النظرية القنفذية أو المسافة الآمنة

مداني حديبي/
في العلاقات البشرية خاصة بين الأحباب والأقارب لابد من ترك مسافة أمان وذوق وأدب واحترام ..هذه المسافة الجميلة تحفظ وتصون العلاقات من الانهيار أو الانبهار..
فالذي يقترب كثيرا يتعلق تعلقا مرضيا شديدا قد يؤذيه، والذي يبتعد كثيرا يقسو ويجف..
والفضيلة دائما بين رذيلتين ..هي الوسط الآمن المتوازن بين تطرفين ونقيضين..
وقد لمست أثر هذا في رسالة التعليم.. فلا أجمل من تلك المسافة التي تجمع بين الهيبة والمحبة.. فالطالب يحبك لأنه يشعر بقرب جميل ويحترمك لأنه يشعر بهيبة خاصة .. استثني من ذلك طلبة كراما كلما اقتربت منهم يزدادون لك حبا واحتراما.. حتى ولو ألغيت المسافة يظل مقامك عاليا عندهم وحبك راسخا في قلوبهم.
النظرية القنفذية:
(عندما يشعر حيوان القنفذ بالبرد يبدأ بالبحث عن إخوانه لكي يلتصق بهم حتى يشعر بالدفء . المشكله أن الشوك الذي على جسم القنفذ يجعل عمليه تقاربه مع أبناء جنسه صعبه ومؤلمة، نظراً لأنهم كلما تقربوا من بعضهم فإن الشوك الذي على أجسامهم يؤذيهم، فيقررون الابتعاد عن بعضهم، ثم يشعرون بالبرد فيقتربون مرة أخرى وهكذا..
في سنة 1851 تأمل الفيلسوف الألماني شوبنهاور في موقف حيوان القنفذ هذا واعتبرها واحدة من معضلات الإنسان الاجتماعية النفسية، وسماها:( مُعضلة القنفذ) Hedgehog’s dilemma
فالإنسان الوحيد يشعر باحتياج شديد لأن يقترب من الناس ويتفاعل معهم، وأن الوحدة تبقى قاسية جداً ومؤلمة بالنسبة للإنسان الطبيعي (مثل البرد بالنسبة للقنفذ)، فيقرر أن يفعل مثل القنفذ ويبحث عن أبناء جنسه ويلتصق بهم من أجل الدفء النفسي.
المشكلة أن التصاقه وقربه هذا لن يكون مصدر سعادة وراحة له على طول الوقت، وإنما العكس، مصدر ألم وتعب ( لنفسه ولأقرانه)، وهنا تتولد مشاعر سلبية كثيرة مثل الضغط النفسي والإحراج والفراق وغيرها . ومثلما يكون القنفذ مجبراً على إيذاء أقرانه، ذات القضية مع الانسان (لن يتعمد جرح أحد) وإنما هي الطبيعة البشرية ولكل منا أشواكه!!
نظرياً، فإن القنفذ وجد حلاً لهذه القضية، واستحدث طريقة بسيطة ناجحة، وهي عملية سماها شوبنهار الـ safe distance ( المسافة الآمنة)، فاستطاع القنفذ أن يختار مسافة معينة من السلامة، مسافة تضمن له الدفء الكافي، وفي نفس الوقت أقل درجة ممكنة من الألم).