحسن الجميل، وكن كالذين إذا مروا مروا كراما.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com