جامعة قسنطينة (1969 ــ 1975)بمناسبة مرور نصف قرن على تأسيسها نتائج إصلاح التعليم العالي في السنة الجامعية (1975/1971م) بإشراف الوزير محمد الصديق بن يحي (رحمه الله) “تابع الحلقةالخامسة”
أ. د. محمد عيلان */
2 ــ مجلس استشاري لتطوير جامعة قسنطينة:
وكعادة جامعة قسنطينة في الإنجاز والتفوق في مستوى التكوين، تأسس في نهاية السنة 1972م مجلس استشاري من أساتذة الكليات (جزائريون ومتعاونون أجانب)، رأسه الدكتور عبد الحق برارحي مدير الجامعة، يتكون من مجموعة من اللجان، مهمتها تطوير الجامعة والانفتاح على المؤسسات الاقتصادية والتكفل بانشغالاتها، وتقديم الرأي والخبرة، في إطار الخارطة الجغرافية لجامعة قسنطينة، عهدت أمانته الإدارية للسيد (محمد دريدي) مدير المكتبة.
أذكر من اللجان؛ لجنة العلاقات الخارجية التي انتخبت رئيسا لها، ولجنة العلاقة بالمؤسسات الاقتصادية والصناعية التي رأسها الزميل يوسف غيوة من دفعتنا، التحق بالكلية ليصبح في 1974 أول مدير لمعهد الأدب والثقافة العربية، ولجنة تطوير الجامعة وتحسين الأداء البيداغوجي، ولجنة البحث العلمي، ولجنة التعريب، ولجنة المكتبة، وغيرها من اللجان.
في إطار عمل اللجان أذكر ما قامت به لجنة العلاقات الخارجية المنبثقة عن هذا المجلس، فاقترحَتْ في سنة 1973م إرسال وفد إلى بعض البلدان العربية للتعاقد المبدئي مع بعض الأساتذة في تخصصات الآداب والحقوق والعلوم الاقتصادية لاقتراحهم على الوزارة من أجل التعاقد الرسمي معهم، إلى جانب إمكانية مساعدة الجامعة بالكتب والدوريات التي تصدر بالجامعات العربية، فانتخبتني للقيام بهذه السفرية مع أستاذ سوري الجنسية هو الدكتور إسماعيل آغا اسماعيل، من كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية، وكان التكليف بالمهمة ومستلزماته المالية يتم الحصول عليه عبر ملف تعده إدارة الجامعة يقدم للموافقة من الوزارة بحكم مركزية التسيير.
وعند اقتراب موعد السفر قدمنا للسيد مدير الجامعة برنامج السفرية متضمنا اقتراحات اللجنة فوافق عليها وقال: (أنا لا أملك إلا ان أعطيكما تذكرتي السفر، وأما ما يتعلق بمصاريف التكليف بالمهمة بالعملة الصعبة فإنكم تحصلون عليها بالجزائر العاصمة)، ولم يكن بإمكانه فعل أكثر من ذلك؛ لأن توظيف الأساتذة الأجانب يتم مرة في السنة عبر لجان من الوزارة تذهب إلى البلاد العربية والأوروبية والأنكلو سكسونية للتعاقد معهم. وقبل ذهابها تعلن عن طريق السفارة الجزائرية في البلد الذي تزوره في الصحف التي تصدر به عن حاجاتها من الأساتذة، والتخصصات المختلفة التي ترغب الجامعات الجزائرية في سد حاجاتها من الإطار التدريسي، ثم تحدد فترة مدتها أسبوعا لاستقبال الراغبين من الأساتذة في التوظيف؛ تحاورهم وتطلع على مؤهلاتهم العلمية، ثم تتعاقد معهم.. لكن هذه اللجان أغلب أعضائها إداريون من الجزائر العاصمة؛ لذلك كنا نفاجأ ببعض ممن تعاقدت معهم ليس لهم التخصص الذي نرغبه للتدريس.
وحان موعد السفر ولم نحصل إلا على تذكرة الطائرة من الجامعة، وسافرنا، ولحسن الحظ كانت الجامعات التي زرناها قد تكفلت بإقامتنا، وهي: جامعة القاهرة، جامعة بغداد، جامعة دمشق، جامعة حلب. وأتذكر في هذه السفرية السفير الجزائري بالعراق الدكتور عثمان سعدي، الذي استقبلنا ومهد لنا اللقاء مع مدير جامعة بغداد.
ومن طرائف هذه الرحلة أنني كنت أشرح للسيد رئيس جامعة بغداد ومساعديه؛ نظام التعليم الجديد الذي وضعته الجزائر، وهو نظام السداسيات بالنسبة لمرحلة الليسانس، ولست أدري كيف سمع لحظتها بدل السداسيات (مسدسات)، فقال بشيء من التعجب والحدة العراقية: (إش لون؟. مُسَدَّسات بالجامعة !!).
ومثله ما حدث بعد انتقالي إلى جامعة عنابة (1981/1980م) سافرت في وفد إلى المملكة الأردنية الهاشمية، في موضوع تعريب بعض الأساتذة، فاستقبلنا السيد رئيس الجامعة الأردنية، وأثناء الحديث في موضوعات جامعية متنوعة تطرقنا إلى الاستفادة من خبرة الجامعة الأردنية، ومساعدتها في حركة التعريب بــ (جامعة عنابة)، وجرى الحديث عن إمكانية التوقيع مبدئيا على (محضر للتعاون) نعرضه على الوزارتين، يمهد لاتفاقية تبادل الخبرات في مجال الموارد البشرية والوثائق، فسألني: كيف يتحقق ذلك؟ فقلت له نحن نرغب من الأستاذ الذي يدرِّس باللغة الفرنسية في بعض التخصصات التي ستعرب أن يعيش في المحيط الجامعي ذي الطابع العربي، ويحضر بعض المحاضرات مع زملائه الأردنيين في اختصاصاتهم، تمكنه من الانخراط في التدريس باللغة العربية، فسألني وما المدة الزمنية التي تقترحونها؟، فقلت: في المبدأ يمكن أن يتربص بعض الأساتذة في جامعتكم مدة شهر، وستتكفل جامعتنا من طريق وزارة التعليم العالي الجزائرية بمصاريف إقامة الأساتذة طيلة وجودهم متربصين، فلاحظت ملامحه قد تغيرت وسألني بحدة تلقائية: (يتربصون بمن؟) وفي اللغة العربية؛ التربص بالمكان لا يكون إلا بالأعداء. ثم قال يا أستاذ امحمد نحن على جبهة ساخنة وأنت تريد أن يتربص أساتذتكم عندنا..
دعوة جامعة قسنطينة لحضور المؤتمر العربي الثاني للتعريب:
في ديسمبر 1973م كلفني مدير الجامعة الدكتور عبد الحق برارحي لتمثيل الجامعة في المؤتمر العربي الثاني للتعريب برعاية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وقد انعقد بالجزائر العاصمة بقصر الأمم تحت شعار: (تعريب المصطلح العلمي)، و مما تمخض عن المؤتمر؛ إنشاء المكتب الدائم لتنسيق التعريب في الوطن العربي مقره (مدينة الرباط)، وكان من مهامه توحيد المصطلحات العلمية لدى الباحثين العرب، وذلك من خلال معاجم متفق على تداول مصطلحاتها، قُدِّم منها إلى المؤتمر ستة مشاريع لأساتذة من جامعات عربية، كان للجامعات السورية الحضور المتميز، وهي باللغات الثلاث (الانكليزية والفرنسية ومقابلها بالعربية): (مشروع معجم الحيوان)، (مشروع معجم الطبيعة والفيزياء)، (مشروع معجم الكيمياء)، (مشروع معجم النبات)، (مشروع معجم الرياضيات)، (مشروع معجم الجيولوجيا).
وأما دعوة الجامعات الجزائرية لحضور المؤتمر فقد كان حضورا تمثيليا أكثر منه إنجازا للمشاريع؛ لأن ما قُدم للمؤتمر إنجاز أخذ سنوات من التفرغ والبحث في المعاجم اللغوية باللغات الثلاث، وقادته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بالقاهرة، من خلال مكتبها بالرباط، الذي تحول في مؤتمر الجزائر إلى (مكتب تنسيق التعريب في الوطن العربي).
ـ دعوة جامعة قسنطينة لحضور المؤتمر العاشر للأدباء العرب بالجزائر عام 1973م:
كُلِّفتُ بتمثيل الجامعة في مؤتمر الأدباء العاشر الذي يشرف على تنظيمه اتحاد الكتاب الجزائريين برعاية وزارة الثقافة بالجزائر العاصمة. وكان الاتحاد وقتها منظمة جماهيرية أسسها في 1963 كتاب وشعراء باللغتين العربية والفرنسية أذكر منهم: مولود معمري، مالك حدّاد، أحمد طالب الإبراهيمي، عبد الله شريّط، مفدي زكريا، محمد العيد آل خليفة، كاتب ياسين، محمد الميلي، وآخرون.
وكان أبرز شخصيات المؤتمر الشاعر العراقي (الجواهري) الذي أبهر الحضور بقصيدته: (أم عوف)، سواء في العاصمة أو عندما انتقل المؤتمر لعقد جلستين تعريفيتين بمدينتي عنابة وقسنطينة.
الحلقة القادمة: تيارات فكرية بالجامعة
ـكلية الآداب جامعة باجي مختارــ عنابة.
Ailafolk@hotmail.com