اتجاهات

هكــــذا سيــسُـــوقنــــا الـمسـيـــح الــدجــــال

عبد العزيز كحيل/

 

ربما يستغرب بعض الناس كلامنا عن الدجال في «زمن العلم والاكتشافات وسيادة العقل»، والحقيقة أن هذا الموضوع جزء من الدين مثل جميع الغيبيات التي ذكرها القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم، لا ينكر المسلم شيئا مما ثبت منها إرضاء لما يسمى التنوير أو الحداثة… يقولون هذه خرافة؟ لهذا كتبتُ هذا المقال لنرى أين هي الخرافة وكيف يصدقها ويلهث خلفها «التنويريون» قبل غيرهم.
أحاديث الدجال ثابتة في الصحيحيْن، لعلّ أجمعها هذا الحديث الذي رواه مسلم، أقتطع منه فقرة متصلة بموضوعي:
– يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «…فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا، وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلا ممتلئا شباباً فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه، فيقبل ويتهلل وجهه يضحك…»
قبل هذا عرّفنا الذي لا ينطق عن الهوى بالدجال ووصفه لنا وعلمنا كيف نتقي شره وأوصى بدوام ذكره لتفادي الوقوع في حبائله:
– «ما كانت من فتنة ولا تكون حتى تقوم الساعة أعظم من فتنة الدجال، وما من نبي إلا وقد حذر قومه منه، ولا أخبرتكم منه بشيء ما أخبر به نبي قبلي، فوضع يده على عينه ثم قال إنه أعور وأشهد أن الله تعالى ليس بأعور» – متفق عليه.
– ألا أحدِّثكم حدِيثا عنِ الدَّجال ما حَدّث به نبيّ قوْمه، إنّه أعوَر وإنّه يجئُ معه بمثال الجنّةِ والنّارِ، فالتي يقول إنّهَا الجنّة هي النّار- متفقٌ عليهِ.
– لأجل ذلك علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا تشهد أحدنا في صلاته أن يستعيذ بالله من الأعور الدجال الملعون؛ يقول صاحب «فيض القدير»: فإنها أعظم الفتن وأشد المحن؛ ولذلك لم يبعث الله نبيا إلا حذر أمته منه.
إلى هذه الدرجة حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الدجال، لأنه فتنة كبرى للبشر، لا يكاد ينجو من مغناطيسه إلا قلة من الربانيين أصحاب العبودية الراسخة واليقين التام، وقد كنت أقرأ أحاديث المسيح الدجال وأتعجب أولا من التشديد النبوي على أمره، وثانيا كيف يخدع الناس ويتمكن من إقناعهم بدجله ويتبعه مؤمنون مسلمون، وهو لا يدّعي النبوة فحسب بل يدعي الربوبية، رغم أن أوصافه معروفة بسطها النبي صلى الله عليه وسلم، وحذر أتباعه أشد التحذير منه ومن فتنته،… بسهولة تنقاد له الجماهير ويدخلها النار وهي مبتهجة تسمع وترى… لكن زال عجبي حين رأيت بعيني ما يُشبه المسيح الدجال:
– فتاة مجهولة مرتدة عن الإسلام تعيش في أوروبا لا تعمل شيئا سوى أنها تصوّر فيديوهات روتينية تافهة عن الملابس النسوية الداخلية، أخبرت قطيعا من الفتيات بقدومها إلى الجزائر في وقت محدد، فاجتمعن بالمئات كالأنعام حولها، مهللات مصفقات وهي تمشي بينهن كالملكة المتوجة، تسوقهن حيث شاءت (ساقت بعضهن إلى مراكز الشرطة لأنهن لم يدفعن ثمن العشاء ظنا منهن أنه على حساب «معبودة الجماهير»).
– « مؤثرون» – يعني نماذج شبابية مشوهة لا علم لها ولا إنجاز ولا مستوى – تخدع أعدادا غفيرة من الجامعيين (أي العلماء) وتأكل أموالهم ببساطة تامة وبطرق ليست شيطانية بل أقرب إلى البدائية، هي مجرد إغراء وتلويح بالأفضل.
– كرة القدم: هذه هي الطامة الكبرى والداهية الدهياء…مثقفون ومتدينون – فضلا عن العامة – يصابون بالجنون والهستيريا بسبب فوز فريق أو خسارته، بعضهم يموت بالسكتة القلبية بسبب هدف تمّ تسجيله أو أخطا هدفه، يدخلون أنواعا من العداوات والدعوات الجاهلية، عداوات في البلد الواحد والمدينة الواحدة والبيت الواحد، وبين شعوب أخوية شقيقة، قوم مستعدون لإعلان الحرب على دولة جارة والموت والقتل من أجل البُف، إذا حان وقت المباراة لا تشغلهم صلاة ولا عبادة، لا يبالون بأذان ولا واجب ديني أو دنيوي، الكرة تشغل أيامهم ولياليهم ومجالسهم وصفحاتهم على فيسبوك… لقد تحوّلت ليس إلى أفيون أو مخدر كبير ولا مدّع للنبوة لكن إلى إله يُعبد مع الله أو من دونه… هذه هي الحقيقة.
أرأيتم الاستثمار في الاستحمار؟ أرأيتم كيف ستكون مهمة الدجال سهلة؟ إذا كان ريفكا، نوميديا، ايناس… يتلاعبون بالطبقة المثقفة معنى ذلك أن المسيح الدجال سوف يسوقكم «بالكفّ» بلا معجزات، بل يسوقهم إلى حتفهم بمجرد الإشارة… كيف لا ينساق له من تستعبدهم التفاهات وهو يحوّل الحجر ذهبا وينبت من القحط زرعا ويحيي أبويك من قبرهما ويغدق عليك بما اشتهته نفسك ويفتنك أشد الفتن كما ورد في النصوص الصحيحة الصريحة؟
– غير بعيد عن الحرميْن الشريفيْن أصبحت تُقام حفلات غنائية عملاقة، يُستقدم لها أفجر المطربين الذكور والإناث من العرب والغربيين، فيتسابق الناس إليها بمئات الآلاف في مشاهد غاية في الخزي، وهم الذين عاشوا حياتهم في ظلال القرآن والسنة والمواعظ ونفحات البقاع المقدسة.
كيف يثبت هؤلاء أمام الدجال الذي لديه قدرات خارقة يجريها الله على يديه تُحدث اهتزازا كبيرا في عقائد المؤمنين؟ أكثر من ذلك الدجال يعرفه كل من رآه، فهو كما ورد في الحديث النبوي «ممسوخ العين، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن وكافر كاتب وغير كاتب» – رواه مسلم… يعني يعرفه حتى الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب.
أرأيتم كيف ستكون مهمة الدجال ليست بالصعوبة التي كنا نظنها؟ ها هو الواقع يثبت لنا إمكانية ذلك.
والحل؟ إننا في حاجة إلى تجديد إيماننا، فقد بلي كما يبلى الثوب.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com