أثـــار ضجـــــة إعلاميـــــة فــي الساحـــــة الفرنـكـوفـونيـــة: ندوة دولية حول كتاب ” الله والعلم والبراهين”
أ. محمد مصطفى حابس: جنيف / سويسرا/
كتبت منذ أسابيع قراءة أولية لكتاب ” الله والعلم والبراهين” بالفرنسية، والكتاب ثمرة بحث دام 3 سنوات بالتعاون مع 20 متخصصا في علوم مختلفة، وقد أثار هذا الكتاب ضجة كبيرة في الساحة الفرنكوفونية خصوصا، بيعت منه 70 ألف نسخة في ظرف شهرين فقط، وكنت قد وعدت القارئ الكريم بإتمام القراءة العامة والنقدية أحيانا لبعض أجزائه خاصة الأخيرة منها، التي فيها شطحات منسوبة للدين خاصة المسيحية واليهودية، ومع مرور الوقت اطلع بعض الزملاء الطلبة والأساتذة على جزئه الأول وما نشره الدكتور نذير طيار -حفظه الله- في صفحته، وغيره.. أخبرني أحد الأحباب أن ندوة دولية حول هذا الكتاب، ستعقد هذا الأسبوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي من طرف أساتذة من أهل الاختصاص، فشكرته وقلت في نفسي، ” اتهنى الفرطاس من حكان الرأس”، إذ استبدلت ما كنت أنوي إتمامه، بتغطية لهذه الندوة التي لَخَّصَت عموما ما كنت أرغب في كتابته حينها..
طبعا هذه الندوة الدولية التي حضرها جمهور معتبر من الداخل والخارج، نظمتها “أكاديمية الثقافة السننية للتجديد الحضاري” الجزائرية، عبر تطبيقات الزوم- عن بعد-، بعنوان: قراءة علمية ونقدية لكتاب (الله، العلم والبراهين) شارك فيها كل من البروفيسور محمد سعيد مولاي من جامعة باب الزوار بالعاصمة، والبروفيسور عبد الوهاب العمري من جامعة أم البواقي، والدكتور عبد الله لعريبي رئيس الأكاديمية، مع حضور عدد من المعقبين أساتذة وباحثين ومهتمين من داخل وخارج الوطن.
طبعا يصعب علي تلخيص كل ما جاء في الندوة بتلك المنهجية العلمية الصارمة من طرف المتدخلين في هذا الحيز الضيق والتي دامت ساعة و 40 دقيقة عدا التدخلات، لكن سأنهل من حيل مهنة المتاعب، كما هو معلوم لدى بعضهم أن للصحافة أحيانا طبيعة اختزالية، فهي تبخّر ما يقع تحت يدها من أخبار، ثم تكثّفه، ثم تقتطع منه، ثم تصيغه وفق ما يلائم الحال، ثم تبسّطه بحيث تكون قراءة الموضوع مناسبة للسواد الأعظم من القراء، “دون أن نجوع الذئب ولا نبكي الراعي”، كما يقول المثل الشعبي الجزائري..
الندوة انطلقت بعد تلاوة مباركة من القرآن الكريم من طرف أحد شباب الأكاديمية، بعدها قدم الدكتور عبد الله لعريبي الخطوط العريضة العامة لسير الندوة، كما قدم تعريفا مقتضبا عن الكتاب ومؤلفيه الفرنسيين ميشيل إيف بونوري وأوليفيي بونسيس، وصاحب تقديم الكتاب الأمريكي روبرت ويلسون الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء، معرجا على سبب إدراج ندوة عاجلة مع بداية السنة الجديدة لأهمية الموضوع، علما أن الكتاب صدر في أكتوبر 2021 فقط.
وقد هز الكتاب أركان الإلحاد في فرنسا وقلب قناعات قديمة حول العلوم والإيمان رأسا على عقب، واعتبره المؤلفان فجر ثورة، محدثا ضجة إعلامية في الصحف والقنوات الغربية والأوساط الفكرية والثقافية والعلمية، إذ يهدف الكتاب إلى إثبات وجود الله استنادا على علوم المادة والأحياء، الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا، خلال القرن العشرين، سيما نظرية الانفجار العظيم (البيق- بانق) التي أثبتت أن للكون بداية، وأسقطت كل النظريات الفلسفية والعلمية القائلة بأزلية الكون، كما أشرنا لذلك في مقالنا السابق.
مذكرا ببعض الأسباب التي جعلتهم يخصصون دراسة علمية ونقدية عاجلة لهذا الكتاب، منها:
1- تحصين الشباب من تيار الإلحاد الخطير، المستشري خاصة في ديار الغرب.
2-لأن بعض البراهين العلمية التي استدل بها المؤلفان قائمة على السنن الإلهية المبثوثة في الآفاق، كما يقول الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء في تقديمه للكتاب:” لم يكن للكون أن يستمر كل هذا الوقت ويصل إلى هذه المرحلة، لو لم يضبط ضبطا فائقا، فتغيير طفيف جدا في كثافة الكون البدائي كان سيؤدي إلى واحد من أمرين، إما توسعا سريعا جدا في الكون بحيث يستحيل تشكل الشمس والأرض، وإما توسعا بطيئا يؤدي إلى انهيار جديد قبل ولادة الشمس منذ 4.7 مليار سنة، مختتما مقدمته، بقوله: “فهذه الشهادة تعزز منظور السننية الشاملة الذي تقوم عليه الأكاديمية، والذي يرى أن الكون والإنسان والحياة تحكمهم سنن إلهية دقيقة ومضبوطة لا تتحول ولا تتبدل..”.
الكتاب في حاجة لقراءة نقدية، مع تبيان خلفية أصحابه وتوجهاتهم السياسية والروحية :
بعده أحيلت الكلمة للبروفيسور محمد سعيد مولاي من جامعة باب الزوار، وهو العالم المتخصص في الرياضيات والمهتم بالإعجاز العلمي في القرآن، ليبدأ بتقديم ممنهج مركز، بقراءة شاملة موسعة عن الكتاب، ذكر منها:
السياق العام الذي ظهر فيه الكتاب، إذ بين أنه منذ ما يقرب من أربعة قرون، من كوبرنيكوس إلى فرويد مرورا بجاليليو وداروين، تراكمت الاكتشافات العلمية بطريقة مذهلة، مما أعطى الانطباع بأنه من الممكن شرح الكون دون الحاجة إلى اللجوء إلى إله خالق. وهكذا في بداية القرن العشرين، انتصرت المادية فكريا.. وبطريقة غير متوقعة ومذهلة، تغير مجرى العلم في الاتجاه الآخر بقوة لا تصدق، إذ تعاقبت اكتشافات النسبية، وميكانيكا الكم، وتوسع الكون، وموته الحراري، والانفجار العظيم، والضبط الدقيق للكون، مما نسف القناعات الراسخة لدى العقل الجمعي للقرن الـ 20 إلى الحد الذي يسمح لنا اليوم أن نقول إن المادية، التي لم تكن إلا مجرد اعتقاد مثل أي اعتقاد آخر، في طريقها إلى أن تصبح اعتقادا غير عقلاني، مبينا أن الكتاب ينقسم إلى قسمين، البراهين العلمية والبراهين من خارج العلم، إذ يرى أنه علمي بامتياز، لأنه عرض الأدلة العلمية الفيزيائية والبيولوجية الحديثة الدالة على وجود الله، وفيه الرد العلمي الفيزيائي والبيولوجي الدقيق الداحض للرؤى، أما قسم البراهين من خارج العلم فهو قائم على البراهين اللاهوتية، وبراهينه غير منطقية وغير معقولة.. تحتاج إلى قراءة نقدية، مبينا خلفية أصحابه، معرفا بالمؤلفين وتوجهاتهم السياسية والروحية، التي لا يستطيع التحدث فيها إلا من له ثقافة واسعة وشاملة عن العلم والعلماء في فرنسا بالخلفيات المعروفة لأصحاب الكتاب، علما أن الدكتور مولاي عاش في فرنسا ودرس فيها، معرفا أن ميشال إيف بولوري مهندس في الإعلام الآلي وشريك شقيقه في مجمع بولوري الصناعي، منها الشركة الكبيرة التي بيعت وتحولت إلى شركة إنتاج اليورانيوم في النيجر ( أريفا)(Areva).
وهو أيضا عضو في الجمعية المسيحية (أوبيس داي – صنعة الله)(OPUS DEI -l’œuvre de Dieu).
أما أوليفيي بوناسيس، فهو خريج المدرسة المتعددة التقنيات، وخريج المدرسة الكاثوليكية بباريس (أوبيس داي – صنعة الله)، ومؤسس مركز السيدة مريم أم المسيح عليه السلام في مدينة الناصرة، بفلسطينAssociation .Marie de Nazareth
كما بين الدكتور مولاي، بقوله: في الجزء الثاني “البراهين لا صلة لها بالعلوم” أصلا، بل براهين فلسفية على حد تعبير المحاضر، بعيدة عن التخصص، علما أنه حتى مصطلح “الخبير” بدعوى التخصص، فككت كثيرا من العلوم، إذ كانت – على سبيل المثال- الفلسفة كلا، ثم تفكّكت، شذر مذر: فك إقليدس الرياضيات عن الفلسفة، وفك كوبرنيكوس علم النجوم عن الفلسفة، وفك نيوتن الميكانيكا أو علم الحركة عن الفلسفة، وفك داروين البيولوجيا عن الفلسفة، وفك فرويد علم النفس عن الفلسفة، والآن صارت العلوم الادراكيةCognitive science تنفك تدريجيا عن الفلسفة. إذ لا ريب أن الفقر الفكري صار مُدقعا”، على حد تعبير، ألان دونو، المفكر الكندي.
ولباسكال كلمة شهيرة في نقد التخصص، بحيث يقول، ما ترجمته “بما أنك لا تقدر أن تكون شاملا وأن تعرف كل ما يمكن معرفته من كل شيء، فأعرف من الكل بضعه، فأحسن لك أن تعرف البعض من كل شيء من أن تعرف الكل من شيء واحد. إن هذا الشمول لأجمل، ولو تيسّر لك الأمران لكان أفضل لك…”، مختتما بقوله، بأن المادية عقيدة مخالفة للمبادئ العقلانية، مركزا على قراءة سننية لبعض آيات القرآن الكريم، عن خلق الإنسان من أصل واحد، من طين..أول بيت وضع للناس.. لتنذر أم القرى ومن حولها.. الخ من الآيات العلمية من القرآن الكريم..
الجزء الثاني من الكتاب عبارة عن خرافات لاهوتية من اليهودية والنصرانية :
بعده أحيلت الكلمة للبروفيسور عبد الوهاب العمري من جامعة أم البواقي، ركز على أن الجزء الثاني من الكتاب عبارة عن خرافات لاهوتية من اليهودية والنصرانية، أو ما اصطلح عليه أصحاب الكتاب بالإبراهيمية، معيبا على أصحاب الكتاب استعمال مصطلحات بعيدة عن العلم والمنطق، كمصطلح “المسيح المنقذ أو المخلص”، وهناك تناقضات عديدة أصلا في الكتاب المقدس خاصة الإنجيل الحالي، ناصحا بالرجوع إلى بعض المراجع ككتاب “إظهار الحق” لرحمة الله الهندي، الذي أحصى فيه صاحبه 125 خطأ وتناقضا في كتاب مقدس!! و 110 أغلاط لا تصح بأي حال و 45 شاهدا من التحريف اللفظي بالنقصان و20 تحريفا لفظيا بالزيادة!! متسائلا عن “الأسفار” الجديد والقديم أننا لا نعرف عددها، مبينا أن الإنجيل ينسب إلى الحواريين الأربع ولا ينسب لسيدنا عيسى عليه السلام، ناصحا بقراءة كتب منها “رسالة في اللاهوت والسياسة “، و” الكتاب المقدس في الميزان”، و” العقائد الوثنية في الديانات النصرانية” و” خرافات الإنجيل” وغيرها، مقترحا أنه مع بعض الزملاء ينوون كتابة دراسة تصحيحية نقدية للجزء الثاني للكتاب ونشرها بالعربية والفرنسية في القريب العاجل، وهو الأمر الذي ركز عليه بعض المعقبين في نهاية الندوة..