شعاع

يا للـهول …كل هذا الفكر الأعوج والخرافي في مجتمعنا

يكتبه: حسن خليفة/

عند التمعّن والتأمل فيما تمّ نشره وتداوله، على نطاق شبه واسع، في الأيام القليلة الماضية، في سياق هزيمة المنتخب الوطني مع قبل مباراته الأخيرة، وبالأخص منه ما يتعلق بتفسير الهزيمة على أنها نتيجة من نتائج «أعمال السحر الشعوذة»، التي قام بها خصوم الفريق الوطني.
وعند التمعّن والتبصّر ـمرة أخرى ـ أن ذلك صدر من عدد كبير من المتابعين والأنصار(ذكورا وإناثا) والوصول إلى حد التفكير في إرسال «راق»، وذُّكربالفعل اسم أحدهم… يتبيّن لنا ـ ويا للهول ـ أن مجتمعنا منخرط في التفكير الأعوج(حتى لا أقول شيئا آخر).. بشكل صار يدعو إلى الاهتمام والمعالجة بشكل جاد.
تُــرى كيفَ ابتلعت هذه الجماهير الكثيرة الكثيفة، وبعضها بمستويات علمية وثقافية لا بأس بها…أو على الأقل كيف ابتلع جزء كبير منهـا «أضاليل « وأوهامـا وتصوّرات غير صحيحة عن العين، والحسد، والسحر، وما يتبع هذه الأمور، فصاروا يفسرون بها بسهولة مرعبة ما يحدث؟!.
وهاهنا يجب التأكيد على أهمية قراءة الواقع ، في ضوء هذا الانخراط العاطفي الأعمى، في «نصرة» المنتخب الكروي، واستخدام الفكر الخرافي الوهمي الأعوج في التفسير والتبرير والإقناع.
ودون الدخول في تفاصيل جزئية تتصل بالاستغلال السياسي غير النزيه، من أكثر من طرف، بما في ذلك السلطة نفســها، للمنتخب الذي كاد يصير «الإنجاز الوحيد» المفرح والسار في وطننا، وهذه خيبة كبيرة وضخمة… وإشكال متعدد الأوجه والمستويات .وليس هذا مجال تفصيله وبيانه.
المهم ..
إن ّ انخراط المجتمع في مستويات متعددة في هذا التفكير يؤكد أننا ما نزال على بعد كبير من الدين القويم الصحيح، وما نزال أيضا بعيدين عن الفهم الدقيق والعميق لمسائل الدين ،ومسائل الغيب، خاصة ما يتعلق منها بالجوهرالغالي، ونعني العقيدة هنا. وهذا أمر غاية في الخطورة .
ولو أردنا أن نتوسع في الموضوع لوجدنا ما يعضد هذا الكلام بقوة؛
• فانتشار «الرقاة» بمختلف مستوياتهم ومختلف توجهاتهم ومختلف أساليبهم في كل مكان تقريبا، والإقبال الرهيب عليهم (ولا يعني هذا أننا ضدهم هنا كما سنبين).
• وانتشار الزيوت المرقية(السبع زيوت ، والعشرزيوت الخ …) ، والأعشاب ذات الصلة بالسحر والعين وما أشبه ؛
•وانتشار المشعوذين والمشعوذات ـ نسأل الله العافية ـ ليس سوى دليل على وجود «أنصار» ومتابعين كثر من الجنسين (الرجال والنساء). ووجود مهتمين ومهتمات .
ومن يلق نظرة فاحصة متفحصة، ويحسن قراءة المجتمع، ويستمع إلى الناس في تجمعاتهم، ويقرأ ما يُكتب ويذاع ويُنشرسيجد زحف هذا التفكيرالأهوج الأعوج وانتشاره الوسيع في مختلف طبقات وشرائح المجتمع، والمقصود هنا: التفسير الذي يصطحبه الكثيرون لعديد من القضايا والظواهربأن وراء ذلك سحر، وعين، وحســد :
فالكسول الفاشل يفسّر خيبته بأن به عينا، والتاجر غير الماهر وغير الصادق الذي أصيب في تجارته يفسر ذلك أيضا بالعين والحسد وربما السحر، والطلبة والطالبات في الجامعات يفسـرون/ ويفسّرنَ أيضا تقهقرهم العلمي وسوء درجاتهم (وتدحرج نقاطهم) وعدم توفيقهم في مسارهم الدراسي والعلمي بأن ذلك جراء ما أصابهم من «عينين العرب» !، وهكذا يتوسع الجميع في تفسير خيباتهم وفشلهم وتراجعهم وسوء ما أصابهم بأنه ضرب من ضروب السحر والعين والحسد…
وذلك يعني إلقاء التبعة ( في الفشل والنكوص والتراجع ) على الآخرين، وتبرئة النفس من كل مسؤولية، كما يعني أيضا اعتماد السهل غير الممتنع وهو استصحاب هذا التفسير البسيط الهزيل لتبرير ما حدث ويحدث لهم، وأن وراءه «عين ـ سحر ـ حسـد»… !!
كل ذلك لا يعني أننا ننكر:العين الحسد السحر، بل هي موجودة وللأسف منتشرة أيضا، ولكن لا يمكن تعليق وتفسير كل شيء يصيبنا بأنه بسبب الحسدو العين والسحر، كما لا يمكن أيضا تبرير كل خيباتنا وتراجعاتنا وما أكثرها في الحياة بأنها نتيجة من نتيجة عمل السحر وما في دائرته.
إن الأقرب إلى الصواب أن نراجع أنفسنا ونعمل على تفسير ما يجري بموضوعية ونزاهة وجراءة وصدق، وهاهنا قد نجد الكثير من الأسباب وراء «فشلنا» أو انكسارنا، أوهزائمنا أو تراجعنا ..
الأقرب إلى الصواب أن نستصحب الإيمان ونستصحب المنطق في تفسير ما يجري حولنا أو ما يجري لنا. فنفك الشفرات وننطلق وفق المنطق القرآني «والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبُلنا»..ومنطق «ومن يتّق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب» ومنطق التوكل «اعقلها وتوكّل» بحيثيات قرآنية إيمانية عظيمة الشأن وعظيمة الأثر، حيثيات قادت سادتنا الأوائل من الصحابة والتابعين إلى فتح الدنيا كلها مع قلة في العدد ، وقلة في الزاد والعتاد، وقلة الإمكانات، لكن مع وفرة في الإيمان وقوة في اليقين، وصدق في التدين، وصدق مع الله وحُسن توكّل عليه .
لو راجعنا أنفسنا، بقليل من المتعّن والتبصّر، لوجدنا أن ثمة إشكالا ضخما في إيماننا المنقوص، وعقيدتنا (الملهلة) وتديّننا المغشوش غير المتبصر، ولوجدنا أن صلتنا بالله تعالى وبدينه في نقصان وإلى مزيد من النقصان…وهذا أحد مداخل الشيطان في التلبيس علينا مرة بالعين والسحر، ومرات أخرى بقضايا أخرى «يوسوس» بها الشيطان عليه لعنة الله وجنده من الجن والإنس.
أيها المسلمون.. إن الدين للواقع .. للحياة …للحيوية، للعمل، للتشييد، للإعمار، للبذل، للجهد والاجتهاد، للنظام والتنظيم، للتبصّروالتخطيط، والعمل الدائب… وليس للكسل و«التفنيين» وفنون التبرير…
ويا أيها الدعاة إلى الحق سبحانه: ما أكبر واجباتكم وما أضخم مسؤولياتكم في إعادة قطار المجتمع إلى السكة.. سكة الصلاح والإيمان والإسلام، وإن ذلك يبدأ بالعقيدة وينتهي بالعقيدة. ومن يبحث يجد النقص الفادح في تعليم العقائد وغرس القيم الإيمانية الربانية في النفوس.. بالقرآن والسنة والتاريخ المجيد للسلف الصالح العظيم .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com