جدل «نظام التقليد» والحداثة
أ. عبد القادر قلاتي/
في كلّ لحظة تَحوُّل جديد في العالم الإسلامي، يعود سؤال التجديد للظهور محملاً بأعباء السنين، وبُعد لحظة بزوغه كإطار واقعي ومنطقي للنّهوض الحضاري، وفشلنا -المتكرّر في استثماره – كانطلاقة موضوعية لها مبرراتها وخصائصها المستمدة من الجدل الذي فرضه واقع اصطدام العقل العربي الإسلامي بالحداثة الغربية، فكان السؤال بصيغته المعهودة في أدبياتنا الفكرية، يتكرر باستمرار، دون النَّظر حتى في إمكانية التحقق من صواب هذه الصيغة، أو تعديلها مع كلّ تَحوُّل جديد.
لماذا تقدم غيرنا وتأخرنا؟ سؤال يختزل حالة الصدمة التي عاشها العالم الإسلامي، وهو يجابه المشروع الاستعماري الغربي، الذي جاء غازياً لعموم الجغرافيا الإسلامية، لكنه جاء أيضا متحدياً لثقافتنا وتراثنا الحضاري، الذي رحل إلى عموم أوروبا ذات يوم مع سقوط آخر ثغر للمسلمين هناك(سقوط غرناطة)، وفعلت يومها الدورة الحضارية فعلتها، وانتقلت الحضارة من العالم الإسلامي إلى الغرب، معلنة بدء مسار جديد للبشرية، مسار مختلف تماماً عن المسار السابق، القائم أساساً على المنطق الديني، في حين جاء المسار الجديد ليعلن القطيعة التامة مع هذا المنطق، معلنًا الرجوع إلى التراث اليوناني، كمستند ومرجع موضوعيّ للإطار الحضاري الجديد، لذا لم يتمكن العقل الغربي من التملص من نظام التقليد القديم، سواء عند اليونان، أو ما أخذه من المنجز الحضاري في الاندلس، ولهذا رأينا كيف سَوَّق الغرب لمفهوم الحداثة باعتبارها منجزا أوروبيا خالصا، حتى يكون لها الغلبة على نظام التقليد (اليونان كمرجعية فكرية، والأندلس كمنجز علميّ ومعرفيّ) الذي يعتبر أساس الحضارة الغربية المعاصرة، وهذا بشاهدة الكثير من مفكري الغربي أنفسهم، فجدليّة المقابلة بين نظام التقيد والحداثة، مازلت حاضرة بقوة في المجال التداولي الغربي، أما سؤال ما بعد الحداثة، فهو فرصة الاحتياط التي يستثمرها الغرب عندما يعجز عن الإجابة عن الأسئلة الراهنة، فهي حالة من الهروب نحو الأمام تعطي نفساً للتفكير في صياغة إجابات مقنعة وحقيقة، ناسيا أن الهروب نحو المابعد يستوجب فرض الجدلية نفسها، لكن بتغيير الآني والمعيوش، بالقادم والمستشرف، فتتحوّل الجدلية من صيغة: نظام التقليد والحداثة، إلى نظام التقليد وما بعد الحداثة.