اتجاهات

الأمـــر بالـمعــروف والنهــي عـن الـمنكــر… الفـريـضــة الغائبــــة

عبد العزيز كحيل/

لا يخفى على أحد كيف تقلص ظل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى كاد ينعدم في المجتمع رغم أنه فريضة من أوثق فرائض الإسلام، إلى درجة أننا لم نعد أمام مجرد سكوت عن منكرات تنتشر بل أصبحت كبائر المنكرات شيئا عاديا طبيعيا في حياتنا، يشب عليها الصغير ويموت عليها الكبير، تشجعها أطراف عديدة ولو ضمنا، على رأسها الأولياء الذين لا يبالون بسقوط أبنائهم في الانحراف والإلحاد وأنواع الآفات…أولياء يظنون أن الملابس الممزقة وتبرج النساء وتسريحات الشعر الغريبة أمور بسيطة لا تستحق الإهتمام، ولا ينتبهون إلى أنها مستصغر الشرر، وهي غالبا الخطوة الأولى في طريق التحلل من الدين والأخلاق…الأطراف العلمانية تزيّن كل هذا عبر التوجيه والإعلام وتعمل على نشره بدهاء، وتعدّه رقيا، في مواجهة ما تسميه التقاليد البالية، لذلك تروّج بكثافة للمثلية والفواحش والتحلل من الدين باسم الحرية الشخصية «التي يكفلها الدستور»، وقد انتهى الأمر إلى التعايش والتأقلم مع المنكرات في مجتمعنا المسلم، فقلَبت حياتنا رأسا على عقب، وسلبت من المسلمين أخلاق الحياء والحشمة وجل صفات ومعاني التديّن الصحيح، وإنما حدث هذا لأن طوفان الفساد لم يجد سدا منيعا من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر كما كان الأمر في الماضي، فتمددت الرذيلة وسط السكوت – والرضا – والتواطؤ، سكت المربون والأولياء حتى أصبحنا نرى المدارس تحوّلت إلى دور لعرض الأزياء الخادشة للحياء وأماكن للمجنون –والمواعيد – الغرامية…هذه هي الحقيقة على مرارتها، فهل نستسلم للتفسخ والانحطاط الأخلاقي؟
لقد بدأ الأمر بإخراج المرأة من البيت وعدم السماح لها بالعودة إليه، وانتهى بتغريب المنظومة التربوية ومحاولة تجفيف منابع التديّن والالتزام، إلى درجة أن الموضة هزمت المبادئ والقيم عند كثير من المسلمين، فترى حتى التجار استسلموا لها، يعرضون الملابس النسائية بطرق استفزازية تغري بكل الشرور.
بل وصل الأمر حد ازدراء النساء المحجبات – وهن قلة قليلة في المجتمع – وحتى التلميذة المتحجبة محاصرة من طرف زميلاتها في المؤسسة التربوية تلاحقها لسعات الموضة، ومن ثم صارت العولمة اللادينية تصنع حياتنا وتؤثر في تديننا، وقد استسلمت كثير من الأسر – الأزواج والأولياء – للواقع الفاسد، لكن أمة محمد صلى الله عليه وسلم تمرض ولا تموت، والحلّ هو تنادي الخيّرين بإحياء شعيرة الأمر والنهي على أوسع نطاق وبأرقى الوسائل والطرق، وفرض ذلك على الواقع المنحرف، ولهذه الشعيرة تبعات لابدّ من تحمّلها وضريبة لابد من دفعها لأننا نخشى أن نكون مقبلين على مرحلة جديدة من الضغط العلماني يلاحق حتى الحد الأدنى من احترام مظاهر التدين وعناصر الهوية، مثل قوانين الأحوال الشخصية، ورعاية المساجد، والاحتفال بالأعياد… وها نحن نرى من بعيد كيف أصبح التطبيع مع الصهاينة شرطا للتعايش، والديانة الإبراهيمية يحاولون ترسيمها دينا «جامعا».
إن إنكار المنكر مسؤولية الجميع، وبداية الإصلاح أن يتكلم الأئمة والشيوخ، أن يتركوا قليلا الحديث عن النظافة من الإيمان وفوائد التشجير وعذاب القبر، ويركزوا على تلك المواضيع التي كادت تغيب من الخطاب الديني، مثل حكم تارك الصلاة والترهيب الغليظ منه، حكم الحجاب وأنه فرض ديني (بعيدا عن الكلام الناعم عن «اللباس المحتشم»، هذه العبارة التي لا تعني شيئا بمقياس العلم الشرعي)، حكم التبرج وأنه معصية لله، وأن أكبر الكبائر هي تنحية شرع الله بالإضافة إلى معاني الانسجام مع الفطرة وخطورة تغيير خلق الله… هذا الخطاب يجب أن يكون موضوع الدروس المسجدية والأحاديث الإذاعية والتلفزيونية ليكتسب مصداقية لأن العلماء هم القدوة، إذا رفعوا أصواتهم استجاب المجتمع شيئا فشيئا…لا أكلف الشيوخ أن يكونوا أبطالا في مجتمع سلبي لكن أريد أن يؤدوا واجبهم الديني…والكلام عن المروءة والعرض والشهامة صنو الكلام عن الصلاة والصيام والحج، وهل يكون المسلم مسلما إلا بعزة النفس ومعالي الأمور؟
من هنا يبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (أي التغيير باليد وباللسان أولا) بشروطه وضوابطه وأخلاقه، فالمسؤول مطالب بالتغيير الفعلي – باليد – في حدود مسؤوليته، أما اللسان فيشمل التعريف والنصح والتنبيه والترغيب والترهيب، ويتولاه العلماء والدعاة والإعلام الملتزم والمنظومة التربوية، أما على مستوى القلب فجميع المسلمين مأمورون بالموقف العاطفي في حب الصلاح وبغض الفساد، وهذا ليس موقفا سلبيا بل هو أضعف الإيمان أي خزّان للعواطف الدينية الجياشة، تخرج إلى أرض الواقع في الوقت المناسب، فإذا لم يكن هناك حب للخير وبغض للشر في القلب فمعنى ذلك أنه لا إيمان فيه إطلاقا.
وإحياء شعيرة الأمر والنهي باليد واللسان في الزمن الحاضر لا ينحصر في المجهود الفردي بل يحتاج إلى مشروع فكري مقاوم للتيارات التغريبية للمحافظة على الهوية والدين والأخلاق وتحصين الجيل، مشروع يعتمد على رؤية واضحة واعية متكاملة للإصلاح، ويملك عزيمة كبيرة تمكنه من المقاومة والمغالبة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com