جمعية العلماء المسلمين في دورة مجلسها الوطني “همّ القدس شعارها الرسمي”/التهامي مجوري
تفتتح جمعية العلماء المسلمين الجزائريين هذا العام الجديد 2018م بانعقاد الدورة الخامسة لمجلسها الوطني الذي ستنطلق أشغاله يوم 16 ربيع الآخر 1439هـ، الموافق لـ: 4 جانفي 2018م، وسيدوم ثلاثة أيام.
والمجالس الوطنية الشورية للمؤسسات الحزبية والجمعوية في العادة، تعقد لتقييم نشاطها السنوي، بعرض تقريرها المالي والأدبي، ومناقشتهما وتقييمهما والتصويت عليهما سلبا وإيجابا، وتشكيل اللجان الوطنية لوضع البرنامج العملي للسنة المقبلة، بينما في جمعية العلماء هو إضافة إلى ذلك تقييم للأداء الوطني عامة، بتقييم الواقع الاجتماعي والثقافي والأخلاقي للمجتمع، باعتبار أن الجمعية ليست جمعية خيرية أو ثقافية، أو نقابة مطلبية محدودة النشاط، كما أنها ليست حزبا سياسيا يسعى من أجل الوصول إلى السلطة، وإنما هي مؤسسة دعوية يمتد نشاطها إلى عملية إصلاحية شاملة، انطلاقا من الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] [سورة آل عمران: 104].
ولذلك فإن الشعار الذي تضعه الجمعية لدوراتها الرسمية وانشطتها الثقافية والعلمية، شعارا رساليا عاما وليس خاصا ببعض ما تقوم به الجمعية وغيرها من تنظيمات المجتمع المدني، فشعار دورة العام الماضي، وهي الدورة الرابعة للمجلس كان “الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء”، وهو الشعار الذي وضعه ابن باديس رحمه الله لأول صحيفة أسسها في الربع الأول من القرن العشرين، فالحق والوطن ليسا من مهمة ابن باديس وحده، ولا هو من واجبات جمعية العلماء المسلمين وحدها، وإنما لكون الشيخ الرئيس والجمعية التي كان رئيسها الأول، يحملان رسالة حضارية عامة وهي رسالة الإسلام الذي لا تسعد الإنسانية إلا به كما قال الإمام الرئيس، كان شعارهما بأن بداية الجزائر كانت ولا زالت في تقديس هذين المبدأين وهما: الحق والوطن.
وإذا كان ابن باديس قد رفع هذا الشعار قبل أكثر من 90 سنة، فإن الجزائر لا تزال في حاجة إلى التذكير بهذا المبدأ الأصيل، وهو أن الحق فوق كل أحد، فوق السلطة وفوق المعارضة وفوق الأحزاب وفوق الجمعيات، وفوق جمعية العلماء المسلمين وسائر النخب؛ لأنه المبدأ الذي ينبغي أن يخضع إليه الجميع، سواء الحق الذي هو الحقيقة العلمية والاجتماعية والسياسية، أو هو الحق الذي يناضل العاجزون على الوصول إليه من أهله، والوطن قبل كل شيء؛ لأن الذي لا وطن له لا بقعة له على هذه الأرض، فالذي لا ينتسب إلى مجتمع ووطن، كمجهول النسب، ومن ثم فإن إهمال الوطن إهمال لانتماء كان ينبغي أن يكون قبل كل شيء.
لا شك أن ابن باديس عندما وضع هذا الشعار كانت الأرض محتلة والناس مستعبدون…! واليوم الأمر مختلف…!
ولكن ضياع الحق بسبب تحكم أهل الأهواء فيه لا يزال قائما…! وتهديدات البلد بما يحيط به من أطماع استعمارية، وأمراض ثقافية واجتماعية، وتمزق اجتماعي وسياسي، يهدد البلاد بالانفجار لا قدر الله.
أما شعار دورة هذا العام فهو “رحاب القدس كرحاب مكة والمدينة” وهو يمثل الدائرة الأوسع وهي الدائرة الإسلامية، الدائرة التي تلي دائرة الوطن، والانشغال بهمّ الأمة لا يقل أهمية عن الانشغال بهموم الوطن ومناصرة الحق في مواجهة الباطل وأهله، ذلك أن مدينة القدس تتعرض هذه الأيام إلى ما لم تتعرض له في تاريخها، ومناصرتها مناصرة للحق الشرعي والديني العقدي، وامتداد لمناصرة القضايا الوطنية بجميع أبعادها.
وربما قد تعذر بعض الشعوب التي لم تعرف الاستعمار أو لم تعرف صورته التي كانت في الجزائر، فإن الجزائريين لا عذر لهم في التخلي عن القضية الفلسطينية عموما، وقضية القدس والمسجد الأقصى خصوصا؛ لأنهم ذاقوا مرارة الاستعمار الاستيطاني العنصري الذي عاشه مع فرنسا، ولا تزال إلى اليوم تتجرع مرارته بما خلفت من قيم لا وطنية فاسدة، وذهنيات مهزوزة قابلة للاستعمار على حد تعبير بن نبي رحمه الله، ولذلك كانت جمعية العلماء سباقة إلى فهم القضية من أساسها، فجمعت التبرعات وأوفدت الوفود إلى فلسطين منذ بدايات احتلالها، يوم كانت البلاد مستعمرة…! وكذلك اليوم ليس من المعقول أن ننصر القدس يوم كنا مستعمرين، ونتخلى عنها وهم مستقلون…! وإن فعلنا ذلك فإننا إذا لخاسرون.