من تنشيط الأستاذ محمد أكرم فلاح، محاضرة بعنوان: لغز طبيعة الزمن وسيناريوهات نهاية الكون

تغطية: فاطمة طاهي/
يعرّف الفيزيائيون الوقت بأنه تقدم الأحداث من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل ويمكن اعتبار الزمن أنه البعد الرابع للواقع، ويستخدم لوصف الأحداث في الفضاء ثلاثي الأبعاد، إنه ليس شيئا يمكننا رؤيته أو لمسه أو تذوقه، ولكن يمكننا قياس مروره. في هذا السياق نظمت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ندوة علمية بعنوان: “لغز طبيعة الزمن وسيناريوهات نهاية الكون”، نشطها الدكتور محمد أكرم فلاح المتخصص في الفيزياء النظرية، أستاذ بجامعة كندا، وذلك يوم الأحد 06 جمادى الآخرة 1443هـ الموافق لـ 09 جانفي 2021، بمقر جمعية العلماء، بحضور الدكتور عمار طالبي، نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين، إلى جانب ثلة من الأساتذة والباحثين المهتمين بموضوع الإعجاز العلمي في الفيزياء.
هذا وأشار الفيزيائي محمد أكرم فلاح في محاضرته التي تناولت موضوع: “لغز طبيعة الزمن وسيناريوهات نهاية الكون”، إلى إشكالية الزمن باعتباره آية من آيات الله والذي يعد من أهم المشكلات التي لا تزال محل اهتمام الباحثين قائلا: “كل ما هو موجود متزمن في الزمان، يبدأ في زمان وينتهي في زمان”، حيث أكد الدكتور أن الزمن يبقى لغز الطبيعة الذي حير العلماء والمختصين والفلاسفة، باعتبار أن المعلومات الموجودة حوله قليلة جدا مقارنة بالمعلومات المتوفرة حول المكان، وقد عالج المحاضر هذا الموضوع من زواياه الثلاثة: تدفق الزمن، سهم الزمن، قياس مرور الزمن.
ذكر الدكتور محمد أكرم فلاح بأن: ” تدفق الزمن” بدأت مع أرسطو الذي عرّفه بـ ” قياس تغير الأحداث”، وذلك باعتبار أن الأحداث تتغير يعني الزمن موجود، حيث شبه أرسطو الزمن بـ ” نهر يتدفق من الماضي إلى المستقبل مرورا بالحاضر”، وحسبه أن الحاضر هو “الحقيقة”، واستشهد الدكتور محمد أكرم فلاح في هذا السياق بالحقيقة القرآنية في قوله تعالى:{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}، قائلا: يعني الست أيام موجودة قبل خلق السماء والأرض، وبالتالي يعتبر الزمن موجودا قبل الأحداث وقبل الكون وقبل التغير.
أما حسب “نيوتن”: فالمكان المطلق مركزه الشمس، حيث يعود التأثير الأكبر على تصورات العلم في العصر الحديث عن الزمن إلى إسحاق نيوتن الذي غدت نظريته عن المكان والزمان قاعدة عامة لعلم الطبيعة الكلاسيكي.
وبموجب هذه النظرية فإن “الزمن المطلق، والحقيقي، والرياضي ينساب بانتظام دون ارتباط بأي شيء خارجي”. ولكن انسجام نظرية الزمن المطلق هذه مع التوصيف الأحدث للعالم راح يتناقص تبعا لتقدم الاكتشافات الجديدة في علوم الطبيعة.
اعتُبر الزّمن في عصر نيوتن أحد الكميّات المطلقة والمتدفّقة بشكلٍ متساوٍ حتّى مجيء عصر العالم آينشتاين الذي قدّم تفسيراً عميقاً لمعنى الزّمن في علم الفيزياء حيث ربط مفهوم الزّمن بالفضاء، أمّا علم الميكانيكا الكلاسيكيّة فقد اعتمد على تفسير نيوتن للوقت.
آينشتاين افترض الثبات واللانهائيّة لسرعة الصوت في نظرية النسبيّة الخاصّة به، حيث أظهر عن طريق هذه النظريّة التفسير المنطقيّ لمعنى أن يكون هناك حدثان متزامنان، حيث يتطلّب هذا الأمر لوجود مسافة مضغوطة بالإضافة لظهور فترات زمنيّة بشكل طولي للأحداث المرتبطة بحركة الأجسام نسبةً لمراقبة ذاتيّة.
وحسب أينشتاين حررت نظرية ألبرت أينشتاين النسبية الفيزياء من هيمنة نظرية الزمن المطلق، فالمكان والزمان- وفق نظرية انشتاين- يشكلان وحدة لا تنفصل. ومع ذلك فوجود الكتل “الأجسام” التي تسبب الجاذبية فيؤدي إلى اعوجاج المكان- الزمان “الزمكان”، أي أن الزمن فقد خاصية الامتداد المطلق الذي لا يرتبط بأي شيء.. وصار ممكنا أن يجري على نحو مختلف في أماكن مختلفة من الكون.
وبشأن نظرية النسبية المتعلقة بالزمن، وضع هذا العالم تفسيرا مبسطا للقراء يقول إن: “المدة الزمنية تختلف من شخص إلى آخر، حيث يمكننا القول إن الساعة التي يقضيها المترجل على الطريق تكون أبطأ من الساعة التي يقضيها سائق السيارة على الطريق، وهذه الساعة تعد بدورها أبطأ بكثير من الساعة التي يقضيها سائق الطائرة في الجو وهكذا دواليك، وذلك نظرا لأن الحركة تختلف بينهم”.
كما تحدث الفيزيائي محمد أكرم فلاح عن خصائص الثقب الأسود مشيرا إلى أنه يقول العلماء إن الثقب الأسود عبارة عن بؤرة مظلمة تصل فيها الجاذبية إلى مستوى هائل، بحيث يستطيع أن يجذب إليه كل شيء، حتى إنه يستطيع أن يمتص الضوء، وينشأ الثقب الأسود عندما يصل عمر النجم إلى نهايته، وحين تتلاشى الطاقة التي تحافظ على تماسكه خلال حياته، فتبدأ مرحلة الانهيار ويحصل انفجار هائل، وعقب ذلك، تسقط كافة المواد التي خلفها الانفجار في نقطة صغيرة وغير متناهية، لكن الجدير بالذكر، هو أن هذه المخلفات تزيد عن كتلة الشمس بعدة مرات، كما وضع العلماء مجموعةً من النظريّات لتفسير تشكل الثقب الأسود، ومن أشهر هذه النظريات أنّ الثقوب السوداء كانت نجوماً عملاقة في حياتها السابقة، ولكنّها فقدت طاقتها فتحوّلت إلى ثقب أسود؛ فالنجم مصنع كبير للطاقة مصدرها التفاعلات النووية الهائلة التي تحدث للمكوّن الأساسيّ للنجوم وهو الهيدروجين.
وبالتالي يتشكل الثقب الأسود عندما تصل النجوم هائلة الحجم إلى نهاية حياتها بحيث تنهار على نفسها ليتبقى منها حيّز عالي الكثافة وشديد الجاذبية إلى حدّ لا يمكن حتى للضوء الإفلات منه، حيث يقوم هذا المارد في المجرة بابتلاع كل ما يقترب منه من كواكب وضالّات فضائية ربما حتى سفن الفضاء التي ضلّت طريقها في الماضي.
أما الثقب الأبيض فهو مفهومٌ رياضيٌّ بحت قائم على طرح الكتلة والمادة من النجم المنهار؛ بحيث يكون الجزء المتفرّد عديم الكتلة. يحاول الفيزيائيون من خلال هذا التعريف تفسير مصير الكواكب أو أيّة مادةٍ مبتلعة في الثقب الأسود.
والثقب الأبيض هو المكوّن المعاكس للثقب الأسود، أي أنه في الوقت الذي يجذب الثقب الأسود كل شيء، حتى الضوء نحوه، فإن الثقب الأبيض يدفع كل شيء بعيدا عنه، وبما أن قوانين النسبية العامة لم تحدد اتجاهًا محددا للزمكان وبما أنه تم إثبات وجود الثقب الأسود، فبنفس الطريقة يمكن أن تكون الثقوب البيضاء موجودة.
تقول النظرية بأن الثقوب السوداء التي كانت في الماضي قد جذبت كل شيء من محيطها وابتلعته، وتحت ظروف معيّنة ستتحول إلى ثقوبٍ بيضاء تعيد طرد كل ذلك. ومن هنا جاءت الثقوب البيضاء كجواب محتمل لسؤال النسبية العامة عن إمكانية فقدان البيانات الزمكانية عبر الثقوب السوداء.
تقترح النظرية أن عملية التحوّل هذه تحدث مباشرةً بعد تكوّن الثقب الأسود- ولكن بما أن الجاذبية تمدد الزمان، سيبدو الأمر بالنسبة للمراقبين من الخارج “الأرض مثلا” وكأنه استغرق ملايين السنين، فإذا كان أصحاب هذه الفرضية على حقٍ فإن الثقوب السوداء التي كانت قد تشكلت منذ ملايين السنين ستكون الآن جاهزة للتحول إلى ثقوب بيضاء، وهو ما سنشاهده من الأرض كإشعاعات عالية الطاقة في الفضاء.
وفيما يخص الثقب الدودي توضح نظرية آينشتاين أن قوة الجاذبية تنجم عن الطريقة التي تعتمدها الكتلة في ثني نسيج الزمان والمكان، وهو ما يعني أنه كلما ازداد حجم الكتلة في منطقة ما من الفضاء، ازدادت مساحة الزمكان وتباطأت حركة عقارب الساعات القريبة منها، وفي حال تزايد تركيز الكتلة في مكان واحد، سيصبح الزمكان مشوها لدرجة كبيرة حتى أن الضوء لا يستطيع الهرب من جاذبيته، وهو ما سيقود إلى تشكيل ثقب أسود.
كما أن الثقب الأسود هو مفهوم أبرزته النظرية النسبية من خلال فكرة تحدب وتقوس الزمكان، حيث تحدث العالم الشهير ألبرت أينشتاين لأول مرة عن الثقوب الدودية من نظريته النسبية العامة، والثقوب الدودية كانت تعرف أصلا باسم جسور، ويعتقد بأنها فجوات في الزمكان.
كما أن الثقب الدودي هو فرضيا عبارة عن أنبوبة رقيقة أو ممر ذو فتحتين عبر نسيج الزمكان، لذا يفترض في الثقب الدودي أن لديه فتحتان على الأقل تتصلان مع بعضهما بواسطة ممر واحد، ويصل هذا الثقب بين نقطتين مختلفتين في الفضاء، ويشكل طريقا مختصرا للمسافات الشاسعة، وهو كذلك افتراض فيزيائي معروف كحل صحيح لمعادلات أينشتاين في النسبية العامة، وعلى الرغم من أن الرياضيات برهنت على إمكانية وجود الثقوب الدودية، إلا أنه لم يسبق أن تم ملاحظتها أو رصدها في أي مكان في الكون.
هذا وصرح الدكتور محمد أكرم فلاح أنه لا وجود لسؤال للزمن بل حول أجزاء للزمن، كما تحدث عن رأي أحد الفيزيائيين المتمثل في “تزايد الفوضى في الكون إلى نهاية الكون”، ومن جهة أخرى قال الدكتور أن الله سبحانه وتعالى لما خلق الكون لم يجعل له تكرارا.
هذا وأشار الدكتور إلى ما يسمى بـ “السفر عبر الزمن” حيث تقضي نظرية آينشتاين بأن التنقل بسرعة الضوء يتمحور حول مبدأ النسبية، حيث سيمر الوقت عاديا بالنسبة للشخص الذي هو بصدد التحرك، لكنه سيبدو للناظرين كأنه مجمد في الزمن، في حين أن هؤلاء سيبدون له وكأنهم يتحركون بسرعة كبيرة إلى الأمام. لكن لن يكون التنقل بسرعة تتجاوز سرعة الضوء بالأمر اليسير، حيث سيتطلب ذلك مقدارا غير محدود من الطاقة.
ويضيف بأن الزمن هو عبارة عن ثلاثة أجزاء متكاملة: تدفق الزمن، وسهم الزمن وقياس مرور الزمن، وبأن السفر عبر الزمن هو جزيئة من سهم الزمن، ويضيف : توجد معادلات من الماضي إلى المستقبل ومن المستقبل إلى الماضي.