أزمة كورونا وآليات تجاوز الإهدار التربوي
د. خالد شنون */
يشكل الإهدار التربوي إحدى مجالات البحث والتنقيب العلمي التي استقطبت العلماء والباحثين في تعليم النشء، حيث يعنى بما لم يحقق من أهداف التربية والتعليم، ومخلفات المدرسة من تأخر دراسي ورسوب، ونزعة إلى الشعور باليأس وضعف تقدير الذات لدى المتعلم … الخ كما يبحث هذا المجال العلمي مستوى تحقق الأهداف التربوية ونقائص ومعيقات العمل التعليمي والتعلمي، خاصة وأن المناهج والبرامج المقننة تبنى على أساس هامش الاستدراك ومعالجة النقص في التحصيل وبناء الكفاءات قبل تفاقمه، بل ووضع مخطط متابعة جاد ومقنن، يسايره مخطط تحصين المنظومة من العثرات أثناء تنفيذ المشروع التربوي وتطبيقاته في المدرسة، بل يعنى هذا بتسجيل المستجدات المتسارعة والتي تحد من تيسير التربية والتعليم، مما يعني أن القائمين على الشأن التربوي عليهم إلزامية التخطيط لأي طارىء قد يشوب مسيرة التعلم لدى التلميذ ومسيرة التعليم لدى المعلم.
ويتحدث الخبراء والباحثون في التربية والتعليم عن الإهدار التربوي حيث تضيع التعليمات وقت الأزمات، والثغرات الجامدة في نشاط التلميذ، فأزمة كورونا مثلا غيرت العديد من سلوكيات الأفراد وتفاعلهم الاجتماعي، بل وغيرت في مسيرة النشء وتعلمهم، وهذا لا ينكره في زمن الكورونا، مما يجعل من تشخيص منظومة التعليم وفق أزمنة تدريس تختلف عن أزمنة التدريس في الأوقات المبرمجة في الأوقات العادية يختلف ومخرجات الأهداف والكفاءات التي يشوب زمنها العديد من الإهدار والنقص،،، والسؤال هل تدارك القائمون على المنظومة هذا الإهدار المتوقع حتى لا أقول الحقيقي، وكيف يمكن تجاوز الإهدار التربوي ومخلفاته الاجتماعية في تخطيط المنظومة التربوية، خاصة وأننا نعيش أكثر من سنة دراسية في ظل الوباء؟
أعتقد أن الجواب ينطلق من مقاربة تقييم التربية والتعليم، وبإدخال عامل الزمن، وعامل الفراغات الزمنية الاستعجالية الحقيقية والمتوقعة، وعامل الدراسة بنصف الحجم الساعي، وكذا عامل الاستدراك والوسائل المسخرة للتعويض في زمن التعلم من تعليم عن بعد ومدعمات مكملة، حيث تلعب هذه الأخيرة دورا في تدارك الإهدار وزمن التعلم الضائع أثناء الأزمات ،، وهنا يذكر أن التربية المقننة والمنهجية هي تلك المبنية على مقاربات التنبؤ بأحداث المستقبل، فإذا كانت الكفاءات في المناهج تعنى بسياقات استعمال المعرفة وكذا التربية للمستقبل، فهل المنظرون والقائمون على تعليم النشىء بنوا استراتيجية قابلة للتنفيذ والقياس، اهتمت بما يتوقع من تعلم وتحقق للأهداف وما يتوقع من إهدار للتعلم والتعليم؟ وكيف يمكن تدارك الإهدار التربوي وقياسه قياسا صادقا، حيث يتدارك في استراتيجية تحصين المدرسة والمنظومة التربوية من الأخطار الناتجة عن أزمات العصر كالكورونا، هنا يتوجب على منظومتنا الوعي بأن هندسة التربية والتعليم، تنطلق من الاحتياجات التربوية وفق مدخلات الظروف المعاصرة والمتنبؤ بها، وتنتهي بوضع رقم يحدد نسبة إلى أي مدى تحققت الأهداف وما نسبة تجاوز الإهدار التربوي الناتج عن التدخلات الممنهجة في تصحيح المسيرة التربوية للتربية والتعليم، وحينها تكون التربية والتعليم بابا كبيرا يحصن ويتجاوز الكورونا ويحقق للمنظومة التربوية نمذجة تربوية معاصرة تتكيف مع الأزمات المعاصرة، بل تتحداها بقوة تعلم ذاتي لدى التلاميذ وتدريس فعال يوظف الوسائط التكنلوجية بطريقة منهجية واعية، يتجاوز بها التأخر والإهدار في تحقيق أهداف المنظومة التربوية..
* جامعة الجزائر 2