من ملف الذاكرة الوطنية / الأحزاب السياسية الفرنسية والحركة الوطنية الجزائرية وثورة نوفمبر 1954، الحزبان الاشتراكي والشيوعي «نموذجاّ»

باريس/سعدي بزيان/
تصريحاتهم تدينهم وتكشف عن آرائهم ومواقفهم..
الاستعمار رسالة تمدن وتحضر للشعوب المتخلفة.. وكلمة «الاستقلال» لا وجود لها في أطروحات الاشتراكيين من جان جوراس إلى فرانسوا ميتران 1916-1996 وكذلك الأمر بالنسبة للشيوعيين فهذا مارسال أدموند نيجلان الذي شغل منصب الحاكم للجزائر وهو من الحزب الاشتراكي فرآه عندما عيِّن مقيما عاما على الجزائر يصرح قائلا: «إنه يستغرب بقوة وبيد من حديد على يد الذين يحاولون الانفصال عن فرنسا ويثيرون الشغب في المجتمع، وقد نزل هذا التصريح بردا وسلاما على قلوب أوروبي الجزائر، وقد التجأ نيحلان إلى اتخاذ اجراءات صارمة ضد المواطنين الجزائريين وخاصة حركة انتصار الحريات الديمقراطية حزب مصالي الحاج وقد دخل نيجلان الاشتراكي التاريخ من بابه الواسع كأكبر مزور للانتخابات في الجزائر قصد إقصاء الوطنيين وفتح الباب أمام بني وي وي أي العملاء وأنصار الاستعمار الفرنسي فرانسوا هولاند «الاشتراكي» عن باقي قادة فرنسا من الاشتراكيين فيما يتعلق بجريمة 17 أكتوبر 1961 في باريس والتي ذهب ضحيتها حوالي 300 شهيد ومثل هذا العدد من المفقودين وتم ذلك في عهد الديغوليين فكان فرانسوا هولاند أول رئيس اشتراكي أو يميني يعترف بأن ما ارتكبته شرطة موريس بابون محافظ الشرطة لباريس وحوض السين جريمة في حين أمسك كل من شيراك وجيسكار، وساركوزي، عن أي تعليق ودون حتى استنكار بل إن الديغوليين عارضوا بشدة ما قام به بيرتراند دولانوي رئيس بلدية باريس من إقامة لوحة تذكارية على جسر سان ميشال تدين جريمة 17 أكتوبر 1961، ضد المهاجرين الجزائريين حيث كانت شرطة موريس بابون ترمي الجزائريين في نهر السين وللعلم فإن بيرتراند دولانوي من الحزب الاشتراكي ومن مواليد بنزرت شغل منصب رئيس بلدية باريس وقام بأعمال لم يستطع مسؤول فرنسي القيام بها حيث أقام ساحة موريس أودان وساحة الأمير عبد القادر وساحة محمود درويش وهو عمل لم يقم به أحد قبله، ولا أعتقد أن أحدا من قادة فرنسا في المستقبل يستطيع القيام بعمل مشابه لما قام به دولانوي الذي شذ عن كثير من قادة الحزب الاشتراكي ومن منا ينسى ما قام به الاشتراكي غي مولي سنة 1956 عندما منحه الشيوعيون والاشتراكيون في البرلمان سلطات خاصة للقضاء على ثورة الجزائر، وفي عهده تحالف مع البريطانيين والصهاينة للعدوان على مصر وكان القادة الفرنسيون يرون في مصر المناصر القوي للثورة الجزائرية وقضايا المغرب العربي فلا بد من تحطيمها انتقاما منها لمواقفها إزاء قضايا تحرر المغرب العربي ولا نزال نحن الذين عشنا ثورة نوفمبر نذكر موقف فرانسوا ميتران عندما كان وزيرا للعدل صادق على عشرات أحكام بالإعدام ضد المواطنين الجزائريين والغريب أنه عندما وصل إلى الحكم في 10 مايو 1981 عين روبير بادنتار وهو محام كبير وزيرا للعدل ويهودي الأصل وفي عهده أصدر ميتران قرارا بإلغاء عقوبة الإعدام في فرنسا، ومن أغرب التصريحات التي أدلى بها رئيس وزراء فرنسا الاشتراكي إيمانوال فالس قائلا إن فرنسا بلا يهود ليست فرنسا، وفالس من أصول إسبانية وهو ذو اتجاه صهيوني من الطراز الأعلى وقال في عهد ميتران أن فالس واقع تحت تأثير زوجته اليهودية وهو لسان إسرائيل في فرنسا، ويرفض المساس بالسياسة الاسرائيلية وقليلا ما نجد بعض القادة الاشتراكيين يناصرون قضايا التحرر في المغرب العربي أو على الأقل يتخذون موقفا منصفا كما رأينا عند الوزير آلان سافاري الذي شغل منصب كاتب الدولة للشؤون المغاربية عند اختطاف طائرة قادة جبهة التحرير الخمسة فقد استقال احتجاجا على عملية القرصنة هذه، وهي أول عملية قرصنة من هذا النوع حدثت في التاريخ المعاصر، الاشتراكي ادموند فيجلان يحذر فرنسا من مغبة ضياع شمال إفريقيا، وقال أن ضياع شمال إفريقيا هو ضياع كامل أفريقيا الشمالية والاتحاد الإفريقي.
وعلى منواله يصرح فرنسوا ميتران قائلا: إن الجزائر هي فرنسا ومن فلاندر إلى الكونغو يوجد قانون واحد، ووطن واحد وبرلمان واحد هكذا دستورنا، وهنا نجد اليمين واليسار يشكلان وجهان لمواقف واحدة، فلم يعد هناك فرق بين ميتران الاشتراكي ولا موقف دوغول الذي ظل يردد مقولته المعروفة من دانكيرك إلى تمنراست وطن واحد هي فرنسا، وأنه ما دام دوغول حيا فلن يرفرف علم جبهة التحرير فوق الجزائر، وحدث العكس تماما حيث رفرف علم جبهة التحرير لا على الجزائر فقط بل فوق سفارة الجزائر في باريس وفوق أكثر من عشرين قنصلية موزعة فوق التراب الوطني الفرنسي وصدق المؤرخ الفرنسي شارل روبير آجرون في كتابه: «السياسة الاستعمارية في المغرب العربي، لا يوجد فرق بين القادة والأحزاب السياسة الفرنسية يمينها ويسارها شيوعيون واشتراكيون كلهم ينظرون إلى الجزائر كمستعمرة فرنسية يجب الحفاظ عليها وزرع ثقافة اللغة الفرنسية ونمط العيش الفرنسي فيها.
الحزب الاشتراكي الموحد بقيادة ميشال روكار يختلف تماما عن الحزب الاشتراكي برئاسة ميتران ذي التوجه الاستعماري وله مواقف إزاء ثورة نوفمبر مخزية ظلت تطارده حتى بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية الفرنسية، فميشال روكار كان مؤيدا لاستقلال الجزائر، ففي سنة 1957 نشر تقريرا حول المحتشدات التي أقامها الجيش الفرنسي خلال حرب التحرير وحشر فيها مئات الآلاف من الجزائريين من مختلف الأعمار والظروف اللاإنسانية عانى منها الشعب الجزائري معاناة شديدة وتسبب في وفاة المئات من الأطفال بسبب نقص الأغذية وغياب العلاج، وكان صديقا للأستاذ محمد عزوز رحمه الله أهم من كتب عن هذه المحتشدات اللاإنسانية وكان هو واحدا من ضحاياها، وقد نقل صورا من المعاناة اليومية للمجاهدين في هذه المحتشدات وكان ميشال روكار في حياته كثيرا ما يردد مقولة «إن ما يخجلني في حياتي هو ماضي فرنسا الاستعماري، وكان الباحث والسياسي غسان سلامة كتب دراسة عن ميتران الاشتراكي شرح فيه طموحه وطموح فرنسا، فقال «إن ميتران كان يحلم بإقامة امبراطورية فرنسية تبدأ من شمال فرنسا ليلا وتنتهي ببرازافيل مرورا بكامل المغرب العربي وكان يرى أن الوطنيين المغاربيين المعادين للاستعمار الفرنسي بأنهم لا يعرفون في أي عصر يعيشون، ولذا يجب تأديبهم، وأن التفاوض الوحيد مع الثوار الجزائريين هو الحرب، والحزب الاشتراكي الفرنسي منذ إنشائه 1905 إلى الآن وهو لا يخلو من شخصيات يهودية في قيادة الحزب أو شخصيات واقعة تحت النفوذ اليهودي الصهيوني من ليون بلوم اليهودي إلى ميتران المسيحي واقع تحت النفوذ اليهودي الصهيوني وهو لا ينفي ذلك فزوجته يهودية ومستشاره يهودي.
وكان لوران فابيوس رئيس وزراء في جمهورية ف. ميتران وهو الذي عينه على رئاسة الوزراء رفض استقبال ياسر عرفات خلال زيارته لباريس، وفابيوس يهودي الأصل، ورفض استقبال ياسر عرفات يعني موالاته للسياسة الصهيونية لحكام تل أبيب وميتران الاشتراكي، كان وزيرا للمستعمرات وقبوله هذا المنصب يؤكد تأييده للسياسة الاستعمارية الفرنسية في المغرب العربي وإفريقيا .
الاشتراكيون والشيوعيون القاعدة والاستثناء
عندما ندين الشيوعيين والاشتراكيين من خلال مواقفهم إزاء قضايانا الوطنية فإننا نعني القيادات وينبغي استثناء شخصيات عديدة من الحزب الشيوعي وقفت معنا ثورتنا التحريرية موقفا مشرفا، والمثال على ذلك –موريس أودان- وحرمه، وهنري علاق وما لحقهما من تعذيب وقيل بالنسبة لأودان وكليهما شيوعيان وقد لاحظنا أن شبكة فرنسيس جانسون لدهم اتحادية فرنسا لجبهة التحرير، تضم عدة أفراد أعضاء سابقين في الحزب الشيوعي والبعض منهم ظلوا مرتبطين بالحزب وقد تعرضوا للتهديد وسحب بطاقة الانخراط منهم، إذا ثبت وأنهم يدعمون جبهة التحرير. الغريب أن غي موللي الاشتراكي عندما تم تعيينه على رأس الحكومة الفرنسية جعل من أولوياته وأولويات سياسته إيجاد حل سلمي للقضية الجزائرية، بل وجميع قضايا المغرب العربي وكان ذلك سنة 1956، وأن سياسته إيجاد حل سلمي للقضية الجزائرية بل وجميع قضايا المغرب العربي وكان ذلك سنة 1956 وأن سياسته الأساسية تتمحور حول السلام في الجزائر والاعتراف بالشخصية الوطنية الجزائرية واعتبر الحرب في الجزائر مجرد عبث.