المعركة قائمة وقادمة… ولا يسعنا إلا الاستعداد لها
أ. لخضر لقدي/
نخوض معارك متعددة الجوانب كثيرة الجبهات متشابكة المصالح، منها معارك مع الذات، وأخرى مع أعداء الخارج، وثالثة مع أعداء الداخل، ورابعة ضد الفساد والاستبداد والظلم والاستعباد…وخامسة وسادسة..
والجيل الذي نشأ في العقود الأخيرة لم يشهد حروبا باردة ولا معارك ساخنة، ولم يعرف صراعا فكريا ولا أدبيا، وإنما نشأ في بيئة راكدة تنشد الراحة والدعة وتطلب رغد العيش وتكره البذل والتعب والنصب، فآثر الحياة في المنطقة الرمادية المريحة التي لا يعرف له فيها رأي ولا يظهر له فيها جهد، وأصبح يخشى القيام بأي تغيير قد يخل بما درج عليه.
والأمة تخوض حروبا ومعارك مختلفة على جميع المستويات ثقافية واجتماعية واقتصادية وتنموية، وتخوض مشادات قد تتحول إلى حروب مع دول لا تملك فيها الشعوب أي خيار أو أي قرار وإنما تساق لها سوقا كما تساق القطعان، وتخوض مشادات أخرى أصغر أو أكبر على مستوى مكونات المجتمع تثبط العزائم وتنهك الجسد وتحطم الإمكانيات بلا مبرر.
إن بعض المعارك التافهة تشغل عن المعركة الحقيقية وتشتت العقل وتوهن الجسد وتفسد العقل وتعطّل الحياة وتُعيق مشاريع الأمة، مع أنها لا تستحق كل ذلك الجهد.
إننا نجد من بيننا من لم يتعلّم أن تبدّل الأزمنة يقتضي تبدّل الحلول، وأن السقوط يتبعه نهوض، وأن خسارة معركة لا يعني نهاية حرب فكيف يكون نصر بلا معركة أو تكون معركة بلا عدو.
وليست الحياة إلا سلسلة معارك معركتها الحاسمة مع النفس، والنصر فيها لمن يتغلب على ضعفه تماما كمن ينام على تعب ليصحو أكثر قوة ونشاطا، ويستفيد من مهاراته الحياتية وذكائه الاجتماعي ونضجه النفسي.
وليس الحل في التهرب من الحقائق خوفا منها، أو عجزا عن مواجهتها، ولا في التغاضي عن الحقائق والأسماء والمسميات، فمن جهِل شيئا عاداه ومن أحبّ شيئا استعبده.
والمشاكل والأزمات لا تحل بالتغاضي والتغافل وكتم الأفواه وتغميض الأعين وصم الآذان، فهذا الفعل لا يحل مشاكلنا أبدا بل يزيدها تعقيدا.
ونحن مجبرون على خوض ثلاث معارك متزامنة:
– معركة يفرضها ديننا وتمليها مصالحنا، وهي معركة ضد التطرف بأنواعه المتعددة (ديني وسياسي وفكري وعرقي وثقافي…) وهو موجود بأنواعه بيننا شئنا أم أبينا، وهذه المعركة تستدعي نشر الاعتدال وقبول الآخر والانفتاح على الغير.
– والمعركة الثانية هي معركة مفروضة علينا تتمثل في التطرف المقابل الذي يواجه ديننا وتديننا، وهذه المعركة مستمرة عبر عنها القرآن بـ: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا …} وهذه معركة ينكرها الآخر، ويتغافل عنها العميان ويتناساها العملاء خبثا، تؤكدها النصوص ويعضدها الواقع، وتسن من أجلها القوانين.
– والمعركة الثالثة هي مع الطابور الخامس وأغلب أفراده من ذوي الجنسية المزدوجة أو أبناء الخونة، أو المستلبين فكريا، وهو طابور متجذر ويتخذ عدة صور ويظهر بعدة ألوان وجذوره قديمة ويده خفية، مُكِّن له في الإدارة والاقتصاد والمدرسة، وهو تيار يريد جر العربة لتتبع فرنسا.
ومن فتح عينيه على الواقع رأى أمارات هذا الصراع بادية وهي استمرار لمعركة قديمة، عبر عنها مالك بن نبي رحمه الله أحسن تعبيرفقال: «أما اليوم فالمعركة من الداخل وبين جدران القلعة، بين أولئك الذين يريدون الدفاع عن القلعة والذين يريدون تسليمها إلى الأفكار الأجنبية»[مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي].