مساهمات

من ملف الذاكرة الوطنية/ الأحزاب السياسية الفرنسية والحركة الوطنية الجزائرية وثورة نوفمبر 1954 «الحزب الاشتراكي» والشيوعي نموذجا

باريس/سعدي بزيان/

الحزب الشيوعي الفرنسي ودعوة الجزائريين إلى الانخراط في مشروع الاتحاد الفرنسي الحقيقي الذي يسعى من خلال ذلك إلى تكوين امبراطورية فرنسية من كافة مستعمراتها، وهذا يعني أن يتناسى الجزائريون المطالب الوطنية، الأساسية وفي مقدمتها الاستقلال، وقد رأينا كيف أن قيادة الحزب الشيوعي ترفض الحوار مع جبهة التحرير، وقد حاول المناضل الفرنسي فرانسيس جانسون الذي شكل شبكة باسمه لدعم اتحادية فرنسا بجبهة التحرير سنة 1957، إقناع قيادة الحزب الشيوعي للقاء قادة الاتحادية، وتقديم دعم مادي ومعنوي للثورة الجزائرية، بل بالعكس رأينا قيادة الحزب الشيوعي تتوعد مناضلي الحزب بالعقاب الصارم، إذا أقدم واحد منهم بدعم الاتحادية، فإنه سوف يتعرض لسحب بطاقة العضوية منه وطرده، ولمن أراد مزيدا من التفاصيل مراجعة دراسة نشرت في البصائر في 28 نوفمبر 2012 للكاتب سعدي بزيان.
واعترف جاك جوركي وهو أحد قادة الحزب الشيوعي الذي استقال من الحزب بسبب حرب الاتحاد السوفياتي وموقف الحزب من ثورة الجزائر وله كتب في الموضوع، بأن الجزائريين غدوا يعتبرون الحزب الشيوعي الفرنسي والاستعمار الفرنسي وجهان لعملة واحدة، وقد حاول الحزب الشيوعي والاشتراكي معا في عهد بومدين أن يصلحا ما أفسدته سنوات حرب التحرير الجزائرية وقد رأينا أن الحزب الشيوعي الفرنسي في حفلته السنوية كان يستدعي وفد جبهة التحرير لحضور هذا الحفل، وأن جريدته ظلت لفترة توزع في الجزائر، وقد تلقى كل من الحزب الاشتراكي والشيوعي دعما ماليا من قبل الجزائر في ظل حكم بومدين أما في زمن المحنة، وبالضبط خلال حرب التحرير وحاجة الجزائر إلى الدعم المالي أو المعنوي على الأقل، فلم نجد من الشيوعيين ولا الاشتراكيين أي دعم، بل إن مسؤولي أحد قادة الحزب الاشتراكي نال تزكية في البرلمان من طرف نواب شيوعيين واشتراكيين ومنحوا له سلطات خاصة للقضاء على الثورة الجزائرية، وهذا روبير لاكوست المقيم العام في الجزائر وهو من الاشتراكيين كان يبشر الفرنسيين بأن نهاية الثورة الجزائرية في ربع الساعة الأخيرة.
ويصرح لاكوست قائلا/ «لا أحد من الفرنسيين يرضى أن يرى فرنسا تطرد من أرض تقيم فيها بحكم قانون السلاح، وهذا غي موللي الاشتراكي يحاول أن يغرد خارج سرب أعضاء من حزبه إذ يعترف بالشخصية الجزائرية، ومثله في ذلك المؤرخ الفرنسي الكبير شارل أندري جوليان الذي له عدة كتب ودراسات حول الجزائر وهو مختص في شمال إفريقيا، يعترف بأن الجزائر ليست فرنسا، في حين ظل غي مارين يهذي ويطلق تصريحات غريبة، يرد فيها على أولئك الذين يعتقدون أن استقلال الجزائر يعني الرخاء والتقدم، ولكن في الحقيقة هو مجرد إقامة نظام شمولي إقطاعي شبهه ببعض الأنظمة العربية.
الجبهة الشعبية التي ولدت سنة 1936، بالاشتراك مع الشيوعيين، اعتبرت في بداية تأسيسها وحسب تصريحاتها بشيرا للوطنيين الجزائريين وخاصة حركة نجم شمال إفريقيا، التي ولدت في مارس 1926 في باريس، وتذكر أحد المصادر الموثوق بها أن جماعة من المحافظين على الأمن التابعين للحزب الشيوعي الفرنسي قاموا في 27 جانفي 1937 بطرد مناضلين جزائريين تابعين لنجم شمال إفريقيا، بأوامر من الجبهة الشعبية لأن هؤلاء كانوا ينشدون أناشيد وطنية جزائرية، وعقب ذلك حل النجم. وقد ظهرت الجبهة الشعبية على حقيقتها كامتداد للسياسة الاستعمارية الفرنسية وقال قادة النجم «إنهم خانونا» فهم هكذا يقدمون وعودا بلا عهود منذ الاحتلال إلى الاستقلال. وجه آخر من الشخصيات الاشتراكية غردت خارج السرب وتحدت سياسة الحزب وهو بيرتراند دولانوي من الحزب الاشتراكي وكان رئيسا لبلدية باريس ومن مواليد بنزرت بتونس، وكل الذين تعاقبوا على بلدية باريس وجلهم من الديغوليين لم يتخذوا أي إجراء مفيد للعرب ولبناء المغرب العربي ويذكر الأستاذ العربي كشاط عميد مسجد الدعوة سابقا، أنه تقدم عدة مرات إلى رؤساء بلدية باريس السابقين أطلب منهم رخصة توسيع مسجد الدعوة وإعادة بنائه وفق الهندسة المعمارية الاسلامية فلم يرد علي واحد منهم ما عدا بيتراند ولانوي الذي استجاب للطلب ومنح لي رخصة في الحين وقد تحدى الديغوليين عندما أقام لوحة في جسر سان ميشال تخلد 17 اكتوبر 1961 من المناضلين الجزائريين فلا شيراك ولا تيبري قام بهذا العمل بل هم عارضوا بشدة لأن الجريمة وقعت في جمهورية دوغول وقد صرح دولانوي وهو ينصب هذه اللوحة التذكارية رمزا لشهداء من العمال الجزائريين، قائلا لقد أردت أن يتم الاعتراف على الأقل من طرف عاصمة فرنسا بهذه الجريمة التي غطت عليها السلطات الفرنسية والتي أعتبرها خطأ سياسيا ومعنويا، وهو يقول هذا الكلام عندما وضع إكليلا من الزهور أمام اللوحة التي وضعتها البلدية سنة 2001، وقال دولانوي هذا الكلام أمام شخصيات سياسية وتاريخية ومسؤولي الجمعيات وشهود المأساة وأضاف: «علينا أن نكف عن إخفاء الحقيقة عن هذه الجرائم الاستعمارية إن الاستعمار خطأ وهو يمثل سيطرة شعب على شعب آخر وعلى اعتقادي الشخصي وعلى تصوري لعظمة فرنسا ولهذا لن أقبله، وما ذكرته في هذه الدراسة لا يلخص مواقف الحزبين الشيوعي والاشتراكي من قضايا الوطنية، ومع الأسف الشديد لا نكاد نجد دراسة مفصلة كتبها أساتذة العلوم السياسية في الجزائر عن الأحزاب السياسية الفرنسية بما في ذلك الجبهة الوطنية التي أسسها جان ماري لوبان وخلفته ابنته ماري لوبان التي أسست مؤخرا حركة التجمع الوطني وهي وأبوها معاديان للعرب والمسلمين والمهاجرين.
الجيل الجديد من الاشتراكيين الذين لم يعيشوا فترة استعمار الجزائر أكثر تفتحا على مستعمرات فرنسا السابقة، علما بأن القادة الفرنسيين سواء منهم الاشتراكيون أو اليمينيون كلهم يناصرون المغرب على الجزائر، ففي المغرب أكبر مصنع لسيارات رونو، وهو أكبر مصنع لسيارات رونو، استطاع في السنوات الأخيرة تصدير الآلاف من سيارات رونو إلى القارة الإفريقية وشاركوا في إقامة السكك الحديدية للقطارات السريعة وهو الأول من نوعه كذلك في القارة الإفريقية.
هولاند الرئيس الاشتراكي الذي عرف الجزائر قبل أن يصبح رئيسا حيث قضى فترة تربص في القنصلية الفرنسية في حيدرة سنة 1978، عندما تخرج من مدرسة الإدارة في باريس وزار الجزائر وهو رئيس الحزب الاشتراكي سنة 2010، وهو يعد العدة للرئاسيات مايو 2012 وعندما زار الجزائر وهو رئيس للجمهورية أكد للصحافيين أنه لم يأت لزيارة لطلب الغفران، ولا السماح، بل يريد كما قال أن يذهب أبعد من ذلك ويبدو أن العقدة الاستعمارية مازالت تتحكم في عقلية قادة فرنسا السياسيين وخاصة إزاء الجزائر فقد لاحظ قادة الجزائر أن فرنسا تؤيد المغرب في قضية الصحراء .
والخلاصة أن هناك ملفات كثيرة عالقة بين الجزائر وفرنسا وتحتاج من فرنسا إلى جرأة كبيرة إلى معالجتها ومنها الاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر خلال الاحتلال وخلال ثورة نوفمبر 1954، وهي جرائم وثقها مؤرخون فرنسيون أنفسهم ولعل من بينها جرائم التجارب النووية التي تمت فوق التراب الوطني الجزائري ولا يزال المئات من الجزائريين يعانون من آثارها دون أدنى تعويض ومنذ أيام قدمت قناة فرنسا24 ملفا بعنوان: تذكرة عودة إلى رقان، وقالت إن الفرنسيين الذين تعرضوا للإشعاع النووي تلقوا تعويضات في حين لم يتلق الجزائريون أدنى تعويض فكان المفروض التعويض عن آلاف القرى التي دمرت وآلاف المعطوبين من الحرب، ومئات من الذين ماتوا من جراء الألغام التي انفجرت في وجوههم ولم يقدم الفرنسيون خرائط عن هذه الألغام، ستتولى الجزائر تطهير أرض الجزائر من آثار الاستعمار الفرنسي، وقد استوت في هذا الموضوع مواقف الاشتراكيين واليمينيين فهم كلهم على حد سواء في هذا الموضوع وخاصة وقد ساعدهم على ذلك صمت القادة السياسيين الجزائريين فلم نعد نسمع الحديث عن تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر ولا الحديث عن التجارب النووية وما انجر عنها من آثار أصابت البلاد والعباد وآثارها تبقى لمئات السنين.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com